الحدث

لودريان يُحرّض الحراك… الحكومة إلى أيار 2022!

“ليبانون ديبايت” – عبد الله قمح

هناك صدمة سياسية بالغة أصابت معظم الساسة الذين كانوا يتوقعون أن يشكّل قدوم وزير خارجية فرنسا جان إيف لو دريان، إلى لبنان، دافعاً قوياً لعملية تأليف الحكومة، ولو أنه يأتي ملوحاً بعقوبات، فمن مصلحة فرنسا إنتاج حكومة جديدة وفق مبادرتها ولو جاءت متأخرة. لكن وبخلاف التوقعات، استقال الضيف الفرنسي من أي تناول للملف الحكومي، وأعلن ولو بشكل غير رسمي وفاة المبادرة، ثم غادر من دون إجراء مراسم الدفن أو إجراء أي مكاشفة سياسية مع أحد من المعنيين!

لولا العيب والحياء، لكان الوزير الفرنسي حصر لقاءاته فقط بمن تُطلق عليهم باريس اليوم “قوى التغيير السياسي” وهم عبارة عن تركيبة متنافرة من مجموعات مدنية “هشّة” لا يجمعها سوى العداء للسلطة والانضواء تحت خيمة حراك 17 تشرين. وعلى الأعم الأغلب، ما كان مجيء لودريان إلى لبنان سوى لجمع شمل هؤلاء أولاً، وتحفيزهم على إنتاج مشروع سياسي لنيل مشروعية سياسية ثانياً. ويأتي في المقام الثالث إيداع رسالة قاسية جداً في بيروت عبر إبلاغ مضمون القرار الفرنسي سلوك مسار العقوبات ما يعني وضع المبادرة الفرنسية جانباً.

إذاً، جاءت الزيارة خالية من الدسم السياسي الرسمي وكانت أقرب إلى فرض وصاية على الحالة السياسية اللبنانية وفق معادلة دعم الـNGO’s كبديل عن دعم السلطة. وعبثاً تحاول باريس إنتاج فريق سياسي خالص الولاء لها ،كمساحة تؤمن من خلالها تجديد نفوذها في لبنان وفق أجندتها، ويأتي بديلاً للفريق السياسي البائد الممثل في أحزاب والشخصيات المكونة للسلطة اليوم ، وذلك بعدما وصل الإليزيه إلى قناعة مفادها أن الفريق القديم ما عاد فريقاً منتجاً أو يمكن الاعتماد عليه أو ذات قيمة سياسية بعدما أوصل البلاد إلى الحضيض وأطاح بالمبادرة الفرنسية وجعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يدخل في نفق إحراج لا نهاية له داخل فرنسا.

وهكذا، أعلن لودريان من بيروت ، إنتقال فرنسا إلى مرحلة تطبيق العقوبات وقد واكبه بيان صدر عن الخارجية الفرنسية من باريس يعلن ويؤكد “فرض إجراءات إدارية على شخصيات لبنانية لمنعها من دخول الأراضي الفرنسية”، وهي إشارة تستدعي الوقوف عندها مطولاً ، لان إعلان الاجراء بتوقيت وجود لودريان في بيروت، هو عمل منسّق بالكامل وجاء كرسالة. كما أن إعلان فرض “القيود” على شكل عقوبات على أفراد لبنانيين، يعني خروج باريس رسمياً من قائمة الوسطاء الدافعين لإنجاز تشكيل الحكومة الجديدة، ما يمكن تفسيره سياسياً بمثابة إعلان وقف العمل بالمبادرة الفرنسية وكأنها ما كانت، وهو ما تبلّغه أكثر من صرح غداة مغادرة لو دريان الأراضي اللبنانية، مع إشارة إلى أن “فرنسا لن تتخلى عن مسؤولياتها تجاه لبنان واللبنانيين”، وهو بلاغ يحتاج إلى تفسير.

عملياً، أجرى الوزير الفرنسي 3 لقاءات رسمية مع كل من رئيسي الجمهورية ميشال عون، ومجلس النواب نبيه بري، ولقاءً ليلياً أشبه بإستدعاء مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. و السمة التي طبعت اللقاءات الثلاث، أنها أتت خالية من الدسم السياسي ولم يتناول خلالها الوزير الفرنسي أي ملف سياسي وحصر كلامه بالعموميات وكان مستمعاً أكثر منه متكلماً، بينما اللقاء الثالث الذي دام لنحو 25 دقيقة، تردّد أنه لم يكن على سجيّة الرئيس سعد الحريري الذي خرج والوجوم ظاهرٌعلى وجهه، وكأنه كان لقاءً لحفظ ماء الوجه لا أكثر.

لكن أكثر ما استرعى الانتباه، هو الاستدعاءات التي تمت لمجموعات منضوية تحت راية 17 تشرين، وقد ميّزتهم باريس من خلال إطلاق تسمية “قوى التغيير السياسي” عليهم ما أشعرهم بنشوة اللحظة التي كادت ان تذهب بأصل سبب حضورهم، رغم أن من حضروا، هم عبارة عن مجموعات حديثة العهد السياسي والزمني ولا وزن سياسي لها مقارنة بمن هو ممثل في المجلس النيابي وليست صاحبة قرار وتغرق في التناقضات، ومختلفة على القيادة وصورة التغيير المنشود ، ويحتلّها غياب الرؤية حول شكل النظام المنشود الذي تنادي به.

مع ذلك، تريد باريس إنتاج شيء من لا شيء. ناقشهم الوزير الفرنسي بأمور السياسة الداخلية وبكيفية إدارة الانتخابات وحثّهم على الضغط باتجاه تثبيت موعد إجرائها في الربيع المقبل والعمل على الوصول إلى البرلمان، وقد دعاهم إلى تشكيل جبهات والانضواء في تحالفات. وكل ما تقدّم يأتي من مجالات التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية وكأننا دولة لا سيادة لها جاءها وزير أجنبي بصفة محرّض على قلب نظام، من المؤكد أنه شاخ وهرم وبات بحاجة إلى تغيير، لكن ليس عبر مجموعات مجهولة المصدر و لا وزن لها. والأسخف من كل ذلك، ان من أتى إلى قصر الصنوبر، حضر منصتاً بإسهاب إلى شروحات الوزير الفرنسي، قاذفاً عرض الحائط خطاب السيادة والاستقلال وما شاكل.

وعلى مبدأ كما تكونوا يولّى عليكم، أقحم الوزير الفرنسي نفسه في الخوض بنقاشات لبنانية داخلية صرف، حين أباح لنفسه تحريض المجموعات الحاضرة على تغيير قانون الانتخاب الذي تدرك فرنسا ، أنه يقف خلف إنتاج الأكثرية الحالية في مسعى منه لعدم تكرار نتائج 2018. وعلى الأرجح هذا يُفترض أن يكون عنواناً أو هدفاً للحراك حين يعود لمزاولة نشاطه الذي كان محل تساؤل ايضاً من قبل الوزير الفرنسي مستطلعاً أسباب جموده رغم توفر العناصر والظروف الدافعة له.

في النتيجة، حصر لودريان لقاءاته بالتطرق إلى عملية الإنتقال السياسي للسلطة والمفترض حصولها بعد إنتخابات 2022 إنطلاقاً من تقدير فرنسي يدّعي أن النتائج ستأتي غالباً بغير مصلحة قوى السلطة الراهنة، وبهذا المعنى وعطفاً على حالة الخواء السياسي الداخلي وعدم استشراف أي إمكانية لتأليف حكومة سيما مع الإنسحاب الفرنسي من المشهد، ستُقذف إمكانية تأليف الحكومة الجديدة إلى أيار 2022.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى