تحقيقات - ملفات

طـريـقـنـا الى الصومال

نبيه البرجي-الديار

 

المشهد بات يختزل هكذا : من يكسر رأس من؟ لا أحد يعنيه أن صراع الأنانيات يجري داخل… الحطام!

اللبنانيون الذين يدركون أن دولتهم ولدت من الخاصرة اعتادوا ألاّ يؤخذوا بظاهر الأشياء. يتساءلون عن الأصابع الغليظة التي تعبث بالرؤوس في قصر بعبدا، وعن الأصابع الغليظة التي تعبث بالرؤوس في بيت الوسط…

ما يتناهى الى بعض المراجع من كلام فرنسي حول ما يمكن أن تؤول اليه «الحالة اللبنانية» يثير الهلع، ربما ما هو أكثر من الهلع. بخطى حثيثة نحو الصومال الآخر. لا حكومة، ولا رئيس جمهورية، ولا مجلس نواب، حتى ولا ادارة، ولا مصرف مركزي، ولا مؤسسة عسكرية. كل زعيم قد يعلن الادارة الذاتية في منطقته، لنستعيد تجربة الدوقيات الأوروبية في القرن الثامن عشر، ودون أن يهبط علينا (من التاريخ) رجل مثل بونابرت أو بيسمارك أو غاريبالدي.

ماذا يعني أن يصل الأمر بالرئيس نبيه بري، وهو رجل العصا السحرية (والأفكار السحرية)، الى حد اليأس المطبق؟ ثمة من ينتظر أن يضرب بيده على الطاولة ما دام الكثيرون يثقون به، ويقول كلمته التي تهز كل الكراسي. فقط حين تهتز الكراسي تهتز الرؤوس…

أي كلام آخر لم يعد يجدي الآن. أي دولة، بل اي منطقة، ليكون الحياد؟ وأي تدويل حين نكون في نقطة التقاطع بين لعبة الأمم ولعبة القبائل؟ التسوية مستحيلة بين سوريا واسرائيل، والتسوية مستحيلة بين مصر وتركيا، والتسوية مستحيلة بين السعودية وايران. وسط هذه الغرنيكا، ألا نبدو… الدولة المستحيلة؟

كل تلك المصائب لم تحمل رجال البرج العالي، وهم رجال الهاوية، على التنازل، وحتى على الواقعية. ذاك الاجترار المروع للمواقف، وللتراشق بين هذه الحاشية وتلك الحاشية. هنا وهناك أوركسترا الخراب. حتى عبارة «صراع الديكة» لم تعد تليق بالحالة. صراع الغربان…

المسألة لم تعد سياسية، ولا دستورية، ولا علاقة لها بمنطق الأشياء، ولا حتى بمنطق الطوائف. لماذا يصر الرئيس سعد الحريري، وقد أخفق في تسويق تشكيلته المرة تلو المرة، على الدوران في الحلقة المقفلة؟ كيف يجيز لنفسه أن يبقى هكذا، دون أن يعبأ بالتبعات الأخلاقية لذلك الموقف العبثي؟

لعبة من يلعب الرئيس المكلف، وهو المايسترو الذي لم يتقدم يوماً رؤيته للخلاص؟ وهل يدري رئيس الجمهورية بالصلاحيات المحاطة بالأسلاك الشائكة، ان كل يوم يمضي دون حكومة يزيد في تآكل العهد أكثر فأكثر، وان كان الناس ما زالوا على رأيهم في أن قبوله بالمساكنة مع ثقافة المافيات، وثقافة الأزقة، كانت الخطيئة المميتة التي دمرت رهان الجنرال (الرهان السريالي) على أن يكون الرجل القوي للبنان القوي. الرجل القوي هو الذي يصل على الأكتاف، وهو رجل القضية، وهو الرجل الذي يرفض صفقات منتصف الليل، وان كان هذا ليس وارداً في لبنان الذي مثل الشراع الذي بمائة سارية.

هنا البازار. كل شيء يخضع لآليات السوق، ولقيم السوق. هو الذي اعترض بشدة على وثيقة الطائف لأنها تجعل من رئيس الجمهورية رجلاً من دون أظافر، (طربوشاً بين الطرابيش ) ولم يلبث أن ارتضى التعامل معه كنص منزل من كل الأوصياء على هذه الجمهورية التي دخلت في الشيخوخة دون أن تبلغ سن الرشد.

بالرغم من كل ذلك، خاطب الجنرال، من شرفة القصر «شعب لبنان العظيم» (كيف للفديرالية الطائفية أن تنتج شعباً عظيماً؟). طرح نفسه المخلص داخل هذه الأدغال. هل حقاً أن حظه العاثر كان أنه انتخب رئيساً للبنان، بالتوازي، وبالتزامن، مع انتخاب دونالد ترامب رئيساً لأميركا؟

لا بد من انصاف الرجل الذي كان عليه أن يدفع ثمن مواقفه ابان حرب تموز 2006. حتى أن أحد الذين التقى بهم ديفيد شينكر في بيروت قال له بالحرف الواحد «لولا ميشال عون لكان «حزب الله» في خبر كان».

الرئيس الحريري في قطر، قد نراه في الكويت. كل ذلك الدوران حول المملكة. وزير بيروتي كان من أركان البيت الحريري قال لنا «لن تجد رأس الشيخ سعد على كتفيه الا حين تفتح أمامه أبواب قصر اليمامة… ». يا أصحاب الأدعية!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى