تحقيقات - ملفات

4.5 مليون مستوطن في الملاجئ و10 قتلى و200 جريح بصواريخ المقاومة / المقاومة تؤكد قبول التحدّي وثقتها بفرض معادلتها في القدس ومفاجآت عسكريّة / نتنياهو وأركان حربه يعلنون مواجهة مفتوحة مع غزة حتى فرض تهدئة بشروطهم /

كتب المحرّر السياسيّ-البناء

المشهد غير مسبوق في تل أبيب، حيث المستوطنون في الملاجئ والحرائق تملأ الشوارع وصفارات الإنذار تتواصل وسيارات الإسعاف تحمل القتلى والجرحى، هذا هو وصف مراسل إحدى وكالات التلفزة الأوروبيّة لما جرى قبيل وبعد الساعة التاسعة من ليل أمس، عندما تساقطت صواريخ المقاومة على العاصمة الفعلية لكيان الاحتلال ومركز عصبه الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي والعسكري، رداً على تدمير أحد الأبراج السكنية في غزة بغارة جوية لجيش الاحتلال، وبحصيلة يوم الحرب الطويل عشرة قتلى من المستوطنين وفقاً لمصادر إعلامية اعترف الكيان بأربعة منهم، ومئات الجرحى اعترف جيش الاحتلال بمئتين منهم، وحرائق في منشآت النفط في عسقلان، ودمار العديد من الأبنية والمنشآت والمنازل والمحال التجارية، بصورة لم يعتدْ عليها المستوطنون ولم يشهَدوا مثله. فخلال حرب تموز 2006 بقيت الأمور عند حدود حيفا، وكانت نوعيّة الصواريخ أدنى فعلاً بكثير من الصواريخ التي سقطت على تل أبيب، وبالحصيلة فإن أربعة ملايين ونصف مستوطن من حيفا إلى بئر السبع قد نزلوا الى الملاجئ.

التداعيات على المستوى الشعبيّ عربياً وعالمياً سجلت العشرات من فعاليات التضامن مع القدس وغزة في وجه الانتهاكات والعدوان، فيما ظهر الارتباك على المستوى الرسميّ، عربياً ودولياً، سواء بسبب التعاطف مع كيان الاحتلال، بموازاة حجم الإحراج الذي تتسبّب به قضية القدس، كما أظهرت البيانات التي صدرت عن وزراء الخارجية العرب أو عن عواصم الغرب وواشنطن خصوصاً، بينما كان الإرباك الأهم عائداً لما ظهر في الميدان من ضعف في قدرة جيش الاحتلال بفرض إرادته رغم وحشيّة أعمال القتل والتدمير التي قام بها، بينما كانت المفاجأة بحجم قدرة المقاومة على تظهير ما أعدّته لهذه المواجهة.

قيادة كيان الاحتلال وعلى رأسها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ومعه أركان حربه، من وزير الدفاع الى رئيس الأركان ورئيس الاستخبارات، أكدوا في مؤتمر صحافي مشترك مضيَّهم في المواجهة التي وصفوها بالطويلة، وقد رسموا لها سقفاً سيجعلها تطول كثيراً، وهو كسر إرادة قوى المقاومة في غزة، فيما كانت طائرات جيش الاحتلال تستهدف المزيد من الأماكن المدنية والبنية السكانية في غزة للضغط على قوى المقاومة، بينما كان الطريق الساحلي الى غزة يشهد حشوداً بمئات الدبابات وناقلات الجند نحو تخوم غزة بما يُوحي بنية الانتقال الى حرب بريّة أو التهديد بها على الأقل، فيما خرجت شرطة الاحتلال لاقتحام فاشل جديد للمسجد الأقصى.

فصائل المقاومة أكدت قبول التحدّي الذي أعلن عنه قادة الاحتلال، وأعلنت ثقتها بقدرتها على مواصلة المواجهة لأيام وأسابيع، واستحالة فوز الكيان برهانه على كسر إرادة المقاومة وفرض تهويد القدس بالقوة، وقال قادة المقاومة وفي طليعتهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة، أن لدى المقاومة ما يكفي لضمان الفوز في هذه الحرب وحماية القدس وسكانها ومقدساتها، سواء على مستوى الإرادة او المقدرات العسكرية، خصوصاً الصاروخية كماً ونوعاً، أو على مستوى الجهوزيّة للحرب البريّة لتكبيد الاحتلال خسائر جسيمة مكلفة، وفرض التراجع عليه رغم مكابرة قادته. فالمواجهة لا تزال في بداياتها والمجال مفتوح للسقوف الكلاميّة العالية، لكن الأيام اللاحقة ستظهر كيف سيُجبَر قادة الاحتلال على البحث عن مخارج كلاميّة مناسبة للتراجع عن هذه السقوف.

وخطف المشهد الأمني والعسكري في فلسطين المحتلة الأضواء الداخلية في ظل التصعيد الإسرائيلي في القدس ومحيطها ضد الشعب الفلسطيني والعدوان الجوي على قطاع غزة، وسط ترقّب لبنانيّ وعلى مستوى محور المقاومة لتداعيات هذا العدوان والمستجدّات التي قد تحصل لا سيما احتمال توسّع المواجهات إلى حرب بين العدو الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية وانتقالها إلى جبهات أخرى لا سيما في جنوب لبنان في ظل تمديد حالة الجهوزية والاستعداد للمقاومة التي أعلن عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير تحسباً لأي مستجد جراء أضخم مناورات عسكريّة كان ينوي إجراءها العدو الإسرائيلي في تاريخه واضطر لإلغائها.

واستبعد خبراء عسكريون لـ»البناء» تمدّد المواجهات الشعبية والأمنية والعسكرية في فلسطين المحتلة إلى الحدود الجنوبيّة مع فلسطين بسبب «عدم قدرة «إسرائيل» على خوض جبهات عدة في الوقت نفسه»، متوقعين أن تبادر «إسرائيل» إلى «طلب التدخل الدولي للملمة الوضع خلال أيام قليلة». وشدّد الخبراء على أن «إسرائيل أعجز من أن تفتح جبهة مع حزب الله في جنوب لبنان في ما هي لا تستطيع بكامل قدراتها النارية على احتواء غضب الشعب الفلسطيني ووقف الصواريخ التي تتساقط على عمقها من قطاع غزة».

في غضون ذلك، تابع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تطور الأحداث في الأراضي المحتلة في ضوء استمرار الاعتداءات الاسرائيلية. ودعا المجتمع الدولي الى «التدخل لمنع «إسرائيل» من مواصلة عدوانها»، مجدداً التأكيد أن «لا سلام من دون عدالة ولا عدالة من دون احترام الحقوق».

وإذ حيّا عون صمود الشعب الفلسطيني، اعتبر أن «طغيان مبدأ القوة والتهجير وسلب الحقوق لن يؤدي إلا الى مزيد من العنف والتمادي في الظلم وانتهاك القوانين والقرارات الدولية المتعلقة بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس».

وفي ضوء هذا الواقع المشتعل في فلسطين المحتلة، يستمر مشهد الجمود القاسي في الداخل اللبناني على صعيد تأليف الحكومة وسط تضاعف الأزمات الحياتية والاقتصادية والمالية مع دخول قرار رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية حيز التنفيذ من دون إعلان أو قرار رسميّ، وما الارتفاع الجنونيّ لأسعار اللحوم والدواجن والمواد الغذائية في السوبرماركات إلا دليل على ذلك.

وأشارت مصادر مطلعة على الملف الحكومي لـ»البناء» إلى أن «جميع الجهود الداخلية للتوصل إلى تسوية حكوميّة وصلت إلى طريق مسدود واصطدمت بجدار المواقف بالتزامن مع سقوط المبادرة الفرنسيّة عملياً. وهذا ما أخفته الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ولو لم يعلن ذلك رسمياً، لكن زيارته في الشكل والمضمون أوحت وأكدت ذلك». وتضيف المصادر أنه أمام الإغلاق الكامل للحلول الداخلية والمساعي الفرنسية لم يبقَ سوى انتظار انعكاس التحولات والمتغيرات في المنطقة التي تتأتى تدريجياً من المفاوضات الأميركية – الإيرانية حول الملف النووي الإيراني وعلى هامشها الحوارات بين الرياض من جهة وكل من طهران ودمشق من جهة ثانية». وتوقعت المصادر أن يبقى الوضع الداخلي في لبنان على ما هو عليه من انسداد للحلول السياسيّة وتفاقم الأزمات الحياتيّة والاقتصاديّة حتى الصيف المقبل أي إلى حين إنضاج الحلول الدولية – الإقليمية واتضاح المشهد بعد إنجاز سلسلة استحقاقات لها وقعها في رسم المشهد المقبل في المنطقة وحتى على الصعيد الدولي أهمها وصول المفاوضات النووية إلى خواتيم سعيدة تعيد رسمياً الاتفاق النووي إلى الحياة وتنهي القطيعة بين طهران وواشنطن وتلقي بنتائجه على دول المنطقة، الثاني الانتخابات الرئاسية السورية إذ أن الانفتاح العربي والسعودي تحديداً على سورية سينتظر إنجاز هذا الاستحقاق، وبالتالي إطلاق مرحلة سياسية ديبلوماسية اقتصادية جديدة في سورية تبدأ بتوجه السعودية لفتح سفارتها في دمشق والانطلاق بإعادة إعمار سورية. وهذا سيفتح الباب أمام عودة النازحين السوريين في الدول المجاورة وأولها لبنان ما يتطلّب وجود حكومة توافقية تتلقف وتتجاوب مع هذا التحول في المشهد السوري، هذا بالإضافة إلى اقتراب الحل السياسي للحرب في اليمن».

ولفتت المصادر إلى أن «لا حكومة في لبنان قبل اكتمال المشهد الإقليمي – الدولي وبالتالي أمام لبنان مزيد من الأزمات والمعاناة والتوتر الاجتماعي والأمني مع بقاء إدارة البلد كما هي عبر حكومة تصريف الأعمال حتى ينضج الحل ويتم تأليف حكومة جديدة». لكن المصادر ترى بأن «المشهد الجديد قد لا يسمح ببقاء المعادلة الحاليّة نفسها، بل قد يتطلب حكومة برئاسة شخصية غير الرئيس سعد الحريري في ظل معارضة قوة إقليميّة أساسية له كالسعودية».

وأعلن الوزير السابق غسان عطاالله في حديث تلفزيوني أنّه «إذا لم نصل إلى نتيجة مع الحريري لدينا خيار الاستقالة من مجلس النواب والذهاب نحو انتخابات نيابية مبكرة». وقال: «لم نطلب من الحريري يوماً أن يعتذر بل طلبنا منه تأليف الحكومة». ولفت عطاالله إلى أنّ «الوضع لن يبقى على هذه الحال وسنشهد في الأسابيع المقبلة تغيّرات في الوضع اللبناني».

وكشف أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أرجأ اللقاء المقرّر مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل تجنّباً لحصول تشنّج مع الحريري.

وأكدت مصادر مطلعة على موقف بعبدا لـ»البناء» أن «الرئيس عون يفضل الانتظار وتسيير الأمور بالحكومة القائمة على خيار تأليف حكومة ينال الحريري فيها النصف زائداً واحداً لا سيما في حال لم يتم الاتفاق على رئيس للجمهورية سترث الحكومة صلاحيات الرئاسة الأولى».

ونقل زوار الرئيس عون أنه «أبدى كل استعداد للخروج من الأزمة الراهنة، وهو يعمل في هذا الاتجاه ويده ممدودة للتعاون مع الجميع لإنقاذ لبنان». وأشار الزوار الى أن «عون يولي الملفات الاقتصادية والحياتية الاهتمام الرئيسي ويسعى الى دعم القطاعين الزراعي والصناعي وتوفير التسهيلات اللازمة لهما، لأنهما يشكلان رافعة للاقتصاد الوطني». وعن موضوع الدعم، قال عون: «هذه المسألة دقيقة وتحتاج الى معالجة وطنية متكاملة وشاملة، وليس إجراءات وتدابير متفرقة لا تحقق النتائج المرجوة منها. والتعاون بين مختلف الوزارات والإدارات والهيئات ضروري كي لا تذهب أموال الدعم الى غير مستحقيها».

وفي السياق نفسه قال باسيل: أيّ مبلغ بأيّ عملة يسدَّد للمودعين من حساباتهم هو واجب ومستحقّ ويعيد بعض الثقة، كما يخفّض سعر الدولار المنفوخ ويحرّك الاقتصاد.

ولليوم الثالث على التوالي، تمنّع العديد من المحطات في مختلف المناطق عن تزويد السيارات بمادة البنزين باستثناء قلة قليلة اصطفت أمامها السيارات في طوابير امتدت عشرات الأمتار فيما نفذت دوريات رقابة مصلحة الاقتصاد في الشمال بمؤازرة أمن الدولة جولة على محطات المحروقات في طرابلس -زغرتا – أنفه – عكار- الضنية. وسطرت محاضر ضبط بحقّ المحتكرين. وأكد ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا ان «لا رفع للدعم عن المحروقات حتى اليوم في ضوء الاتصالات التي نقوم بها». وقال: «الشركات التي لا تزال لديها بضاعة تعمل على تسليمها الى السوق وننتظر أن تفرغ البواخر الراسية في البحر حمولتها في أسرع وقت».

ورأس رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في السراي الحكومي اجتماع اللجنة الاقتصادية ومراقبة الأسعار بحضور الوزراء المعنيين وتم الاتفاق على رفد وزارة الاقتصاد بعدد إضافي من المراقبين من وزارة السياحة وتفعيل دور البلديات في مراقبة الأسعار.

وأفيد أن «حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سيزور اليوم بعبدا لإطلاع رئيس الجمهورية على عمل منصة «صيرفة»، من أجل تأمين ثبات القطع استناداً إلى أحكام المادة 75 من قانون النقد والتسليف». وأشارت مصادر قريبة من بعبدا الى أن «الرئاسة في خضم اتخاذ قرارات على مستويات عدة تشمل الحكومة والمبادرة الفرنسية والدعم على السلع الأساسية ورفعه»، موضحة أن «هناك قرارات مماثلة ستتخذ من جهات أخرى، لان الوقت أصبح داهماً ولا يمكن الاستمرار بتصريف الأعمال الى ما لا نهاية».

على صعيد آخر، ألزم النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم أصحاب المستوعبات التي كانت موجودة في مرفأ بيروت والتي كانت تحتوي مواد خطرة، والتي شُحنت من قبل الشركة الألمانيّة «كومبي ليفت»، بتسديد كامل المبلغ الذي دفعته الدولة اللبنانيّة، وهو يفوق المليوني دولار أميركي، وذلك خلال مدّة أسبوع، ومنعهم من السفر، تحت طائلة التوقيف في حال عدم الدفع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى