“فليقتلونا أفضل”… اللبنانيون في مواجهة عتمتَي الدولة والمولّدات
نور الصفدي – صحافية لبنانية
بدل إيجاد حل نهائي للخسائر التي تتكبدها الدولة على “مؤسسة كهرباء لبنان” مقابل الحصول على العتمة، تستمر الصفقات المشبوهة والمسكّنات، كرسو سفينة نفط وانتظار أخرى بين ظلمة وأخرى.
يذهب أبو رامي إلى عمله، تاركاً عائلته في الظلام الذي يلاحقه إلى هناك حيث يراقب الساعة حتى عودة الكهرباء لعله يعمل قبل انتهاء دوامه.
تستيقظ ابنته سارة لتحاول الدخول إلى صف الثامنة صباحاً الذي لم تستطع حضوره منذ مدة بسبب انقطاع الكهرباء والمولد معاً. وتقول: “لم أعد أحضر صفوفي، وفي بعض الأحيان حتى المعلمة لا تعطي الدروس، فالمولد ينقطع من الخامسة فجراً حتى السادسة مساء، والكهرباء لا تأتي، ربما سأرسب هذا العام”.
وقبل الظهر تذهب أم رامي إلى السوق لتحضر مكونات الغداء متمتمة، “كل يوم هيك، ما فيني حط شي بالبراد كل شي بيخرب”. يلحقها رامي خلسة ليشتري البوظة ليفاجأ بأنها غير متوفرة في دكان سمير، “حتى بوظة ما في، عمو سمير قال بتذوب”.
ويشكو سمير، صاحب ميني ماركت، من التقنين الكهربائي الذي أدى إلى تعطيل مصلحته، “ألا تكفي أزمة الدولار والآن الكهرباء والاشتراك؟ ماذا أفعل ببضاعتي التي تفسد؟ أرميها؟ فليقتلونا أفضل”.
حالة عائلة أبو رامي وسمير ليست استثناء، فجميع اللبنانيين يعانون من انقطاع مستمر وطويل للتيار الكهربائي، الذي أدى إلى تعطيل معظم القطاعات في لبنان مثل التعليم، الطبابة، والخدمات.
أزمة الكهرباء والمولد
أدى إغلاق محطتي دير عمار والزهراني، اللتين توفران معاً نحو 40 في المئة من الكهرباء، إلى تفاقم الأزمة وحصول الناس بالكاد على ساعتَي كهرباء في اليوم.
تضاف الى أزمة الكهرباء التي يعاني منها لبنان منذ عام 1994 أزمة انقطاع المولد الكهربائي. ولا يزال المواطن اللبناني يتحمل المسؤولية إذ أصبح يدفع فاتورة كهرباء لا تأتي وفاتورة مولد ينقطع باستمرار.
محمد شمس الدين، باحث في الدولية للمعلومات، يرى أن المولدات هي ”ضرر لكنها ضرورة في ظل فشل الدولة في تأمين الكهرباء”. وقدر شمس الدين “عدد المولدات الخاصة بنحو 3600 مولد في كل الأراضي اللبنانية التي يحقق أصحابها أرباحاً هائلة، كما يتمتعون بحماية سياسية وطائفية سواء من أحزاب أو بلديات”.
يتابع: “لا يمكن أن يعول على البلديات في عملية المحاسبة لأنها شريكة في مافيا المولدات. وفي ظل انقطاع الكهرباء أصبح اللبناني خاضعاً لرحمة أصحاب المولدات ومزاجيتهم”.
غلاء التسعيرة
يعود هذا الشح في الكهرباء، على رغم غلاء التسعيرة إلى توجه التجار إلى تخزين مادة المازوت. إضافة إلى عمليات التهريب إلى سوريا إذ أعلنت مديرية قوى الأمن الداخلي توقيف مستودعات تنقل كميات من المازوت والبنزين المدعوم.
أوضح أصحاب المولدات الخاصة أن أسباب القطع تعود بشكل خاص إلى تقنين كهرباء الدولة، التي كانت سابقاً تغذي الشبكة بمعدل 12 إلى 16 ساعة في اليوم. أما الآن فإنها تغذي بمعدل ساعتين إلى ست ساعات في اليوم.
إضافة إلى الضغط الكبير على المولدات التي لا يمكنها العمل لمدة عشرين ساعة متواصلة، وأي عطل بسيط يدفع بالدولار الأميركي الذي تجاوز العشرين ألف ليرة.
وأكد رئيس تجمع أصحاب المولدات الخاصة في لبنان، عبدو سعادة، أن “وزارة الطاقة هي التي تضع تسعيرة كهرباء الاشتراك، وهذه التسعيرة تتأثر بسعر المازوت وسعر صرف الدولار وساعات الانقطاع، لسنا نحن من يحدد السعر”.
وطالب سعادة بدعم مادة المازوت على سعر 1500 ليرة لتبقى فاتورة الاشتراك مقبولة ويستطيع المواطن دفعها وحتى تستمر المولدات في العمل.
كان مصرف لبنان يدعم استيراد الوقود بنسبة 85 في المئة من القيمة الإجمالية لكلفة الاستيراد وفق سعر الصرف الرسمي 1507 ليرة لبنانية، في حين يدفع المستورد النسبة المتبقية على سعر الصرف في السوق السوداء الذي تجاوز الـ20 ألف ليرة. وقد بدأ البنك المركزي بفتح اعتمادات لمستوردي المحروقات على سعر صرف 3900 ليرة، بدلاً من السعر الرسمي.
تفاوت في التسعيرات
“بالنسبة إلى العدادات، إنها لا تحدد حجم ما صرفناه من الطاقة الكهربائية ولا متى. وفق تعريفة الدولة فإن مجموعي لا يتجاوز 200 ألف ليرة، إلا أنني أدفع أكثر من الضعف. وإذا لم تدفع فصاحب المولد مستعد لقطع التيار فوراً. القصة أصبحت سرقة ونهباً بكل وقاحة”، يقول أحد المواطنين.
وكانت وزارة الاقتصاد قد فرضت على أصحاب المولدات استخدام عدادات لمولدات الكهرباء محددة سعر الكيلوواط بـ1326 ليرة لبنانية عن كل كليوواط ساعة عن شهر حزيران/ يونيو 2021.
وعلى رغم أن هناك تسعيرة موحدة، فإن التسعيرات تختلف بين المناطق، إذ يستطيع أصحاب المولدات التلاعب بالسعر من خلال “مقطوعية” شهرية غير محددة في بيان وزارة الطاقة والمياه عن تسعيرات المولدات الخاصة، علماً أن المواطنين لا يملكون حلاً سوى الانصياع لرغبة أصحاب المولدات، حتى لا ينطفئ ما تبقى من نور في بيوتهم وأماكنهم.
ماذا يفعل اللبناني؟
يروي حسن أثناء مكالمة هاتفية مع صديقه في السعودية أن الكهرباء انقطعت لمدة نصف ساعة ما سبب حالة توتر. فيقول: “نصف ساعة كانت كفيلة لتحدث توتراً، فكيف إذا انقطعت عشر ساعات؟ الوضع لا يحمل”.
وفي ظل الانقطاعات المستمرة والطويلة لجأ اللبنانيون إلى سبل بديلة لتأمين الطاقة منها اعتماد الطاقة الشمسية واستعمال بطاريات، مولدات صغيرة، أو شمع.
في المقابل، لا يلوح في الأفق سوى الحلول الموقتة لأزمة الكهرباء القديمة الجديدة، فبدل إيجاد حل نهائي للخسائر التي تتكبدها الدولة على “مؤسسة كهرباء لبنان” مقابل الحصول على العتمة، تستمر الصفقات المشبوهة والمسكّنات، كرسو سفينة نفط وانتظار أخرى بين ظلمة وأخرى.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع