مركز سيتا

اتفق رؤساء وزعماء دول جوار العراق المشاركون في قمة بغداد للتعاون والشراكة التي بدأت وانتهت يوم 28 أغسطس/آب الجاري (2021)، على توحيد الجهود لحفظ أمن المنطقة ومحاربة التطرف والإرهاب، وتبادل الاستثمار والتعاون لمكافحة جائحة “كورونا” والأضرار المناخية الخطيرة.

اجتمع المشاركون في مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، على مستوى الزعماء والقادة لدعم العراق والتباحث بشأن التحديات والقضايا المشتركة والآفاق المستقبلية في المنطقة، وفي مؤتمر صحفي بختام أعمال المؤتمر، قال وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، إن البيان الختامي للاجتماع تطرق لمجموعة من القضايا تتعلق أكثرها بدعم العراق، مؤكدا أن بغداد استطاعت أن تجمع دولا كانت بينها خلافات ومشاكل كبيرة.

محاولة للاستقلالية

جدد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي موقف بلاده الرافض أن يكون العراق منطلقاً للاعتداء على جيرانه، وأضاف أنه لا عودة إلى الماضي والحروب العبثية مع الجيران والأصدقاء، وفق تعبيره. وأثناء كلمته التي افتتح بها المؤتمر، قال الكاظمي إن الإرهاب والتطرف يشكلان خطراً على الجميع، مشدداً على أن القضاء على الإرهاب يتطلب مواجهة الظروف والبيئات التي تسمح بنموه، مشيراً إلى أن ما يجمع دول المنطقة أكبر بكثير مما يفرقها، طالباً دعم المجتمع الدولي لإجراء الانتخابات المقبلة في بلاده.

من جهته، قال الوزير حسين إن اجتماع بغداد تطرق لكثير من الملفات المشتركة بين البلدان المشاركة، مؤكداً أن اللقاءات السعودية – الإيرانية مستمرة، وهناك رغبة لدى الطرفين للوصول إلى نتائج إيجابية، وأن العراق كان وسيطاً بين دول مختلفة في المنطقة ولعب دوراً دبلوماسياً مهماً.

وقال المتحدث بإسم الخارجية العراقية إن جميع الوفود المشاركة في المؤتمر اتفقوا على ضرورة تجنب الخلافات، مضيفاً أن المؤتمر شهد حوارات معمقة بين الدول المشاركة.

تمثيل دولي واسع

أجمعت الدول المشاركة في المؤتمر على أهمية دعم العراق خلال المرحلة المقبلة والمساهمة في إعادة إعماره، وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في كلمته، إن عقد مؤتمر الشراكة والتعاون في بغداد “بمثابة النصر للعراق”، مضيفاً “ندعم سيادة العراق من أجل ضمان أمنه وندعم الشعب العراقي في مجال إعادة الإعمار، ومستمرون في الحرب على الإرهاب”.

من جهته، قال العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، إن “العراق يلعب دوراً مركزياً في تعزيز الحوار الإقليمي”، مبدياً “دعم الجهود العراقية في مكافحة الإرهاب والتطرف”، مشدداً على ضرورة “تبني سياسية التوازن والانفتاح”، الأمر نفسه أكده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في كلمته، حيث أبدى “دعم بلاده للعراق لاستعادة مكانته التاريخية في العالم العربي”، داعياً لوقف التدخلات في شؤون دول المنطقة وتدشين مرحلة جديدة من التعاون مع العراق”، متابعاً “نثق في نجاح العراق في الوفاء بالاستحقاق الانتخابي المقبل ونرفض كافة التدخلات الخارجية في شؤون العراق والاعتداءات غير الشرعية على أراضيه”.

وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، عبّر عن دعم بلاده لاستقرار العراق ووحدة أراضيه، مشدداً على ضرورة “رفع مستوى التنسيق بين دول المنطقة”، ومثمناً دور الحكومة العراقية في السيطرة على السلاح المنفلت”، مشيراً إلى أن بلاده تواصل “التنسيق مع شركائها لمواجهة التطرف، أما وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي فقد أكد، ضمن كلمته، على أن مؤتمر بغداد خطوة مهمة لعودة العراق إلى محيطه الإقليمي، داعياً للوقوف إلى جانب بغداد في هذه المرحلة التاريخية.

بدوره، قال الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، إن العراق مؤهل للقيام بدور فاعل في إرساء الأمن والاستقرار بالمنطقة، وأكد على أن “وحدة العراق وتعزيز مؤسسات الدولة من أهم خطوات الاستقرار”، داعياً المجتمع الدولي لدعم العراق لاستكمال عملية إعادة البناء، في حين قال رئيس الوزراء الكويتي، الشيخ صباح خالد الأحمد الصباح، إن استقرار العراق يسهم في استقرار المنطقة، مبرزاً أن العراق مقبل “على مرحلة سياسية محورية في تاريخه في الانتخابات المقبلة”، مطالباً “بعدم التدخل في شؤونه الداخلية”.

أما وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، فذكر أنه “لا يمكن للمنطقة أن تستقر دون استقرار العراق”، مضيفاً “المنطقة تعاني من الانقسامات والإرهاب يهدد دولها”، معبراً عن استعداد تركيا “للمشاركة في إعادة إعمار العراق”، ودعم وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان “أمن واستقرار ووحدة العراق”، موضحاً أن الأخير يلعب دوراً هاماً في المنطقة.

طي صفحة الإرهاب

ثمّن المجتمعون جهود الحكومة العراقية في إطار تحقيق الإصلاح الاقتصادي بالشكل الذي يؤمن توجيه رسائل ايجابية تقضي بتشجيع الاستثمار في مختلف القطاعات ويعود بالنفع على الجميع ويخلق بيئة اقتصادية مناسبة ويعزز عملية التنمية المستدامة وخلق فرص العمل، وأكد المشاركون دعم جهود حكومة جمهورية العراق في إعادة الأعمار وتوفير الخدمات ودعم البنى التحتية وتعزيز دور القطاع الخاص، وكذلك جهودها في التعامل مع ملف النازحين وضمان العودة الطوعية الكريمة إلى مناطقهم بعد طيّ صفحة الإرهاب.

وحول هذه القمة، قال الكاتب والإعلامي العراقي، أحمد الخضر في تصريح خاص لـ “مركز سيتا” بإن مؤتمر بغداد “حمل أبعاداً داخلية وإقليمية ودولية وتوجيه الدعوات كان على أساس الدول التي لديها أدواراً محورية في الداخل العراقي، ودول كبرى تتطلع إلى أدوار أكثر تأثيراً في الشرق الأوسط مثل فرنسا التي تبذل جهداً ملموساً لإعادة إيران إلى المجتمع الدولي.”

ويضيف الخضر “كذلك يسعى العراق لحل المشاكل الداخلية السياسية والأمنية وهي جزء من المشاكل الإقليمية في المنطقة والتعقيدات المترتبة عليها، وتتطلع الحكومة العراقية أيضاً أن يكون هذا الملف هو الحاضر الأول في اهتمام الدول المشاركة في المؤتمر، ومن المتوقع أيضاً أن يدعم‏ ‎مؤتمر قمة بغداد مخرجات القمة الثلاثية الأخيرة التي عقدت في بغداد قبل فترة بين العراق والأردن ومصر.”

الغائب الحاضر

أكد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أن “طهران ترحب بأية مبادرة إقليمية لمسؤولي جمهورية العراق، تشارك فيها دول المنطقة”، وبحسب مكتب الدبلوماسية الإعلامية بالخارجية الإيرانية، قال حسين أمير عبد اللهيان “نعتقد أنه كان ينبغي دعوة سوريا، كجار مهم للعراق، لحضور القمة”، لكن سوريا لم تعلق على عدم دعوتها، مضيفاً “طبعاً نحن على اتصال ومشاورات مع القيادة السورية فيما يتعلق بالأمن والتنمية المستدامة للمنطقة، وسنتشاور مباشرة مع دمشق حول قمة بغداد، والتأكيد على الدور المهم لدول المنطقة في أي منطقة إقليمية.”

أخيراً، إن مؤتمر بغداد يشكل بالنسبة لحكومة الكاظمي حافزاً كبيراً في استضافة الخصوم على طاولة واحدة وجمع المتضادين، لتحقيق الاستقرار في المنطقة التي يتأثر العراق بأحداثها، إذ تعتقد بغداد أن توفير المناخ المناسب لجلوس قادة وممثلي الدول المشاركة قد يكون الخطوة الأولى باتجاه حلحلة الأزمات بالمنطقة، ومن ثم إيجاد حلول لها في المستقبل، إن لم يكن خلال هذا المؤتمر، لكن بالشكل العام، تتطلع العراق إلى تصدر المشهد الإقليمي، إلا أنها اختارت التوقيت الخاطئ بسبب تعقيد الملفات من جهة، ومن جهة ثانية هي نفسها لا تزال تقف على أرضية غير ثابتة، لن تستطيع فعل الكثير ما لم تعالج قضايا الداخل وبعدها تبدأ بالخروج عن الدائرة الضيقة للتوجه خارج الإقليم.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.