تحقيقات - ملفات

التوغل البري الإسرائيلي في غزة: جعجعة بلا طحين

عام 2018 قدّم رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “المفهوم الأمني 2030″، الذي يهدف إلى زيادة فاتورة الإنفاق على أنظمة الدفاع الجوي والسيبراني على حساب تدريب وتأهيل القوات البرية، وهذا يدل بشكل صريح على تآكل قدرة جيش الإحتلال على تحقيق إنجاز سريع وحاسم على الأرض، ولو حاولت القيادة السياسية والعسكرية إخفاء هذا الأمر، فالمعارك البرية التي خاضتها “ألوية النخبة” أثبتت ذلك، لا سيما في معركة الشجاعية الشهيرة والتي لا يزال مصير الجندي “شاؤول آرون” الذي أُسر فيها مجهولًا.

بعد 3 ايام قتالية واستهداف المقاومة للعمق الاسرائيلي بنحو ألف صاروخ، صرح المتحدث باسم جيش الإحتلال هيداي زيلبرمان، بأن “إسرائيل” تحشد قواتها على الحدود مع القطاع ترقبًا لصدور قرار بتوغل بري، وأضاف: “إسرائيل استدعت 7000 جندي احتياطي، لقد زرت الألوية والمدرعات والمشاة الموجودة على الحدود. إنهم يحشدون القوة البشرية والمعدات ويستعدون. تم التخطيط المنظم. سيستغرق الأمر أياماً” ليُعلن بعد ذلك عن رفع عدد الجنود الذين تم استدعاؤهم إلى 9000.

لكن كان من اللافت تصريح المتحدث باسم الجيش جوناثان كونريكوس الذي نفى أمر التوغل وقال: “حصل لبعض الوقت لغط حول توغّل لقوّات إسرائيليّة في قطاع غزة المحاصر… إنّ الجنود لم يدخلوا القطاع، بل حصل خطأ داخلي -في التواصل-“، وهذا ينمّ عن الخلاف بين القيادة السياسية والعسكرية على أقل تقدير، حول تقدير الموقف، ومقاربة الحيثيات الميدانية والسياسية.

الإعلام العبري أشار الى هذا التهافت في تصريحات المسؤولين العسكريين، وقال أحد المحللين الإسرائيليين إن “جيش الاحتلال يكذب فهو ليس بصدد شن عملية برية في غزة بل يقوم بقصف غزة من خارجها، موهمًا الراي العام بانه ينفذ تقدمًا بريا”.

وفي وقت لاحق اليوم الجمعة، كشف موقع 0404 العبري، أن نتنياهو بصدد إنهاء العملية العسكرية على القطاع قريبا. وبحسب الموقع، فإن “إنهاء العملية العسكرية على قطاع غزة مرهون بتقليص حماس لنيرانها بشكل كبير”.

في السياق نفسه، أكد مراقبون ان خيار التوغل البري مستبعد، فلا جهوزية للقوات البرية لتغامر بالدخول إلى منطقة هي تعلم سلفًا انها “دخيلةً” عليها، وذلك سيسبب حتمًا خسائر هائلة في الجنود والعتاد، ونتنياهو ليس بوارد ان يتحمل مسؤولية السخط الشعبي الذي سينتج عن هذا الأمر، وهو في لحظة سياسية حرجة، مع الحملة الكبيرة التي يشنها عليه الحزب اليميني.

أضف إلى ذلك ان الفصائل الفلسطينية التي جهزت كمين الشجاعية واستدرجت قوات “لواء غولاني” هي نفسها تتمتع الآن بقوة عسكرية وصاروخية أكبر مما كانت عليه.

في هذا السياق أكد الناطق العسكري باسم كتائب القسام أبو عبيدة أنَّ “أي توغلٍ بريٍ في أي منطقة في قطاع غزة سيكون فرصة لزيادة غلتنا من قتلى وأسرى العدو…كتائب القسام جاهزة لتلقين العدو الصهيوني دروساً قاسية”.

من جهة أخرى تؤكد مصادر مطلعة ان “إسرائيل” لا تزال تقاتل بنفَس أخير لأجل الحفاظ على ما تبقى من المعادلة القديمة القائمة على عزل قطاع غزة عما يجري في القدس، وهي المعادلة التي حسمتها الفصائل، ولكن السؤال هنا، هل تتبع “إسرائيل” سياسة الهروب إلى الأمام؟ فهي تعلم بأن الدخول إلى القطاع سيكون بمثابة جبهة مفتوحة قد لا تُغلق بأسابيع او ربما شهر، بالنسبة للفلسطينيين في القطاع فهم قد تأقلموا مع الحصار المفروض، ولكن ماذا عن الكيان الذي لا تملك جبهته الداخلية والمجتمع الإسرائيلي مقومات الصمود، إضافة إلى مشاكله الداخلية والمواجهات المتصاعدة في المدن الإسرائيلية المختلطة.

لهذا يبدو أن الحديث عن التوغل البري زوبعة في فنجان، وحرب نفسيّة تحاول القيادة السياسية توظيفها لجني بعض الانتصارات الوهمية أو مجرد صورة نصر.

الخنادق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى