د. جلال جراغي-رأي اليوم
بالنظر إلى المحتوى الذي أنتجته وسائل إعلام بعض الدول العربية منها السعودية خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة وبعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، يمكن الاستنتاج بأنها دعمت بشكل أو بآخر العدوان الإسرائيلي الهمجي الأخير على قطاع غزة.
وفي الحقيقة فإن المقاربة الدعائية والترويجية لهذا الإعلام خلال هذه المدة يمكن معالجتها في المرحلتين قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار وبعده.
والنقطة التي تجدر الإشارة إليها هنا هي أن هذا الإعلام في تغطية مجريات الأحداث التي وقعت في غزة خلال هذا العدوان اعتمدت نهج “قلب الحقائق” بمعنى أن استخدام الأساليب والمناهج الأخرى جاء تحقيقا لهذا الهدف حيث كان يقع اختيار هذه الوسائل على ضيوف تتماشى توجهاتهم السياسية معها في محاولة لإلقاء اللوم على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
وخلال المرحلة الأولى (خلال العدوان)، حاول هذا الإعلام تصوير هذه الحرب بأنها ليست بين فلسطين أو الفلسطينيين مع إسرائيل بل بين حركة حماس وإسرائيل ومن خلال هذه المحاولة حاول إلقاء اللوم على حركة حماس للإيحاء بهذه الفرضية بأن حماس هي المسؤولة عن الحرب وليس الكيان الصهيوني وعلى هذا فعليها تحمل التداعيات المترتبة على الحرب.
وهذه الأدوات الترويجية والدعائية ومن أجل الإيحاء بهذه الفرضية على نحو مباشر أو غير مباشر ومن خلال توظيف عناصر مثل النص والصوت والصورة، كانت تؤكد ضمن أسلوب التكرار والمتابعة بأن حماس تخطت في الإعلان عن هذه الحرب السلطة الفلسطينية التي تعتبر حسب زعم هذا الإعلام الممثل الوحيد المشروع للشعب الفلسطيني ومن ثم دخلت الحرب دون علم من دول عربية مثل مصر والأردن.
وفي الواقع فإن المبتغى المنشود الكامن في طيات الأبعاد العميقة والخفية لهذا العنصر الدعائي يتمثل في التصوير الضمني والاستقرائي لحركة حماس كجماعة “متمردة” ويتم الاحتكام إلى هذا المنهج (تصوير حماس كجماعة متمردة) في إطار إضفاء الشرعية على الكيان الصهيوني وشرعنة عدوانه، بمعنى آخر فإن هذه المواجهة بين الكيان الصهيوني وحماس تأتي بهدف تصوير حركة حماس كجماعة متمردة على نحو غير مباشر على لسان ضيوفها إيحاءً للشق الثاني الخفي فهو “إضفاء الشرعية” على الكيان الصهيوني.
كما أن مشروع “نزع الطبيعة العربية” من الفصائل الفلسطينية كان ومازال في جدول أعمال هذه الوسائل وفي هذا السياق كان أحد أبعادها الدعاية “نسب” هذه الفصائل إلى بعض الدول غير العربية خاصة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في محاولة للإيحاء بإن هذه الفصائل ابتعدت عن هويتها العربية والفلسطينية وأصبحت أداة طيعة بيد ايران ودخلت الحرب بطلب من إيران متخطيا السلطة الفلسطينية والدول العربية، وتسليط هذه الوسائل الضوء على تصريحات قادة فصائل المقاومة الفلسطينية وفي التعبير عن شكرهم وتقديرهم لإيران لما دعمتها، جاءت من هذا المنطلق.
والهدف الإيحائي والاستقرائي الآخر لهذا الإعلام كان المحاولة لترسيم الكيان الصهيوني كمظلوم ومضطهد وتصوير فصائل المقاومة الفلسطينية كمعتدية وفي هذا السياق حاول هذا الإعلام من خلال طرح فرضيات صريحة وضمنية تمهيدا لدفع جمهورها إلى هذا الانطباع الاستقرائي بأن إسرائيل هي من كانت في موقف دفاعي وفصائل المقاومة هي من كانت في موقف هجومي وتثبيتا لهذه الصورة المنشودة حاول تصوير إسرائيل بأنها تستهدف المناطق والأنفاق المتعلقة بالفصائل الفلسطينية خاصة حماس غير أن هذه الفصائل هي من تستهدف المناطق المدنية والسكنية في إسرائيل مما أثار رعبا وزعرا بين الإسرائيليين.
وفي المرحلة الثانية أي مرحلة ما بعد الإعلان عن وقف اطلاق النار حاول هذا الإعلام عدم بث أي صورة من ابتهاجات شهدتها الشوارع في المدن الفلسطينية بدأ من الضفة الغربية والقدس ومروراً بالأراضي المحتلة في عام 1948 ووصولاً إلى قطاع غزة، كما أن هذه الأدوات الدعائية وبهدف “نزع المصداقية” عن الفصائل الفلسطينية والمقاومة حاول تصوير غزة بأنها مدينة مدمرة ومنكوبة إيحاء بأن المقاومة هي المسؤولة عن هذه الكارثة ومن هذا المنطلق كانت تسلط الضوء على الدور الذي لعبته مصر والأردن وتضخمه، كما كانت تدعي بأن السعودية هي أيضا كانت من الدول التي لعبت دورا فاعلا في وقف اطلاق النار محاولة تجميل صورة السعودية والإيحاء بانه لو لم تكن محاولات هذه الدول لم يعلن إطلاق نار، متجاهلة السبب الرئيس في تحقيق الانتصار أي القوة الصاروخية للمقاومة.
الباحث في الشؤون السياسية والإعلامية الإقليمية
زر الذهاب إلى الأعلى