هل يُسقط “إسكوبار لبنان” رؤوسا كبيرة؟ “ترتبط شبكة دقو بحلقات أمنية وسياسية يحتاج كشفها إلى جرأة قضائية”
طوني بولس -أندبندنت
لا تزال قضية تهريب حبوب “الكبتاغون” المخدرة من لبنان إلى السعودية تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين، في ظلّ تكتّم شديدٍ يلف التحقيقات التي تتولّاها أكثر من جهةٍ قضائية وأمنية، نظراً إلى تشعّب الملف وكثرة المتورّطين فيه، لا سيما بعد بروز اسم المهرّب حسن دقو (الملقب بإسكوبار لبنان) الذي أوقفته شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وما تبعه من مواقف لأطراف سياسية نفت أي ارتباط به.
ويشير مصدر أمني لبناني إلى أن دقو أوقِف في بداية أبريل (نيسان) الماضي، على خلفية ضبط شحنة مخدرات انتقلت إلى ماليزيا كإجراء تمويهي يؤمّن وصولها لاحقاً إلى السعودية، ولاحقاً تبيّن أنه على علاقة بالشحنة التي وصلت إلى السعودية عبر صناديق الرمّان، وكمية الحشيش التي ضُبطت في أحد الموانئ اليونانية وكانت موضبة بشكل محترف في أدوات لصناعة الحلويات، وكانت وجهتها دولة سلوفاكيا.
وأفاد المصدر بأن “ملاحقة شبكات المخدرات أشبه بسلسلةٍ بشرية مترابطة، يقود كل طرف فيها إلى الآخر، لتصل إلى أعلى المستويات، باعتبارها شبكة محترفة تتعدّد فيها الجنسيات وتشكل امتداداً بين دول عدة، بالتالي فإن قرار كشف تلك الحلقات سياسي بامتياز ومرتبط بمدى جرأة القضاء وقدرته على الانتقال إلى الحلقات السياسية والأمنية المرتبطة بالمهرّب حسن دقو الذي يُعتبر بالمفهوم الأمني كنزاً ضخماً للمعلومات، قادر على إسقاط رؤوس كبيرة”.
“قرابين” العصابة
وبرأي الصحافي المتخصص في الشؤون القضائية يوسف دياب، فإن “مجموعة حسن دقو ليست جزيرة منفصلة عن واقعها”، مؤكداً أنه “لا يمكن أن يكون لدى دقو القدرات التي تخوّله امتلاك مصانع المخدرات وتأمين إدخالها عبر الحدود إلى لبنان ومن ثم إخراجها عبر الشاحنات إلى المرافئ العامة، من دون أن يحظى بحماية أمنية وسياسية نافذة ومؤثرة في البلاد”، لافتاً إلى أنه “تبيّن أنها ليست أول عملية تهريب يقوم بها”. وقال دياب “عند تقديم القرابين، تكتفي العصابة بتقديم ضحية واحدة وتضمن حصر القضية بالضحية”، موضحاً أن لـ “دقو” ارتباطات أمنية وسياسية معروفة في لبنان وسوريا، ومرجحاً أن يكون تلقى ضمانات من تلك الجهات لحماية عائلته ومصالحه وأمواله مقابل عدم توريط الجهات التي يتبع لها. زاد دياب أنه “يمكن أن تكون تلك الجهات تعده باستخدام نفوذها من أجل تخفيف وزر المحاسبة القضائية له في مقابل عدم الاعتراف بعناصر الشبكة المستفيدة”. ووفق دياب فإن دقو مثل أمام قاضي التحقيق لأكثر من ست ساعات ولم يقدم أي اعترافات خارج الدائرة الضيقة المحيطة به، “ما يعطي انطباعاً واضحاً بأن هناك مسعى لتقليل الأضرار وحصرها بدقو وبعض العمال التابعين له”.
وحول الأخبار المتداولة بتورط نجل أحد نواب “حزب الله” في القضية، تخوف دياب من محاولات لـ “لفلفة” القضية وأخذها في مسار واحد وكأنها قضية إتجار مخدرات محدودة العناصر.
واجهة الأسد ونصر الله
في السياق، يعتبر المعارض السوري كمال اللبواني، أن “حسن دقو ليس سوى واجهة خلفها حزب الله والفرقة الرابعة في القوات السورية”، وأن حصر قضية المخدرات به شخصياً هو لتبرئة الجهات التي يعمل لحسابها، بعد انكشاف أمر شحنات المخدرات الأخيرة في السعودية واليونان.
وكشف اللبواني أن “حزب الله استخدم دقو لشراء أراضي بلدة الطفيل الحدودية ومن ثم بيعها إلى رجل أعمال تابع للحزب من آل الموسوي”، موضحاً أن دقو “اشترى في بداية عام 2020 عقارات في بلدة الطفيل من البنك المركزي عليها رهن ومحجوزة بمبلغ بقيمة 20 مليون دولار، ولاحقاً باشر بمشروع ضخم على مساحة 5000 دونم على طرفَي الحدود، حيث توجد حدود رسمية بين الطفيل اللبنانية وعسال الورد السورية”. وتابع أن “دقو حظي بحماية الحزب لإزالة الحدود في خراج البلدة بين سوريا ولبنان حيث احتل أكثر من 3000 دونم من الجهة السورية، وطرد أصحاب الأرض منها بالقوة”.
وبحسب اللبواني فإن “المشروع يتضمن بناء مراكز سكنية لحزب الله، ومعامل لتصنيع طائرات من دون طيار، وتصنيع الأسلحة، إضافة إلى مصانع الكبتاغون”. ويؤكد المعارض السوري أن “حسن محمد دقو، كان راعي أغنام من عائلة متواضعة قبل أن يبدأ شراكته مع ماهر الأسد وحزب الله، حيث بات يمتلك ثروة طائلة وميليشيات مسلحة منتشرة بقوة في منطقة نفوذ الحزب على جانبَي الحدود اللبنانية– السورية”.
وقال إنه “في عام 2013 عمل دقو على إنشاء معامل للمخدرات في بلدة الطفيل، وجاء بمعدات حديثة، وخبراء أجانب للعمل تحت رعاية حزب الله”. وأضاف أنه “في عام 2014، ومع بداية هجوم حزب الله على بلدة القلمون، دعم دقو الحزب بشكل كبير، وبدا واضحاً أن كل معامل السلاح والمخدرات الموجودة في بلدة الطفيل مملوكة للحزب”. ويلفت اللبواني إلى أن “دقو تزوج من امرأة ثانية لبنانية، يُقال إنها ابنة أخت الحاج وفيق صفا، المسؤول في حزب الله”.
معمل ضخم
من جهة ثانية، أكد النائب عن منطقة البقاع الغربي بكر الحجيري “أن دقو حصل على الجنسية اللبنانية منذ أكثر من عام، مع أن أشقاءه يحملون هوية سورية من بلدة عسال الورد القريبة للحدود اللبنانية”، موضحاً أن “دقو تربطه علاقات بحزب الله، والفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري”.
وكشف الحجيري أنه “تم تسهيل استيراد معدات طبّية ومواد كيماوية إلى لبنان تدخل في تصنيع الكبتاغون”، وأن دقو بنى معملاً ضخماً لتصنيع حبوب الكبتاغون في بلدة الطفيل، مستغلاً الأوضاع المعيشية الصعبة التي يُعاني منها أبناء البلدة بدعم مباشر من “الحزب” و”الفرقة الرابعة”.
مصاعب كبيرة
في المقابل، ترى أوساط مقربة من “حزب الله” أن محاولات اتهام الحزب بالتخريب ستؤول إلى الفشل، معتبرةً أنها حرباً اعلامية ضدها وتعتقد أن الاجراءات السعودية تهدف إلى الضغط على البلاد. وأضافت هذه الاوساط أن ملف تهريب المخدرات ملف عالمي وشائك وهنالك مصاعب تعترض طريق ضبطها وأن دولاً كبرى تفوق امكاناتها إمكانات لبنان بكثير تعاني في تنفيذ ونجاح عمليات الملاحقة وضبط شبكات التهريب.
أكبر شحنة مخدرات في العالم
وكشفت وزارة الداخلية اللبنانية أنه ومن خلال التحقيق مع الموقوف حسن دقّو تبيّن أنه متورّط في تهريب أكبر شحنة مخدرات في العالم والتي تُقدّر بحوالى 94 مليون حبّة كبتاغون وضُبطت في ماليزيا وكانت متجهة إلى السعودية. ووزّعت الوزارة مستندات بأبرز العمليات التي تمّ تنفيذها في إطار مكافحة المخدرات عام 2021.
واستكمالاً للإجراءات التي يقوم بها وزير الداخلية محمد فهمي بعد تكليفه من قبل المجلس الأعلى للدفاع متابعة الملف مع السعودية، ترأس اجتماعاً للبحث في موضوع التهريب عموماً ومكافحة تهريب المخدرات إلى المملكة وكل الدول خصوصاً بحضور عدد من رؤساء الأجهزة الأمنية. وأكد الوزير فهمي أن “هذه القضية تشكل أيضاً تهديداً لأمن المجتمع اللبناني ويجب العمل على مكافحتها، فالدولة اللبنانية ضد زعزعة علاقاتها مع الدول الشقيقة والصديقة، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، ولا يمكن للبنان أن ينسى ما قدمته لسنين طويلة من مساعدات لا تُحصى”.
وأوضح فهمي أن “جهوداً تبذلها شعبة المعلومات ومكتب مكافحة المخدرات المركزي التابع للشرطة القضائية في قوى الأمن الداخلي بشكل دائم وبتنسيق مميز وشفاف مع كل الدول وخصوصاً السعودية”. وقال “كنا نعمل باللحم الحي وهناك نقاط ضعف وأسباب لوجستية يجب العمل على معالجتها بجدية وحزم، منها على المدى القصير ومنها على المدى المتوسط ولقد بدأنا بذلك”.
وأعلن وزير الداخلية اللبناني أن “هناك إجراءات ستُتخذ في خلال أسبوعين أو ثلاثة، لجهة تعديل وتغيير المستوى العملاني في ما خص التصدير، وأيضاً لجهة تأمين جهاز السكانر” (الكاشف)، مطالباً “الدول وخصوصاً الشقيقة منها مساعدة لبنان في الوقت الراهن عبر تأمين آلات حديثة للبنان لكشف ما يمكن كشفه”.