فلتكن فلسطين عاصمتنا
نصري الصايغ
ما سأكتبه هو كلمات. كنت أُفضل اللعنات. من يستحقونها، خونة الحرية والعدالة والإنسانية. حوَّلوا العالم إلى تلاوات شهادة الزور. “إسرائيل أولاً… وأخيراً”. لا مكان للقيم في هذا العالم الجهنمي. فلنقفل أفواه “السادة الأنيقين جداً”. تعاملوا معهم كأعداء فقط. من يشاهد فظاعات الإرتكابات الإسرائيلية، ومن يبرر للعدو قرصنته، ومن يبارك عدوانه، ومن “يؤمن” بحق الإحتلال، أن يستكمل احتلاله، ومن لم ير بعد أكثر من نصف قرن، الجريمة المستدامة بحق كلّ فلسطين… من يرتكب كلّ هذا الفجور الإستثنائي، إذ لا شبيه له، يلزم تجريده من ثيابه الأخلاقية الفاخرة، وتعريته بالكامل، ليبدو بصورة الجلاد الخائب.
ما سأكتبه كلمات. فقط كي نقرأ النهايات: الإحتلال إلى زوال. إن لم يكن الآن، فبعد كلّ أوان. ذاقت “إسرائيل” غصّة التحول إلى ملجأ خائف. أصوات، على قلتها، بليغة. تقرأ إقتراب النهاية. نبوءة هؤلاء الصهاينة المتأخرة تقول: “هذه البلاد ليست لنا”. إنها فاتحة النص. لا أمان بعد اليوم للإستيطان. قد يحصل اتفاق لوقف القتال. لكن، لن تحصل القناعة، بأنهم في أمان. عرفوا أن الشهيد الفلسطيني، أقوى منهم. وهذه نصف المعركة.
ما سأكتبه، سيبدو باهتاً ومقصّراً. بلاغة اللغة تتقزم إزاء عبقرية الإنجاز. من كان يصدق أن “إسرائيل”، بلا سماء وعافية. من عاداتها، أن تسحق أعداءها في أيّام، وأحياناً في ساعات. حولّت أسلحة العرب إلى مقابر. هذه المرة، ازدهرت إقامة الصهاينة في الملاجئ. يد المقاومة تصل إلى حيث تشاء. غزة الصغيرة جداً، تناصب العدو بصليات، لا تهدأ. غزة تعاني ولا تخسر. العدو بدأ يعتاد على أنه دولة عادية. كلّ قواتها خائرة أمام صلابة السلاح والدم. إنها تتفوق فقط في قتل الأبرياء، متكئة على ضمير عالمي قذر، لا يستحق إلا الإحتقار. إنه مع المجرم والجريمة، وضد الضحية والدم… وليس هذا أمراً جديداً. الغرب مدرسة في النفاق الإنساني.
ما سأكتبه مهين جداً. لا أعرف السباب والشتائم، ثم، هو لغة الأراذل. إنما، كيف لا ألجأ إلى السباب المقدس، عندما يطلق على “الأشقاء” العرب؟ يا للعار. وهذا ليس جديداً. من يعتقل “شعبه”، ويرهب ناسه، ويغتصب أرضه، ويبيع عرضه، لا يستحق الإهانة بالكلمات. هو مهان، وصمت شعبه دليل قمعه واستبداده. هؤلاء، لا يعوَّل عليهم. إنهم، وعلناً، يقولون لنتنياهو: “أخي العزيز”. خلص. أسقطوا هؤلاء من قاموس الإنتماء. إنهم عباقرة الغصب والاغتصاب. والوقوف على الأعتاب الممتدة من عواصم الغرب إلى “تل أبيب”. سحقاً لهم. بدأنا نتلمس طريق نهاياتهم.
آخذ فسحة كي اختلي مع الدمع. لعيني دين عليّ. دموعي السرية، أغزر من العلنية. أسهر مع غزة ليلاً ونهاراً. أمارس الإنتماء إلى الأحزان النبيلة، إلى الشهادات المثخنة بالجراح. الثمن باهظ جداً، وظالم جداً. وأفدحه أن يتفرج العالم المتحضر بعيون مغمضة وقلوب كلسية وعقول برتبة أُجراء ومتسولين. من حقنا العلني أن نحزن كثيراً، وان نغضب أكثر. فالدم الفلسطيني عندنا، أغلى من كلّ ما اعتدنا عليه.
أما بعد:
تاريخ جديد تم افتتاحه الآن. “إسرائيل” لم تعد الأقوى، برغم جبروتها العسكري وتفوقها التقني ودعمها المجاني، من لصوص الغرب وزبانية العرب… “إسرائيل”، صارت دولة عادية جداً، ومعطوبة من داخلها. عنصريتها المعلنة والفاجرة، فجَّرت “عرب الأصل”، عرب فلسطين المغتصبة. لم يحدث هذا من قبل. لأول مرة، هبت فلسطين العميقة. استفاقت. قررت ألا تُذل. أظهرت للعالم الذي يرى بعينيه وقلبه، أن “إسرائيل” تمارس التمييز العنصري بتفوق وصلافة. فلسطين التقت كلّها فوق ترابها وسمائها. لا فرق بين غزّة والضفّة والقدس وأرض الـ 48، الأم الأصلية للإنتماء… هذا فاجأ “إسرائيل”. ستأتيك الضربات من كلّ الجهات. اطمئنوا يا عرب الردّة. حليفتكم مصابه بوجهها وصدرها وظهرها. وفلسطينيو فلسطين المحتلة، فاجأوا الجميع. مليونان، أو أقل قليلاً، يضافون إلى قافلة المواجهة. والعدو يحس الآن، أن الفلسطيني، أمامه وخلفه وجنبه. أي من كلّ الجهات. ويسأل كثيرون من “الإسرائيليين”: أين ملجأنا القادم؟ هل سمعت أيها الغرب الذي طارد وطرد اليهود في بلاده، وقادهم إلى بلادنا ليتخلصوا منهم. لسنا نحن من ابتدع “الهولوكوست”. أيها الغرب الجبان، “الهولوكوست “من اختراعك وجرائمك. لقد تعاونت حكومات غربية تحت الإحتلال النازي، مع هتلر، في تسيير قوافل اليهود إلى المحرقة، فيما كانوا في بلادنا، مثلنا… أيها الحقيرون المشوهون، لقد حولتم ضحاياكم إلى وحوش مفترسة، وصرنا نحن ضحاياهم وضحاياكم… لكن، إلى متى؟ تيقنوا، أن فجر حريتنا وإنسانيتنا، يطل من خلف مواكب الشهداء الذين تساهمون في قتلهم.
أما بعد… قريبا يبدأ العد العكسي لإسرائيل. عسى أن يبدأ أيضاً، لأنظمة التعامل والتغافل.
غداً، ماذا نفعل؟ ليس صعباً أن نكتشف الطريق. هذا أوان الإقتداء، فلتكن فلسطين عاصمتنا.