مَن أوصل علاقة لبنان بالسعودية إلى الحائط المسدود؟
اندريه قصاص-لبنان24
مما لا شكّ فيه أن قرار المملكة العربية السعودية بمنع دخول الخضروات والفاكهة اللبنانية إلى أراضيها والعبور من خلالها، بعد إحباط محاولة تهريب كمية كبيرة من حبوب الكبتاغون، بلغت نحو 5،3 ملايين حبة مخفية داخل شحنة من الرمان آتية من لبنان، هو قرار أمني كما قال سفير المملكة في لبنان وليد البخاري.
فمن الطبيعي أن تسعى السلطات السعودية إلى الحفاظ على أمنها الإجتماعي، وأن تتخذ الموقف الذي إتخذته تجاه لبنان أو أي دولة أخرى، ولكن نسأل في الوقت نفسه أنه لو كانت العلاقات بين لبنان والمملكة كما كانت في السابق، فهل كانت السلطات السعودية أظهرت مثل هذا التشدّد في إجراءاتها؟
الجواب الطبيعي أن السلطات السعودية المعنية، وبتعليمات واضحة من خادم الحرمين الشريفين، كانت تواصلت مع السلطات اللبنانية لإتخاذ التدابير الصارمة التي من شأنها أن تحول دون تكرار مثل هكذا عملية تسيىء أولًا إلى سمعة لبنان، وتؤثرّ ثانيًا على العلاقات الطبيعية بين دولتين شقيقتين.
أمّا ما أوصل السعودية إلى إتخاذ مثل هكذا موقف ، وهي تعرف جيدًا ما يعانيه لبنان، يبقى الجواب عنه لدى السلطة الحاكمة القصيرة النظر، والتي لم تحسب أي حساب لعلاقة لبنان الطبيعية مع أشقائه العرب، كونه يُعتبر من مؤسسي جامعة الدول العربية ومعني طبيعيا بالتضامن العربي ضد كل ما يواجه الأمة من مخاطر تهدّد كيانها وزعزعة إستقرارها الداخلي.
كان حري بهذه السلطة أن تعرف أن لعلاقاتها مع الأشقاء العرب أهمية كبيرة وفائدة للبنان قبل أن تكون الفائدة للآخرين، وذلك نظرًا إلى ما قدّمته الدول العربية، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية من دعم للبنان في أوقات محنه، ووقوفها إلى جانب قضيته المحّقة في المحافل الدولية، وسعيها إلى حلّ مشاكله الداخلية بالحسنى والرضى. ولعل ما بذلته الرياض من أجل وقف حمام الدم في لبنان خير شاهد على دورها الإيجابي في التخفيف من معاناتهم الطويلة، فكان إتفاق الطائف بمبادرة سعودية وتوافق عربي ودولي، وكان وقف لآلة الحرب المدّمرة.
فلو قام المسؤولون في لبنان بالحدّ الأدنى من واجباتهم تجاه مكافحة تهريب المخدرات إلى خارج الحدود، وضبط تهريب الممنوعات عبر لبنان، ولو كان لديهم الجرأة الكافية لإقفال معامل الكبتاغون في عدد من المناطق اللبنانية المعروفة جغرافيًا، والمعروفة أيضًا الجهات التي تشرف عليها وتغطّيها سياسيًا، لما كنا قد وصلنا إلى ما وصلنا إليه، ولما كانت السعودية وغير السعودية مضطّرة لإتخاذ ما إتُخذ من إجراءات لحماية أمنها الإجتماعي.
وقبل كل ذلك، لو كان لدى هؤلاء المسؤولين الحدّ الأدنى من الحسّ بالمسؤولية لما كانوا سمحوا بالتطاول على الدول الشقيقة، ولكان من الواجب عليهم الحفاظ على ما تبقّى من ماء الوجه وعلى علاقات جيدة مع السعودية ومع دول الخليج العربي، حيث يقيم فيها لبنانيون يعملون فيها ويمدّون من خلالها عائلاتهم في لبنان بمقومات الصمود، وهذا ما يجعل اللبنانيين المقيمين يصمدون على رغم صعوبة الأزمة المالية التي يمرّون بها.
كان حرّي بهؤلاء المسؤولين أن يحافظوا على العلاقات التاريخية التي كانت تربط لبنان بالدول العربية الشقيقة، حيث كان الإقتصاد اللبناني يعتمد في جزء اساسي منه على السياحة العربية، التي إنعدمت بسبب كمّ من الأخطاء التي إرتُكبت تجاه الأشقاء العرب.
كان حري على المسؤولين أن يعرفوا أين هي مصلحة لبنان عندما سمحوا بالإساءة إلى الدول الشقيقة، ويوم غضّوا الطرف عن بعض التصرفات غير المجدية، وتغليب مصلحة الآخرين على مصلحة لبنان وعلاقاته الخارجية.
من لا يقرأ التاريخ لا يعرف كيف يتعامل مع الحاضر ويخطّط للمستقبل. هذه هي النتيجة الطبيعية لسياسة النكايات السياسية، وهذه هي نتيجة التهوّر في الإنحياز إلى محور دون آخر. من هنا تأتي أهمية دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى حياد لبنان الإيجابي والحفاظ على علاقاته الجيدة مع الجميع بما يحفظ سيادة لبنان ومصلحته أولًا وأخيرًا.