هل يستفيد ضحايا الحروب الكيماوية من الاتفاقيات الكثيرة؟
فيديل سبيتي
احتفظت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بمخزونات هائلة من عشرات آلاف أطنان هذه الأسلحة
منظمة حظر الأسلحة الكيماوية
وقف تصنيع الأسلحة الكيماوية، واستخدامها يحتاج إلى توافق دولي على مدى الضرر الذي تلحقه بالإنسانية جميعاً، والتوافق يحتاج بدوره إلى أدوات تنفيذية تكون هذه الدول نفسها مشرفة عليها، وعلى تطبيق القرارات التي تتخذ في المؤتمرات الدولية الكثيرة. ومن هنا، ولدت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، لكن هل تقوم هذه المنظمة بما أوكل إليها، وهل تمكنت منذ الحرب الأولى حتى اليوم من منع استخدام الأسلحة الكيماوية؟
هذا ما يمكن نقضه بسهولة، إذ إنه قبل سنوات، استُخدم هذا النوع من الأسلحة في سوريا، وراح ضحيته المئات من المدنيين العزّل اختناقاً واحتراقاً بالمواد السامة، وفي عام 1988 قتل الآلاف في مجزرة حلبجة في العراق باستخدام هذا النوع من الأسلحة، وغالباً ما يأتي دور المنظمة بعد وقوع الكارثة في الدول التي لم تصرح عن امتلاكها السلاح الكيماوي، ولكن، على الرغم من ذلك، مُنحت جائزة نوبل للسلام عام 2013 لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية “لجهودها الحثيثة في سبيل القضاء على الأسلحة الكيماوية”، وقالت لجنة جائزة نوبل، “أكدت الأحداث الأخيرة في سوريا، حيث استُخدمت الأسلحة الكيماوية مجدداً، الحاجة إلى تعزيز الجهود المبذولة للتخلص من هذه الأسلحة.، وتسعى اللجنة من خلال منح الجائزة لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية إلى المساهمة في القضاء على هذه الأسلحة”.
بعض أنواع الأسلحة الكيماوية
قد يعتقد كثيرون أن الأسلحة الكيماوية حديثة المنشأ وتحتاج إلى مهارات متطورة لصناعتها، ولكنها استخدمت كأدوات للحرب منذ آلاف السنين في السهام المسمومة، أو دخان الزرنيخ، أو الأبخرة الضارة، إلا أن استخدامها وُصِم لفترة طويلة بالقسوة غير الضرورية والتصرفات الجائرة من قبل الجميع، حتى من قبل الأطراف المتحاربة.
حتى يومنا هذا، هناك مواد تستخدم بشكل يومي واعتيادي تعتبر من المواد الكيماوية الضارة، التي قد تعتبر أسلحة بحسب كيفية استخدامها. فتعرف المواد المستخدمة في مكافحة الشغب على أنها مواد كيماوية “سلمية”، تؤدي إلى تهيج حسي أو آثار جسدية معيقة فورية على البشر، وتتلاشى كلها بعد فترة قصيرة لاحقة، الأمر نفسه ينطبق على مبيدات الحشرات والأعشاب المستخدمة في الزراعة، ولكن نُص عليها في ديباجة اتفاقية الأسلحة الكيماوية على أنه يمكن استخدامها كأسلحة حربية، ولكن مع ذلك، ليس هناك تعريف محدد لمبيدات الأعشاب في الاتفاقية، سوى التالي، “يمكن اعتبار مبيدات الأعشاب التي تستخدم عمداً لإلحاق الضرر بالبشر أو الحيوانات من خلال مفعولها الكيماوي في العمليات الحيوية سلاحاً كيماوياً”.
هذا في المواد الكيماوية التي نستخدمها في حياتنا اليومية، أما المواد الكيماوية التي تعمل على الجهاز العصبي المركزي، والتي يشار إليها أحياناً باسم العوامل المسببة للشلل، فهي أيضاً غير معرّفة أو مذكورة بالاسم في الاتفاقيات الكثيرة، وتقوم هذه المواد “البدائية” نسبياً، على تثبيط الأعصاب والنبضات بين الخلايا العصبية، أو بين نقاط الاشتباك العصبي، وهي عوامل شديدة السمية مع تأثيرات سريعة ومميتة، وتصبح فعالة من خلال الامتصاص عبر الجلد والرئتين.
أما حين تختلط الكيماويات بالأسلحة البيولوجية التي تتطور يوماً بعد يوم، فسنحصل على تركيبات قاتلة خطرة بدرجة يمكنها القضاء على ملايين البشر في وقت قصير.
اجتماعات واتفاقات ومقررات
يعود أول اتفاق دولي يحد من استخدام الأسلحة الكيماوية إلى عام 1675، عندما توصلت فرنسا وألمانيا إلى اتفاق يحظر استخدام الرصاص السام، وبعد 200 عام تقريباً، في عام 1874، أُبرِمت اتفاقية بروكسل بشأن قوانين الحرب وأعرافها التي تحظر استخدام السم أو الأسلحة السامة، واستخدام الأسلحة أو المقذوفات أو المواد التي من شأنها إحداث إصابات وآلام لا مبرر لها، ولم تدخل هذه الاتفاقية حيز التنفيذ مطلقاً.
قبل نهاية القرن الـ19، ظهرت اتفاقية ثالثة، فقد كانت جهود نزع السلاح الكيماوي في صلب مؤتمر لاهاي للسلام عام 1899 حين أعلنت الأطراف المتعاقدة “الامتناع عن استخدام المقذوفات التي يكون الهدف الوحيد منها نشر الغازات الخانقة أو الضارة”، ثم جددت اتفاقية لاهاي الثانية، في عام 1907، الحظر المبكر على استخدام السم أو الأسلحة السامة.
وعلى الرغم من هذه التدابير، شهد العالم استخدام المواد الكيماوية السامة إلى حد غير مسبوق في الحرب العالمية الأولى، مع أول هجوم واسع النطاق يستخدم الأسلحة الكيماوية في إيبير في بلجيكا، في 22 أبريل (نيسان)، 1915. وفي نهاية الحرب، أُطلق نحو 124200 طن من الكلور والخردل، وعانى أكثر من 90000 جندي من وفيات مؤلمة بسبب التعرض لها، وترك ما يقرب من مليون شخص ساحات المعارك فاقدي البصر أو مشوهين.
والاتفاقيات على قدم وساق
وحفز استياء الرأي العام من أهوال الحرب الكيماوية مفاوضات ما بعد الحرب العالمية الأولى بشأن عدد من التدابير التي تهدف إلى منع تكرارها، وأبرزها بروتوكول عام 1925 لحظر استخدام الغازات الخانقة أو الغازات السامة، أو أساليب الحرب البيولوجية الأخرى، الذي يعرف باسم بروتوكول جنيف، ومع ذلك، لا يحظر بروتوكول جنيف استحداث الأسلحة الكيماوية أو إنتاجها أو حيازتها.
وعلى الرغم من أن الأسلحة الكيماوية لم تُستخدم خلال الحرب الثانية فإنه خلال الحرب الباردة، احتفظت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بمخزونات هائلة من عشرات الآلاف من أطنان الأسلحة الكيماوية.
ونظراً لطغيان المخاوف بشأن الحرب النووية خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لم تؤخذ الأسلحة الكيماوية على محمل الجد مجدداً حتى عام 1968، حين أُبرِمت اتفاقية الأسلحة البيولوجية (BWC) بسرعة نسبية، وفُتِح باب التوقيع عليها في عام 1972، على الرغم من أنها كانت تفتقر إلى تدابير التحقق، ومن الأهمية بمكان بالنسبة إلى الجهود اللاحقة لحظر الأسلحة الكيماوية، أن اتفاقية الأسلحة البيولوجية أجبرت دولها الأطراف على مواصلة المفاوضات بشأن الأسلحة الكيماوية.
مفاوضات الاتفاقية
وكان من شأن التحسن في علاقات القوى العظمى في أواخر الثمانينيات، والهجوم الكيماوي على حلبجة في العراق عام 1988، والدعاية التي انتشرت حول التهديد بالحرب الكيماوية خلال حرب الخليج، والإعلان عن اتفاقية ثنائية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي حول تدمير معظم مخزونهما من الأسلحة الكيماوية والامتناع عن زيادة إنتاج هذه الأسلحة، كل هذه العوامل منحت زخماً لمفاوضات الاتفاقية.
في عام 1992، اعتمد مؤتمر نزع السلاح مشروع الاتفاقية رسمياً، وطلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من الأمين العام للأمم المتحدة، باعتباره وديع الاتفاقية، إتاحتها للتوقيع في 13 يناير (كانون الثاني)، 1993 في باريس.
وفي مشهد غير مسبوق للدعم لمعاهدة دولية للحد من الأسلحة، وقعت 130 دولة على الاتفاقية خلال مؤتمر باريس للتوقيع الذي استمر ثلاثة أيام، وعليه أنشئت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، التي تتألف من ثلاث هيئات رئيسة هي: مؤتمر الدول الأطراف، والمجلس التنفيذي، والأمانة الفنية، وكل هذه الهيئات الثلاث دخلت حيز الوجود في مواجهة جداول أعمال بارزة الأهمية.