العودة الى مفاوضات الترسيم: اختبار اميركي لـ «نوايا» عون وباسيل «عصا» فرنسية تواكب تحرّكاً مع موسكو لاخراج لبنان من «البازار» رهان على «ليونة» سعودية… ولافروف يُحذر من التلاعب بالتوازنات
ابراهيم ناصر الدين- الديار
لعبة «بيي اقوى من بيك» بين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مستمرة على الرغم من سخافتها، وهي تعكس ضحالة وتفاهة القيادات السياسية المتحكمة بمصير اللبنانيين، فلا رحلات الحريري الخارجية ساهمت في اخراج البلاد من ازماتها، ولا منافسة باسيل له في التقاط الصور مع «اي كان»، يمكن ان تخرج الساحة اللبنانية من «عنق زجاجة»، يتحمل الرجلان جزءا كبيرا من المسؤولية عنها في مرحلة «شهر عسل» التسوية الرئاسية.
وامام هذه الخفة اللبنانية رفعت باريس منسوب الضغط مع اعلان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان أن بلاده بدأت في اتخاذ إجراءات تقيد دخول أشخاص يعرقلون العملية السياسية في لبنان إلى الأراضي الفرنسية،مشيرا الى إن فرنسا ستتخذ بالتعاون مع شركائها إجراءات مماثلة في حقّ المتورطين في الفساد. هذه «العصا» الفرنسية تسير بخطوات متلازمة مع مجهود تبذله باريس بالشراكة مع موسكو باتجاه السعودية وايران في محاولة لاستغلال المناخات الايجابية النسبية لاخراج لبنان من ازمته. في المقابل، تسعى واشنطن لاستغلال «الفوضى» اللبنانية على «طاولة» التفاوض مع العدو الاسرائيلي في ملف ترسيم الحدود البحرية، ومع الاعلان المفاجىء عن استئناف التفاوض مبدئيا يوم الاثنين المقبل، نُقل عن السفيرة الاميركية دوروثي شيا دعوتها الطرف اللبناني الى التعامل مع الملف بمرونة اكبر هذه المرة، فيما يعتبر الاميركيون الجولة المقبلة اختبارا لنوايا رئيس الجمهورية ميشال عون والنائب جبران باسيل اللذين اوحيا لمساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد هيل ان عملية التفاوض هذه المرة ستكون مختلفة عما سبق.!
الترسيم الحدودي
اذا لم تحصل عقبات سياسية او فنية، يفترض ان تُستأنف المحادثات الحدودية البحرية غير المباشرة بين لبنان و «إسرائيل» يوم الاثنين المقبل. وعلم في هذا السياق، ان الجانب اللبناني لم يبلغ الامم المتحدة بعد قراره حول مسألة العودة الى عملية التفاوض، وطالب من الجانب الاميركي بيانا رسميا، وقد ابدت واشنطن موافقتها على الامر على ان يصدر بيان رسمي في هذا الشان، وبانتظار وصول الوسيط الاميركي جون ديروشيه الى بيروت، فان الوفد اللبناني سيعقد جلسة تنسيقية مع رئيس الجمهورية خلال الساعات المقبلة، وحتى الان لم يتلق الوفد اي معطى جديد يغير من موقفه على «طاولة» التفاوض فيما يتصل بحقوق لبنان البحرية وفقا للخط 29.
شيا تدعو لبنان الى «المرونة»!
ووفقا لاوساط مطلعة، تاتي العودة «الاسرائيلية» الى المفاوضات، بطلب اميركي، بمثابة اختبار «لنوايا» الرئاسة الاولى بعدما اوقف رئيس الجمهورية ميشال عون توقيع المرسوم 6433 وعقب المؤتمر الصحافي للنائب جبران باسيل الذي قدم خلاله طروحات جديدة «تدغدغ» مشاعر الاميركيين، ولفتت انتباه العدو الاسرائيلي خصوصا اقتراح استثمار الآبار المشتركة في المنطقة البحرية المتنازع عليها بواسطة شركة ثالثة.
ووفقا لزوار السفارة الاميركية في عوكر، رفع مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل تقريره الى الخارجية الاميركية بعد زيارته بيروت وجرى تبادل المعلومات مع «اسرائيل» حول هذا الملف، وقد جاء تحريك عملية التفاوض بناء على تقييم اميركي بامكانية الاستفادة من الانقسام اللبناني الراهن حول هذا الملف، في ظل حاجة فريق رئيس الجمهورية الى فك العزلة الدولية عنه. ولهذا ستكون الجولة المقبلة اذا ما عقدت عملية «جس نبض» لطروحات باسيل ومدى مطابقتها مع ما يحمله الوفد اللبناني المفاوض الى الناقورة وبعدها «سيبنى على الشيء مقتضاه». وقد لخصت السفيرة الاميركية دوروثي شيا التوقعات الاميركية من استئناف المفاوضات بالقول لبعض من التقتهم، يجب ان يكون الجانب اللبناني اكثر «مرونة» في الجولة الجديدة.
طروحات لن تمر
ووفقا لتلك المصادر، لا يمكن لطرح باسيل استثمار الآبار المشتركة ان يمر بسهولة، كما ان اقتراحاته حول خطوط التفاوض مجرد اقتراحات غير قابلة للصرف، وكذلك تكليف طرف دولي للتحكيم، وسيكتشف الاميركيون ان باسيل قدم طروحات غير قابلة للصرف داخليا، ودونها عقبات كثيرة، خصوصا ان الاستثمار المشترك للمنطقة البحرية المتنازع عليها، تنطوي على تطبيع غير المباشر مع العدو الاسرائيلي. وذكرّت تلك الاوساط، بان الرئيس عون سبق وحاول مع بدء المفاوضات إلى تعيين المدير العام في رئاسة الجمهورية انطوان شقير رئيساً للوفد، إضافة إلى تعيين مدير مكتب وزير الخارجية هادي هاشم ومستشار باسيل عضواً في الوفد، لكنه اصطدم بمعارضة من «الثنائي الشيعي» الذي اصدر بيانا مشتركا شديد اللهجة عن قيادتي امل وحزب الله قبل ساعات من انطلاق المفاوضات في 14 تشرين الأول الماضي يعترض فيه على التمثيل السياسي في الوفد، ما اضطر عون للتراجع وإسناد رئاسته للعميد بسام ياسين.واليوم لا تغيير في موقف «الثنائي» وخصوصا حزب الله الذي وان كان قد اعلن لتزامه بقرار الدولة تحديد الحدود البحرية، لكنه لن يسمح ابدا باي خطوات تطبيعية مع «اسرائيل».
اخراج لبنان من «البازار»؟
اذا، تزامنا مع بدء باريس اجراءات عقابية بحق معرقلي التسوية في لبنان، علمت «الديار» ان اتصالات رفيعة المستوى على خط باريس -موسكو جرت خلال الساعات القليلة الماضية لاستكشاف طبيعة التحولات في الخطاب السعودي الجديد بعد مقابلة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الاخيرة والتي ارسل من خلالها اشارات ايجابية باتجاه ايران، وعلم في هذا السياق، ان الجانبين الروسي والفرنسي ينسقان المواقف باتجاه فتح خطوط مباشرة مع القيادة السعودية لمحاولة اخراج الساحة اللبنانية من «بازار» التفاوض وجعلها ساحة اختبار للنوايا بين الجانبين الايراني والسعودي. وتشير اوساط ديبلوماسية مطلعة الى ان موسكو تعمل على خط طهران في محاولة لجس نبض القيادة الايرانية قبل دخولها في معمعة الانتخابات في حزيران المقبل، فيما تسعى باريس للتواصل مع القيادة السعودية وتستعجل الحصول على ردود اولوية يمكن البناء عليها لاطلاق تسوية عمودها الفقري المبادرة الفرنسية على ان يجري مراعاة مصالح القوى الاقليمية النافذة بعدما اتضح ان الولايات المتحدة الاميركية غير معنية في مقاربة الملف اللبناني الا من زاوية المفاوضات الغازية مع «اسرائيل». وتبدو حاجة باريس ملحة ايضا في الاستعجال بانضاج الحل اللبناني قبل الدخول في الموسم الرئاسي الصيف المقبل.
تفاؤل فرنسي – روسي
وفي هذا الاطار، تشير المعلومات الى وجود قناعة فرنسية -روسية مشتركة بوجود امكانية لتحقيق اختراق في «الجدار» السعودي في ظل الحاجة السعودية لعقد تسويات تزامنا مع العودة الاميركية المرتقبة الى الاتفاق النووي مع ايران، ويعتقد على نطاق واسع بان الليونة في الخطاب السعودي املته ضرورات عسكرية وسياسية واقتصادية، بدءا من العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية التي باشرت ضغوطا سياسية وتسليحية على الرياض، وأعادت فتح المفاوضات مع إيران لإعادة الاتفاق النووي وتخفيف العقوبات عليها، مرورا بالتراجع الاستراتيجي على الجبهة اليمينية والصعوبات الاقتصادية المتعلقة بتراجع أسعار النفط.
لماذا تراجعت الرياض؟
وفي هذا الاطار، اكدت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، استبق اتفاقا بين واشنطن وطهران، ليؤيد محادثات سرية في العراق مع إيران.وقالت الصحيفة ان ولي العهد السعودي «العنيد» أدرك أن اتجاه الرياح تغير في الشرق الأوسط، وها هو يريد «علاقة جيدة» مع أكبر خصم للسعودية في الشرق الأوسط. فمنذ انتخاب جو بايدن في واشنطن، لم يعد الوقت مناسباً للمواجهة مع طهران.وفي سياق التأكيد على حاجة السعودية الى التسوية نقلت لوفيغارو عن مسؤول عراقي تاكيده حصول محادثات سرية بين طهران والرياض في بغداد، كاشفا ان السعوديين هم من أرادوا هذه اللقاءات. اقترحوا باكستان لكن إيران رفضت. وعندما اقترحت السعودية العراق قبلت طهران لأن لها نفوذا حقيقيا هناك. واللافت في كلام المسؤول العراقي تاكيده ان الاتصالات السرية السعودية – الإيرانية في بغداد، تحظى بدعم الولايات المتحدة، وكذلك الصين، الشريك التجاري الرئيسي لإيران والسعودية.
ما اسباب التفاؤل؟
وما يعزز تلك المناخات الايجابية، التقدم الحاصل في فيينا، وقد نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الاميركية تقريرا قالت فيه إن فريق بايدن الديبلوماسي يسارع باتجاه التسوية مع ايران حيث تفكر إدارة بايدن برفع العقوبات المتعلقة بالإرهاب عن المصرف المركزي الإيراني، واشارت الى أن العودة للاتفاق النووي لن تحصل في ليلة وضحاها، لكنها قد تحصل وبسهولة هذا العام. ويخطط فريق بايدن للمناورة للتحايل على الكونغرس، فلو استطاع الفريق تحقيق الصفقة، فعندها يمكن لوزارة الخارجية الزعم أنها عادت إلى نفس الاتفاق الذي صوّت عليه الكونغرس عام 2015 حيث تتعرض الادارة الاميركية لضغوط من قبل المشرعين الجمهوريين وفي هذا السياق، حذّر السيناتور الجمهوري ليندزي غراهام، ومورغان دي أورتاغوس، المستشار السياسي والمتحدث السابق لوزارة الخارجية الأمريكية، بايدن من العودة إلى الاتفاق وفي مقال تحت عنوان: «خطة إنقاذ بايدن لإيران بـ 90 مليار دولار» قالا إن العودة مرة ثانية إلى خطة العمل المشتركة الشاملة الموقعة مع إيران في 2015، ستكون بمثابة حدث زلزالي وسيقود إلى الفوضى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وبرايهما اذا تم إحياء خطة العمل المشتركة الشاملة، فستحصل إيران على 50 مليار دولار من صادرات النفط بقيمة السوق اليوم. وسيتم رفع العقوبات الأخرى التي قد تقوي قطاع الحديد والأدوية وسيعود الإقتصاد الإيراني للانتعاش بما يقارب الـ 40 مليار دولار ايضا، ولن يمضي وقت طويل قبل أن تبدأ حقائب المال بالوصول إلى حزب الله وحماس.. حسب تعبيرهما..
هل ينجح فصل المسارات؟
ولان التقديرات الديبلوماسية تتحدث عن مسار طويل تحتاجه المحادثات بين الرياض وطهران حتى يتم إذابة الجليد بشكل جدي بينهما، اخذت موسكو باريس المبادرة لمحاولة فصل المسار اللبناني عن المفاوضات الرئيسية علّ الامور تنضج في الايام اوالاسابيع القليلة المقبلة، على ابعد تقدير. لكن مصادر مطلعة على هذا الحراك تبقى حذرة في توقعاتها وتدعو الى عدم الافراط في التفاؤل على الرغم من تحسن المناخات الاقليمية، وتلفت في هذا السياق الى وجود لاعبين آخرين يمكن ان يتركوا تاثيرات سلبية على واقع المنطقة مما قد يؤثر على الساحة اللبنانية التي ستخضع في الاسبوع المقبل الى اختبار نوايا جديد اذا ما استؤنفت مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.
ليونة سعودية؟
وفي مؤشر على «ليونة» سعودية محتملة استجابت الرياض على نحو محدود مع «المناشدات» اللبنانية وسمحت للشاحنات اللبنانية الموجودة عند الحدود السعودية بدخول أراضيها، على الرغم من ابقاء الحظر على المنتجات الزراعية اللبنانية.. وتعقيبا، شكر وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي المملكة على مبادرتها الإنسانية.
لافروف وباسيل والمسيحيين؟
داخليا، وبانتظار زيارة مفترضة للرئيس المكلف سعد الحريري الى بكركي التي تعمل على تسويق مباردة تبدو متعثرة حتى الان كونها لم تحمل جديدا، في ظل رفض الرئيس المكلف لاي تسوية لا تمنحه القدرة على ادارة حكومته دون السطوة الرئاسية، لا تزال المواقف على تباعدها بين بعبدا «وبيت الوسط»، وفي موسكو بحث باسيل الازمة الحكومية مع وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف الذي سيزور لبنان قريبا، وفيما اقر لافروف خلال اللقاء بوجود ضغوط حالت دون تشكيل الحكومة، مشيرا الى ان الامور الان تتجه نحو الحلحلة، طالب باسيل المسؤولين الروس بالضغط على الحريري للاسراع في تشكيل الحكومة، وشدد على ضرورة ان يكون لبنان مستقرا ومزدهرا، وعندما نقل اليه لافروف مخاوف الحريري على اتفاق الطائف، واتهامه للفريق الرئاسي بمحاولة التلاعب بالتوازنات الطائفية في لبنان، محذرا من خطر هذا التلاعب على استقرار لبنان ووجوده، شدد باسيل على ان خصوصية دور المسيحيين في لبنان على المحك، واي محاولة لانهاء دورهم او اضعافه سيواجه بقوة من قبل الرئيس عون الذي لن يقبل بعودة «عقارب الساعة» الى الوراء، وهو امر يحاول الحريري فرضه، ولكن عندما يلتزم بوحدة المعايير في تشكيل الحكومة كل الامور ستحل..؟
وفي المؤتمر الصحافي اكد باسيل على الدور الكامل للمسيحيين، وقال انه من دونه لن يكون هناك وجود كامل، ومن دون ذلك في لبنان لن يبقى مسيحيون في الشرق.. وخلص باسيل الى القول «روسيا لا تتدخل بالشؤون الداخلية، لكنها تدفع باتجاه الإصلاح وهذا ما نشكرها عليه، ونحن كلنا بانتظار ان يأخذ رئيس الحكومة المكلف قراره بالسير بتشكيل الحكومة والأهم قراره بالإصلاح».
عون يضع سلامة «تحت الضغط»
ماليا، اكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في تغريدة عبر حسابه الرسمي على موقع «تويتر»، ان هناك مسافة ايام تفصلنا عن استحقاق تسليم المستندات والوثائق من قبل مصرف لبنان الى شركة التدقيق الجنائي المالي. وقال «هناك استحقاق زمني لتسليم مستندات ووثائق مصرف لبنان لشركة التدقيق المالي الجنائي، ونحن والشعب اللبناني نرصد، والمسافة أيام». ووفقا لاوساط مطلعة يعمل رئيس الجمهورية على وضع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة «تحت الضغط» ويصوب عليه لدفعه الى عدم التراجع عن وعوده والزامه بتنفيذ ما سبق وتم الاتفاق عليه.