كسر عظم بين عون والحريري؟
في 21 سبتمبر (أيلول) الماضي عندما سُئل الرئيس ميشال عون، إلى أين نتجه إذا لم يتم تشكيل حكومة جديدة، لم يتردد في القول «مباشرة إلى جهنم»، ورغم كل التعليقات والمآخذ على هذا الكلام الذي صدر فاجعا، عن رئيس للجمهورية أقسم على حماية البلاد والدستور، فقد بدا عون مساء الأربعاء الماضي، كمن يضع المفتاح في بوابة جهنم ليفتحها على مصراعيها أمام اللبنانيين، الذين تجمع كل المراجع السياسية والاقتصادية والأمنية، على أنهم يقفون على حافة فوضى عارمة، لا يتخوف منها المواطنون فحسب، بل لا يتوانى الوزراء المسؤولون عن التحسب الأمني لها.
يوم الأربعاء قيل للبنانيين إن عون سيوجّه لهم رسالة مساء في ساعة الأخبار، وحَسِب ذوو النيات الحسنة أنه يمكن أن يفتح كوة تساعد في ردم الفجوة الهائلة بينه وبين الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة سعد الحريري منذ أكتوبر (تشرين الأول)، الذي كُلف بأغلبية نيابية راجحة بلغت 110 أصوات في الاستشارات النيابية الملزمة التي أجراها عون، اختار الحريري أن تكون حكومة من 18 وزيرا من الاختصاصيين غير الحزبيين، تتولى لمرحلة انتقالية، ما كان يفترض أن تقوم به «حكومة المهمة»، التي اقترحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في السادس من أغسطس (آب) الماضي بعد انفجار المرفأ، والتي وافق عليها الجميع في لقائهم معه في قصر الصنوبر، ثم تنصلوا من هذا!
معروف أنه منذ تكليف الحريري تشكيل حكومة الاختصاصيين، قام بزيارة القصر الجمهوري 16 مرة مراجعا في التشكيلة الحكومية التي قدمها مكتوبة إلى عون، والتي لاقت دائما رفضا وشروطا تعجيزية من الرئيس، الذي يتمسك بأن يقوم شخصيا بتسمية كل الوزراء المسيحيين، وبأن يكون له «الثلث المعطل» فيها، لكي يستعمله طبعا كسلاح لفرض شروطه على أي قرارات تريد الحكومة اتخاذها!
كان دخان حرائق المتظاهرين يملأ سماء لبنان وتسابق طيران الدولار الذي صار يساوي عشرة أضعاف سعره الرسمي بعدما تجاوز عتبة الـ15 ألف ليرة، ربما لأنه بحنكة التحالف بين عون و«حزب الله»، فإن الليرة اللبنانية، باتت تسير على طريق التومان الإيراني، حيث بات الدولار الواحد يساوي 42000 تومان يوم الخميس الماضي.
النشيد الوطني تفخيما ثم قطع نشرات الأخبار، ليستمع اللبنانيون إلى كلمة الرئيس عون التي لم تستغرق أكثر من ثلاث دقائق، وكانت في عمق مضمونها بمنزلة إنذار صريح موجه إلى الرئيس الحريري:
«إنني أدعوه إلى قصر بعبدا من أجل التأليف الفوري للحكومة بالاتفاق معي وفق الآلية والمعايير الدستورية المعتمدة في تأليف الحكومات من دون تحجج أو تأخير، أما في حال وجد نفسه في عجز عن التأليف وترؤس حكومة إنقاذ وطني تتصدى للأوضاع الخطيرة، التي تعاني منها البلاد والعباد، فعليه أن يفسح المجال أمام كل قادر على التأليف»، يعني أنه يضع الحريري، خلافا لأي مسوّغ دستوري أمام خيار من اثنين: إما التشكيل وفق الشروط التي يتمسك بها منذ أشهر، وإما التنحي.
لقد بدا الأمر بمنزلة إهانة جديدة تدمر آخر إمكانية للتفاهم بينهما، بعدما كان عون اتهمه أمام حسان دياب بأنه كاذب، في وقت قال جبران باسيل صهر عون؛ إن الحريري لا يؤتمن على الإصلاح، وإنه مسؤول عن كل مسيرة الفساد التي ضربت مرافق الدولة في الفترة الماضية!
طبعا رد الحريري يومها على اتهامه بالكذب، مستعينا بقصيدة إنجليزية تتحدث عن «الغباء والمستشارين»، ولم يقصر مساء الأربعاء الماضي فسارع إلى الرد على عون بالقول؛ إنه سيزوره للمرة الـ17 لمناقشته في «تشكيلة متكاملة لحكومة اختصاصيين غير حزبيين، قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة قدمتها له قبل أسابيع… ولقد فوجئت كما فوجئ اللبنانيون بفخامته وهو يدعوني إلى القصر الجمهوري من أجل التأليف الفوري، ولكن في حال وجد فخامته نفسه في عجز عن توقيع مراسيم تشكيل هذه الحكومة، فسيكون على فخامته أن يصارح اللبنانيين وأن يختصر آلامهم ومعاناتهم عبر إتاحة المجال أمام انتخابات رئاسية مبكرة»!
كان الحديث العوني قبل أسابيع عن «كذب الحريري»، وجاء رد الحريري عن «غباوة المستشارين»، فكيف يمكن أن يتفاهم الاثنان على تشكيل حكومة جديدة توقف دخول لبنان إلى جهنم، التي دخلها ويمضي سريعا في نارها والدمار. والآن بعدما تصاعدت التحديات وحتى الإهانات، فمن غير اللائق أن يدعو عون الحريري إلى التشكيل أو الاعتذار، خصوصا بعدما كان قد زاره 16 مرة وناقشه في تشكيلة وزارية من الاختصاصيين من دون ثلث معطل، وخصوصا أن الدستور اللبناني لا يعطي عون حق مطالبة الرئيس المكلف بالاعتذار، وقد يكون من غير اللائق أيضا رد الحريري بدعوة عون إلى الاستقالة «اختصارا لآلام الناس ومعاناتهم»، مع أن تصريحات بعض السياسيين وتغريدات الكثيرين على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو عون إلى الاستقالة منذ زمن، بعدما وصل لبنان فعلا إلى الانهيار الكامل!
وفي هذا السياق، لا يتوقف الأمر عند قول عون شخصيا؛ إننا نتجه إلى جهنم، ثم فتحه أبواب جهنم بعد دعوته الحريري قبل أيام إلى التنحي، ما لم يقبل بحكومة وفق دفتر شروطه، ولا يتوقف الأمر عند تحليق الدولار عاليا وجوع المواطنين، بل عندما يجلس وزير الداخلية محمد فهمي مثلا أمام الكاميرا، ولا يتردد في القول بعد كل تخريجاته السابقة عن «الأمن المتماسك والأمن الممسوك»، ويحذر من «أننا ننحدر إلى الحضيض، لا بل قد وصلنا أمنيا إلى الحضيض»، محذرا من «تفاقم الفوضى الأمنية وعودة شبح الاغتيالات»، نكون فعلا قد عبرنا إلى جهنم!
وقد يكون من المناسب التذكير بموقف العماد جوزيف عون قائد الجيش الذي بدا وكأنه يصرخ في وجه الاجتماع الأمني الاقتصادي السياسي، الذي دعا إليه عون قبل أيام، عندما قال؛ «إن الجيش يعاني ويجوع، وإنني لن أضعه قطعا في وجه المتظاهرين الجائعين، فما الذي ينتظره المسؤولون السياسيون»؟
وعندما يتخذ مجلس النواب قرارا «بنهب» 200 مليون دولار مما تبقى من ودائع الناس في المصارف، لتغطية نفقات الفيول لشركة الكهرباء لمدة شهرين، بعدما كانت هذه الشركة المنهوبة قد كلفت الدولة 43 مليارا من الدولارات، منذ تسلمتها جماعة عون وصهره باسيل ومستشاروه، بعدما هدد وزير الطاقة بغرق البلاد في العتمة 24/24، فإن ذلك يعني أن لبنان دخل فعلا إلى جهنم التي تحدث عنها عون، وخصوصا بعدما صار الناس يشتبكون في قتال دامٍ على علبة حليب مدعوم، رغم أن عصابات التهريب أوصلت البن اللبناني المدعوم إلى متجر هارودز في لندن، والأدوية إلى العراق، والمازوت والبنزين إلى سوريا طبعا!
رغم القصف بالمدفعية الثقيلة بين عون والحريري، قرر الرئيس المكلف الذي يعرف أنهم يحرجونه بهدف إخراجه، أن يمضي في التحدي إلى النهاية، فقام في الثالثة من بعد ظهر الخميس بزيارة عون للمرة الـ17 في بعبدا، ولست أدري فوق أي حطام جلسا إلا حطام وطن يعبر سريعا إلى الجحيم، وإن كانا اتفقا على عقد اجتماع جديد الاثنين، قد يكون الدولار في حينه وصل إلى عشرين ألف ليرة!