إضرابٌ عمّالي فاشل إنتهى كما بدأ حين يتحرّك إتحاد “الآلو”: آلو قُمْ آلو نَمْ
إستفاق الإتحاد العمالي العام، بكبسةِ زرّ، من نومِهِ العميق وهتف: “نريد “حالاً” تشكيل حكومة إختصاصيين على قاعدة برنامج وطني إقتصادي إنقاذي، وشعارنا سيكون لا لرفع الدعم من دون خطة إقتصادية موازية تُنصف أكثرية الشعب اللبناني”. إستفاق الإتحاد. أضرَبَ. هتف. وأصدر بياناً وعاد وغطّ في نومٍ سحيق. “نوماً هنيئاً”.
لم يتحرر من زمان هذا الإتحاد العمالي العام من سلطة السياسيين الذين اعتادوا أن يُمسكوه من أذنيه الإثنتين كلما حلا لهم ذلك وكلما احتاجوا الى من ينفذ أجندة خاصة بهم أو ينفس، بإبرةٍ مسننة، شارعاً غاضباً. فهل علينا أن نُصدق اليوم أن الأمر تبدل بتبدل لبنان واللبنانيين وانزلاقهم الى القعر؟ هل “فوقة” الإتحاد العمالي هذه المرة حقيقية أم ما زال السوس ينغل فيه؟ ما رأي رئيس الإتحاد العام لنقابات عمال لبنان مارون الخولي الخارج من رحم هذا الإتحاد الميؤوس منه؟
سمعنا ما سمعه الخولي وما سمعه العمال والعاطلون عن العمل من بشارة الأسمر “المضرب” وهو يطالب: “بتشكيل الحكومة الآن”. سمعناه يُعدد المشاكل التي نختبرها. سمعناه يتحدث عن هجرة الشباب واموال المودعين الضائعة في جيب دولة مثقوبة والوعود الكاذبة ورفع الدعم والمنظومة الضامنة. سمعناه يتحدث عن الثالوث المقدس: التعليم الرسمي والهيئات الضامنة والمستشفيات الحكومية. وانتهى “غضب الاتحاد”. فهل انتهت فعالية “الزر” الذي كُبس عند هذا الحد؟ هل يُمكن لأحدٍ أن يتحدث عن نجاح إضرابٍ سخيف؟
أول شرط لنجاح إضراب هو ان يتعاطف معه الناس والقيادات العمالية وهم كانوا البارحة كما قبله كما اليوم وغداً، بحسب الخولي، بعيدين كل البعد عن حراك هذا الإتحاد الذي ما عاد يُمثل فعلياً سوى 5 في المئة من الحركة العمالية. فهذا الاتحاد الذي غاب كلياً عن حراك الشارع في 17 تشرين لم يستطع من زمان مجاراة الحركات الشعبية الحقيقية واعتراض الشباب. هو اتحاد بهيكلية “عتيقة” تنظيمياً وادارياً. هذا الاتحاد الذي لا يمكنه إسقاط حكومة او الدفع في اتجاه تشكيل حكومة لأنه جزء لا يتجزأ من السلطة السياسية الموجودة. إنه كمن يحاكي نفسه لا أكثر ولا أقل.
الإتحاد العمالي العام، قبل بشارة الأسمر ومعه، لديه مسؤوليات وهي: قضية الأجور. قضية الغلاء. قضية الإحتكارات. قضية تعويضات العمال في الضمان الإجتماعي. قضية الصرف الجماعي. قضية الإنتهاكات العمالية… فهل فعل تجاهها شيئاً؟ هو مثل “ست البيت” التي تسكن في بيت وسخ وتتكلم عن النظافة. فأين كان من كل هذه القضايا التي أرهقت الطبقة العمالية حتى الثمالة؟ نسأل هذه الأسئلة ونحن عالمون ان هذا الاتحاد يتماهى مع الطبقة السياسية الرديئة من “زمان وجاي”. فهل يمكن لمن يُمسَك من أذنيه ان يعمل ضدّ مصلحة من هو خاضع له؟ الطبقة السياسية اوصلت عمال لبنان، وكل لبنان، الى الدرك الأسود الحالك وصعبٌ على الاتحاد العمالي العام الذي يتماهى معها ان يقول: “أضربتُ لأجلكم ولأجلكم وحدكم” إلا إذا أعاد هيكلة نفسه. فهل فعل ذلك؟ العمال الذين قلبوا المحطات التي تنقل الإضراب أجابوا عبى السؤال. فما حصل البارحة لا يعنيهم لا من بعيد ولا من قريب.
أتتذكرون كم مرة ومرة نادى الإتحاد العمالي بيوم (وبأيام) غضب؟ فماذا أنتجت؟ بيانات؟ خطابات؟ كلام “معلوك”؟ الإتحاد العمالي ما عاد عمالياً بل تليق به أكثر صفة الإتحاد السياسي والحزبي العام. وإذا أراد تغيير هذه الصفة فليرفع دعاوى على من خانوا لبنان وعمال لبنان. فهو، في بنيته التكوينية، الممثل الشرعي الرسمي لعمال لبنان والهيئة الأكثر تمثيلاً القادرة ان تتكلم باسم عمال لبنان. ولها كامل الحقّ في رفع الدعاوى على وزارة الاقتصاد والمال ورئاسة الحكومة وزجّ كل من أوصلوا لبنان الى ما وصل إليه في السجون. فأين هو من هذه الصلاحية؟ هل يجرؤ؟
فلنسأل معاً: لماذا استفاق الآن؟ هل هناك من “كبس” على “زره” الآن من أجل الحثّ على المطالبة بعنوان: تشكيل الحكومة؟ أليس حراكه الجديد يندرج فقط في سعي بعض من يُمسكون به للحثّ على تشكيل الحكومة؟ طبعاً، تشكيل الحكومة مطلب ملح امس قبل اليوم ولكن ما يُراد منه، حين يخرج من قمقمه، هو أكثر من ذلك. مطلوب منه القول والفعل لا القول ثم النوم السحيق. هذا الإتحاد العمالي يستحق اليوم، أكثر من أي يوم آخر، تسمية: إتحاد “الآلو”: آلو تحرك الآن. آلو نمِ الآن.
الإتحاد العمالي العام مشكلٌ بنسبة كبيرة من اتحادات تنتمي الى حركة أمل ومن يندرج في ثناياها: “حزب الله” والبعث والقومي. وهو الرئة في اي حركة تفاوضية سياسية لا عمالية. فكلما اراد السياسيون التفاوض على ورقة تحتاج الى “غضب شعبي” لبى الإتحاد النداء. لو قرن رئيس الاتحاد القول بالفعل لكان الآن موجوداً في بهو وزارة الاقتصاد ووزارة المال ومصرف لبنان. فعمال لبنان ما عادوا ينتظرون “كلاماً” وبيانات بل دعاوى يقدمها الإتحاد باسمهم على وزارات ومؤسسات أخلت بالأمانة. فليتحرر من “الشبهة السياسية” وليُعلن: أنا مستقلّ. وليرفع دعوى أقله على وزارة المال ووزارة الاقتصاد وعلى المحتكرين. هذا لنصدقه.
لماذا خرج الإتحاد العمالي العام البارحة من قمقمه ساعات وعاد إليه؟ لتشكيل الحكومة وللمطالبة بالبطاقة التمويلية؟ يبدو ان السياسيين، أو بعض السياسيين، يريدون ان يقولوا: تشكيل الحكومة الآن مطلب شعبي فلتتشكل. السيد حسن نصرالله وضع الامر عند الرئيس نبيه بري والأخير يتكل بذلك على الإتحاد العمالي العام. أما البطاقة التمويلية، التي هي جريمة أخرى في حقّ اللبنانيين، لا بل هي “أكذوبة العصر”، هي سيمفونية يُراد بها “امتصاص الغضب الشعبي” الفعلي و”تنفيس الشارع” عند رفع الدعم وأحسن رافعة لها هو الإتحاد العمالي العام. بغضّ النظر عن كل تبعاتها.
الاتحاد العمالي العام بشكله الحالي مسيّر لا مخيّر. لا قرار ذاتياً له. لذا هو لا يمثل عمال لبنان. الزر الذي كُبس عليه البارحة ليس إلا لامتصاص النقمة الشعبية تجاه رفع الدعم وإعطاء الإتحاد إنتصاراً – أكذوبة. وفي هذا كله يتجاهل من يُمسكون بالبلاد والعباد ان اللبنانيين، والذين لا يزالون يعملون فيه، لا يُصدقون “مآثرهم”.