التدرج الثوري الموضوعي .. بين منفذي الاجندات .. والمحلقين في الفضاء الخارجي !!!
علي ع. رباح
يذكر أحد قادة ثورة رومانيا عام 1989، ابان حكم تشاوشسكو حيث سقط الاخير على اثرها وأُعدم، بأنهم كانوا يحلمون بأن يُصبح بلدهم قوة شبيهة بالولايات المتحدة الاميركية، خصوصاً أنهم تلقوا دعماً مباشراً من وكالة استخباراتها، ونفذوا المخطط الثوري وفق الاجندة الاميركية، وكادت أمالهم تطال اطراف بعض المجرات، رومانيا ستتغير وستتطور وتدخل نادي الدول الكبرى من بابه الثوري الكبير.
يقول هذا القائد ما مضمونه أننا وبعد عشر سنوات من الثورة انزلنا سقف الطموحات، لنقبل بأن تصبح رومانيا كبعض دول غرب اوروبا المتقدمة، ومضت السنون وعلاقة الولايات المتحدة بنا أخذت تتعرى من كل الخطابات والشعارات وبرامج الاعلام المزيفة، لنكتشف وبعد عشرين سنة أننا انتقلنا من حكم اشتراكي فيه من الايجابيات والسلبيات المتقاربة، لنجد انفسنا تحت الوصاية الامبريالية حيث تخطت السلبيات الايجابيات، مع التركيز على الجنبة الاعلامية في ضخ الكثير من الكذب عن الوضع الروماني وانتقاله الى فردوس الديمقراطية، ونحن الآن ننافس المجر، مع احترامنا لها، على الموقع الجيوبوليتيكي والاقتصادي ومواقع اخرى لا فائدة من ذكرها.
ما أود قوله في هذه العجالة، امر يبعث على الحزن، فغياب الثورة الحقيقية في لبنان رغم كل هذا الاذلال، له مدلولات خطيرة، فاللبنانيون ليسوا شعوباً، كما يُقال، بل كل لبناني اصبح شعباً، يُفتش عن علاج مشكلاته لوحده، بمنأى عن الباقين، وقدرة تكيفه في المكان الخطأ ملفتة، فلا يستفزه الفاسدون وما فعلوه، ولا يستنفر كرامته الوطنية كل ما ارتكبوه و.. و..
المطلوب ثورة حقيقية، وليس “بهورات هوارية” في سهرات الانس، ولكن هذه الثورة لن تكون ناجحة وناجعة وناقلة الى وضع جديد افضل، إذا ما بقي منفذو الاجندات من احزاب معروفة الارتباطات والمشاريع يقدمون انفسهم على انهم الثورة، على الطريقة الرومانية الآنفة الذكر، تراهم يمعنون في اذية الناس وتضييع حقوقهم، وتجهيل الفاسدين الحقيقيين عبر بروباغندات اعلامية رخيصة كقامات اعلاميين معروفون جيداً في سوق النخاسة التلفزيونية، حيث “صار الوقت” لمحاسبتهم ورميهم مع جوقة الفاسدين، حيث يجملون قبحهم، ويسترون على عريهم دون جدوى .. هؤلاء يتلطون خلف شعارات براقة، واللبيب لا تنطلي عليه افاعيلهم، واغلوطاتهم، من امثال ديما وفارس ومارسيل وقطيش وكل ما تدنى مستواه في مستنقعهم الآسن ..
وتبرز المشكلة الاخرى، ثورويون محلقون في الفضاء الخارجي، يتحفوك بالنظريات والفلسفات والخطط، لتشعر وكأنك في الميثولوجيا اليونانية، يتكلمون بنرجسية فضائية، يطرحون افكاراً تصلح في مجرة اخرى، وهم منفصلون عن الواقع، وهؤلاء ترى منهم في بيئتك وبيئات اخرى.
ايها الاعزاء الفعل الثوري، فعل عاقل، يتدرج من قرار ذاتي بمحاربة الفساد في الدائرة الخاصة والضيقة اولاً، وبعده ينتقل الى دوائر اوسع، انه مجموع من الذين اكتووا من الفساد وليسوا بفاسدين، يقدمون برنامجاً واقعياً، موضوعياً، عادلاً، يحفظون نقاط قوة البلد وينطلقون منها، يثبتون هوية وطن ولا يتنازلون عنها، يفتشون عن الاصلح ليكون قائد الثورة، وهو الافضل والاقوى والاعدل.
الفعل الثوري عمل شريف، برنامجه شريف، هويته شريفة، وقائده الاشرف … وليس فعل بعض الاراعن الذين يريدون اخذنا الى وضع يُصبح فيه الموت أمراً حسناً مقارنة بما يريدون …
والسلام