شاحر كليمان:
منذ تسعينيات القرن الماضي، يتحرك قطارا فتح وحماس في طرق بعيدة، ومن وقت لآخر جرت محاولات لربط هذين القطارين بقطار رئيسي، لكن في كل مرة يحدث السيناريو الأسوأ.
على سبيل المثال، انتهت انتخابات عام 2006 بانتصار منظمة حماس، ما أدى في النهاية إلى الانقلاب عليها في قطاع غزة.
في الأشهر الأخيرة، انطلقت هذه القطارات مرة أخرى باتجاه بعضها البعض.
المحادثات بين فتح وحماس مستمرة منذ فترة طويلة في العاصمة المصرية القاهرة واسطنبول في تركيا، قادها عضو اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب ونائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري، وتم الاتفاق على إجراء الانتخابات الفلسطينية للمجلس التشريعي والرئاسة. أذكر أنه منذ عام 2006 لم تجرِ انتخابات، ومنذ عام 2018 لا يوجد مجلس تشريعي فقد حلّه أبو مازن.
إذًا مالذي حدث عندما اقتربت السلطة الفلسطينية فجأة من حماس؟
منذ عام مضى، كانت السلطة في رام الله في خضم “عهد الحصار”. حيث تولى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مقاليد الحكم في البيت الأبيض، وقاد تحركات غير مسبوقة في العلاقات الأمريكية مع الفلسطينيين. فقد أغلق سفارة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وقطع المساعدات المالية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وأعلن الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها.
في هذه المحنة، أعطى أبو مازن الضوء الأخضر لجبريل الرجوب للتوصل إلى اتفاق مع حماس لإنهاء الانقسام، لكن في غضون ضلك حدث شيء ما، قد يكون غيّر مجرى التاريخ بأكمله في الشرق الأوسط، فقد ظهر فيروس كورونا في مدينة ووهان بالصين، ومنذ تلك اللحظة انتشر الوباء في جميع أنحاء العالم، وبدونه لكان ميزان الناخبين في الانتخابات الأمريكية يميل إلى الحزب الجمهوري، وكان ترامب سيستمر لفترة رئاسية أخرى، ولكن دخل جو بايدن إلى البيت الأبيض وتولى منصب الرئاسة الأمريكية، والذي من المتوقع أن يعود إلى السياسة التقليدية تجاه الفلسطينيين، أي تجديد المساعدة لأونروا وتجديد العلاقات مع السلطة الفلسطينية، وما إلى ذلك.
بمعنى آخر، أبو مازن لديه مرة أخرى من يعتمد عليه في واشنطن، ويجب ألّا يُلوّح بالتهديد بالانضمام إلى حماس. في المستقبل القريب ستعود المساعدة المالية لأونروا والسلطة الفلسطينية، وسيتم تجديد العلاقات بين رام الله والإدارة الأمريكية، وسيتم فتح بعثات في القدس، وسيعود كل شيء إلى طبيعته بشكل أو بآخر.
أيضًا، عامل آخر محفز، وهو انقسام حركة فتح إلى ثلاث قوائم، والاستطلاعات السيئة التي أظهرت هزيمة أبو مازن في الانتخابات.
على أي حال، عمل شركاء أبو مازن في الأسابيع الأخيرة على تجميع سلم رائع ونزلوا من خلاله عن شجرة الانتخابات الفلسطينية، وكانوا يُصدرون في كل مناسبة رسالة مفادها أنه “لا انتخابات بدون القدس”. وتم إرسال وزير خارجية السلطة الفلسطينية إلى أوروبا لممارسة الضغط على إسرائيل. في غضون ذلك، ادعى الفلسطينيون أن إسرائيل لم تستجب لطلباتهم بشأن الموضوع، وكان أبرز ما في هذه الخطوة هو خطاب أبو مازن يوم الخميس الماضي.
قال رئيس السلطة الفلسطينية: إن إسرائيل بعثت رسالة تُفيد بعدم قدرتها على الرد على إجراء الانتخابات في القدس بسبب عدم تشكيل حكومة بعد، في حين أعلن أبو مازن تأجيل الانتخابات إلى حين السماح بإجرائها في القدس.
أثار هذا الأمر غضب حماس، ووصف صحفي مقرب منها أبو مازن بالديكتاتور وخطابه بالمضلل. وقال عضو بارز في حماس: إن تأجيل الانتخابات بسبب القدس هو مجرد ذريعة. لكن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية حاول يوم الجمعة تهدئة الأوضاع عندما قال إن لغة الحوار بين الفصائل يجب أن تستمر، وأن الانتخابات لاتزال في موعدها.
وقال صحفي مقرب من حماس: إن حماس كانت أقل تأثرًا بتأجيل الانتخابات لأنها عززت ثقة الجمهور بها، وأجرت انتخابات تمهيدية أنعشت طريق القيادة، وأشار إلى أن حماس توصلت إلى تفاهمات مع مختلف القوى الفلسطينية.
إذًا إلى أين تتجه حماس الآن؟
احتفل اسماعيل هنية في خطابه بيوم القدس، الذي يأتي في 9 مايو/ أيار من كل عام، إحياءً لذكرى إحراق المسجد الأقصى.
وقالت مصادر في حماس لصحيفة لبنانية إنهم يستعدون لتصعيد الأوضاع في غزة والضفة الغربية والقدس، والهدف في الواقع هو عزل أبو مازن ورفع الضغط عن قطاع غزة.
يُشار إلى أنه في الأسابيع الأخيرة تعرض القطاع لقيود وإغلاق بسبب انتشار وباء كورونا، ولم تعد الأموال القطرية كافية لتحسين الاقتصاد الضعيف بالفعل.
تجدر الإشارة إلى أن نهج حماس تجاه فتح نابع من الجمود الذي واجهته في قطاع غزة والأمل في أن تساعد السلطة الفلسطينية في إدراة شؤون السكان.
الآن، يبدو أن حماس ستحاول ابتزاز إسرائيل لمزيد من الهدوء كتعويض باستخدام التصعيد، سواء من خلال إطلاق الصواريخ أو البالونات الحارقة أو عودة الإرباك الليلي على حدود القطاع، كما هو الحال في الاشتباكات الأخرى بين حماس وفتح، وقد تكون إسرائيل هذه المرة أول من يدفع ثمن الانقسام.
صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية
زر الذهاب إلى الأعلى