عصام خليفة لـ “أساس”: لدينا ألف كلم2 في البحر فوق حسابات الحزب
إيلي القصيفي – أساس ميديا
أستاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية الدكتور عصام خليفة أشهر من أن يُعرّف. منذ السبعينيات أيّام “حركة الوعي” الطالبية، واسمه حاضرٌ يتردّد في كلّ مرّة تبرز الحاجة للرجوع إلى أساسيّات وبديهيات الكيان والدولة. حاولوا أخيراً إسكاته. حولّوه إلى محكمة الجنايات لأنّه قال ما لا يحبّون سماعه عمّا يحصل في الجامعة اللبنانية. لكنّ كثيراً من اللبنانيين تضامنوا معه، وبقي صوته القوّي صدّاحاً. الآن وما إن أزفّ موعد ترسيم الحدود البحرية جنوباً حتّى شهر عصام خليفة وثائقه ومستنداته التي كان من المفترض أن يشملها برأيه “الاتفاق – الإطار”، لاسيّما المادة الخامسة من اتفاقية الهدنة، ووثيقة ترسيم الحدود بين 5 و15 كانون الأوّل 1949. كذلك يرى أنّ “القرار 425 أقوى من القرار 1701، إذ يطالب إسرائيل بالانسحاب إلى خطّ الحدود الدولية، بينما الـ1701 يعتمد الخطّ الأزرق، “وهو خط تقني، ليس هو خطّ الحدود الدولية”. وأمّا عن الترسيم البحري فهو يشير إلى أنّ لبنان مغبون حتّى بعد اعتماد النقطة 23، كما يثير الخطأ الذي ارتكبته وزارة الأشغال أيّام الوزير محمد الصفدي في حكومة السنيورة في اتفاقها مع قبرص.
يبدأ الدكتور عصام خليفة حديثه لـ “أساس” بشرح مراحل كلّ خط حدودي بين دولتين، بدءاً بالتعريف، ثمّ التحديد ، فالترسيم، فالتثبيت، وأخيراً الإدارة. ويسرُد أنّ “تعريف الحدود اللبنانية قد حصل في 31 آب عام 1920. أمّا عملية التحديد، فحصلت في 23 كانون الأول 1920. وفي أوّل حزيران 1921، اجتمعت لجنة ترسيم الحدود وبدأت عملها برئاسة بولهPaulet عن فرنسا ونيوكومب New combعن بريطانيا. وفي 3 شباط 1922، وقّع المسؤولان الفرنسي والإنجليزي اتفاق ترسيم الحدود. وفي 7 آب 1923، أُبرمت الاتفاقية، وأصبح هذا الترسيم معمولاً به ابتداء من 10 آذار 1923. أما عملية التثبيت، فتمّت في 4 شباط 1924 حين أُودع محضر هذا الترسيم الى عصبة الأمم فأُقرّ، وهكذا أصبحت الحدود دولية”.
يستغرب خليفة كيف اعتمد فقط القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن في 11 آب 2006 في “الاتفاق – الإطار”. ويقول: “لست ضدّ اعتماده. بل بالعكس، أعتبره مرجعاً ضرورياً، لكنّه يتحدّث عن الخطّ الأزرق الذي ليس هو حدود لبنان الدولية”
يتابع: “في 29 أيلول 1947، أصدرت الأمم المتحدة القرار 181 القاضي بحلّ الدولتين في فلسطين، وبعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 تمّ التوقيع، في 23 آذار 1949، على اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل. وقد نصّت المادة الخامسة من الاتفاقية على ما يلي: “يجب أن يتبع خطّ الهدنة الدائمة الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين.”
بعد ذلك قامت لجنة الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية، وبإشراف الأمم المتحدة، بعملية مسح جديدة للحدود بين 5 و15 كانون الأول 1949، ووُضع تقرير من 12 مادة. ثمّ في حرب حزيران 1967، بدأت إسرائيل باحتلال النخيلة ومزارع شبعا على مراحل. وحاولت أن تعلّق العمل باتفاقية الهدنة معتبرة إيّاها ساقطة، لكنّ الدولة اللبنانية والأمم المتحدة أكّدتا التمسك بها.
وفي العام 1978، اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان (عملية الليطاني)، وقد صدر عن مجلس الأمن القرار 425 والقرار 426 اللذين طالبا بانسحاب القوات الإسرائيلية إلى الحدود المعترف بها دولياً. وكذلك قامت إسرائيل باجتياح آخر عام 1982. وفي 24 أيار 2000، انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان، ووافقت الحكومة اللبنانية على الخطّ الأزرق كخطّ انسحاب، مع بعض التحفّظات. وقد استعاد لبنان 17.751.600 م2 كانت أراضي مقتطعة من قبل إسرائيل.
وهنا يشير خليفة إلى أنّه “بالمقارنة بين الخطّ الأزرق وخط بوله – نيوكومب، نلاحظ وجود تباين في 13 نقطة، بينما مجموع مساحة الأراضي المتحفّظ عليها بين لبنان وإسرائيل 485487 م2. وإضافة إلى هذه النقاط الثلاثة عشر، هناك مزارع شبعا، وتلال كفرشوبا، وقرية النخيلة، وقرية الغجر، وهي بموازاة الحدود اللبنانية مع الأراضي السورية المحتلة من قبل إسرائيل.
أمّا بالنسبة للمنطقة الاقتصادية البحرية، فقد قام لبنان بتطبيق مندرجات الاتفاقية الدولية لقانون البحار التي وقّع عليها لبنان بموجب القانون رقم 295 تاريخ 22/2/1994، بينما لم توقّع إسرائيل على هذه الاتفاقية الدولية. وتعتدي إسرائيل على المنطقة الاقتصادية اللبنانية وتطالب بمساحة 860 كلم2: “كما طرح الجانب الأميركي اقتسام هذه المنطقة بإعطاء لبنان 468 كلم2 وإعطاء إسرائيل 392 كلم2، وقد رفض لبنان هذا الاقتراح، ويجب أن يستمرّ في رفضه”.
برأي خليفة أنّه حتى اعتماد النقطة 23، فيه غبن للبنان، إذ للبنان ما يزيد عن الألف كلم2 إضافية وراءها، بحسب الاتفاقية الدولية للبحار
بعد هذا التقديم التاريخي الموثّق، يدخل الدكتور خليفة إلى الوضع الراهن بشأن اتفاق – الإطار لمفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل الذي أعلن عنه الرئيس نبيه بري في الأول من تشرين الأول الجاري، فيبدأ بالتأكيد على “وجود وثيقة رئيسية كان يجب أن تشكّل أساس التفاوض مع إسرائيل، وهي وثيقة ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين في 10 آذار 1923… كذلك لا أعرف لماذا ألغيت المادة الخامسة من اتفاقية الهدنة”، المذكورة أعلاه… وكان يجب بالنسبة إليه اعتماد وثيقة ترسيم الحدود بين 5 و15 كانون الأول 1949 بموادها الـ12، المرفقة بخريطة توضح خطّ الحدود الدولية والنقاط الحدودية.
إلى ذلك، يستغرب خليفة كيف اعتمد فقط القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن في 11 آب 2006 في “الاتفاق – الإطار”. ويقول: “لست ضدّ اعتماده. بل بالعكس، أعتبره مرجعاً ضرورياً، لكنّه يتحدّث عن الخطّ الأزرق الذي ليس هو حدود لبنان الدولية”.
“هذه ملاحظتي”، يقول خليفة، ويضيف: “القرار 425 أقوى من القرار 1701، إذ يطالب إسرائيل بالإنسحاب إلى خط الحدود الدولية. لا أرى غضاضة في أن يكون الـ1701 في أساس التفاوض، لكن يجب أن تُضاف إليه الوثائق التاريخية والمعاهدات الديبلوماسية والخرائط ذات الصلة”.
أمّا في الترسيم البحري فيرى خليفة أنّه “كان يجب أن نؤكّد أنّ مرجعيتنا هي الاتفاقية الدولية لقانون البحار”.
ويقول: “نحن كدولة الله يساعدنا، فوزير الأشغال السابق محمد الصفدي وقّع اتفاقاً بين لبنان وقبرص شارك فيه موظفون من وزارة الأشغال، يخلص إلى اقتسام المنطقة الاقتصادية بين البلدين مناصفة وهذا إجحاف بحقّ لبنان، إذ إنّ قبرص جزيرة ولبنان برّ، لذا يحقّ لنا بأكثر من ذلك”.
ويضيف: “النقطة واحد التي وضعها هذا الاتفاق، سبّبت لنا مشكلة، لكنّ خبراء الجيش استدركوا هذا الخطأ واستبدلوا النقطة واحد بالنقطة 23 جنوباً. لكنّ الخطأ هذا استفادت منه إسرائيل وأبرمت اتفاقاً مع قبرص. إنّما في الاتفاق اللبناني القبرصي، هناك مادة تقول إنّه إذا كان أيّ طرف يريد أن يوقّع اتفاقاً مع طرف ثالث، عليه أن يسأل الطرف الآخر. لكنّ قبرص أبرمت اتفاقاً مع إسرائيل ولم تسأل لبنان. إسرائيل تقول اليوم إنّ النقطة رقم 1 هي ما اتفق عليه بين لبنان وقبرص. فالخلاف هو بين النقطة واحد والنقطة 23، وهذه المساحة تطالب بها إسرائيل”.
يتابع: “هنا دخل الأميركيون على الخط ووضعوا خطّ (فريديرك) هوف الذي قسّم منطقة النزاع قسمين، واقترحوا استثمار هذه المساحة وتوزيع أرباحها على الجانبين لكنّ لبنان رفض”.
يسأل خليفة: “هل لدى دولتنا أرشيف ممكنن؟ أين أرشيف اتفاقية الهدنة؟”، ويجيب: “أنا حصلت على اتفاقية ترسيم الحدود من جامعة أوكسفورد لا من لبنان!”
لكنّ رأي خليفة أنّه “حتى اعتماد النقطة 23، فيه غبن للبنان، إذ للبنان ما يزيد عن الألف كلم2 إضافية وراءها، بحسب الاتفاقية الدولية للبحار”.
يقول: “المساحة المعطاة لنا هي نحو 17500 كلم2، بينما يجب أن تكون 23632 كلم2، إذ إنّ طول ساحلنا 169 كلم، وطول ساحل إسرائيل 149 كلم، وقد أعطيت إسرائيل 27 ألف كلم2، في وقت أنّ شاطئنا أطول من شاطئها، فكيف حصل ذلك؟ نحن نطرح سؤالاً، وهو سؤال العارف. لا نريد أن نزايد على أحد، لكنّ عقولنا تشتغل”.
بالنسبة لخليفة فإنّ “المفاوضات هي حرب وصراع من دون سلاح. فما هو سلاحنا؟ الأكيد أنّه قوّة جيشنا وشعبنا، لكن هناك قوّة ثانية هي قوّة العلم، أي الوثائق التاريخية”. ويسأل: “أين شبعا في إطار التفاوض؟ ما هو موقعها ومصيرها؟ هل هي من الجولان أو من لبنان؟ هذا سؤال مهم. وأنا نظريتي كأستاذ تاريخ أنّ مزارع شبعا جزء من حاصبيا لا من الجولان”.
يضيف: “مزارع شبعا وقرية النخيلة هي داخل الأراضي اللبنانية منذ قيام لبنان الكبير، وقد حصلت على وثائف من NANTES نانت الفرنسية تبرهن أنّها جزء من لبنان. كما أبرزت اتفاقاً بين لبنان وسوريا سنة 1946 موقّع من قاضٍ عقاري سوري اسمه عدنان الخطيب، وقاضٍ عقاري لبناني اسمه رفيق الغزاوي. وهناك اتفاق ترسيم حدود في شبعا بيننا وبين سوريا، لماذا لا يبرزونه؟ بينما يستمرّون في طرح السؤال عمّا إذا كانت مزارع شبعا سورية أو لبنانية، وينتظرون ورقة من سوريا؟”.
ويسأل خليفة: “هل لدى دولتنا أرشيف ممكنن؟ أين أرشيف اتفاقية الهدنة؟”، ويجيب: “أنا حصلت على اتفاقية ترسيم الحدود من جامعة أوكسفورد لا من لبنان!”.
ويذكر في السياق كيف استعادت مصر منطقة طابا، حين أبرز الدكتور في جامعة القاهرة لبيب يونان خريطة تؤكّد مصرية طابا، فربحت مصر الصراع مع اسرائيل حولها.
برأي الدكتور خليفة أنّ مفاوضات ترسيم الحدود هي بمثابة معركة كبيرة، ويسأل: “هل هناك إدارة شاملة للصراع؟ لماذا لم تشكّل خليّة أزمة يكون من أعضائها: جميع رؤساء اللجان العسكرية اللبنانية – الإسرائيلية السابقين، الضباط المتخصّصون في مديرية الشؤون الجغرافية في موضوع الحدود والإحداثيات، ديبلوماسيون محنّكون، مسّاحون وطوبوغرافيون متمرّسون، جغرافيون ومؤرخون متخصّصون؟ هل أمّنت الحكومة اللبنانية كلّ الوثائق والخرائط لكي تساعد المفاوض اللبناني في وجه إسرائيل؟”.
ويختم: “أمّا إذا كان هناك اتفاقيات مسبقة تحت الطاولة، فأنا كمواطن لا كأستاذ تاريخ فحسب سأقاومها، وسأدافع عن حقوق وطني وشعبي”.