“حرب لبنان الثالثة”: أسوأ سيناريوهات إسرائيل وحزب الله
بات ثلث الإسرائيليين يمتلكون ملاجئ في منازلهم (الصورة: حرب تموز 2006، الضاحية الجنوبية، Getty)
سامي خليفة|المدن
ما زالت الجبهة الشمالية لإسرائيل، وتحديداً لبنان، تمثل معضلة كبيرة وخطيرة، تتفوق على ما سواها من الجبهات المشتعلة المحيطة بالدولة العبرية. وقد تحدثت كثيرٌ من التقارير في السنوات الأخيرة، عن عوامل إشعال “حرب لبنان الثالثة”، أو كبح جماحها، وأنها ستكون مختلفة كلياً ودموية.. فكيف ستكون إذاً معالم هذه الحرب إن قُدّر لها أن تندلع؟
برميل بارود
تحدث ستيفين إيمرسون، مدير مشروع “التحقيق حول الإرهاب”، يوم الجمعة الماضي، مع “منتدى الشرق الأوسط”، وهي مؤسسة بحثية أميركية، حول أسوأ السيناريوهات للصراع بين إسرائيل وحزب الله. وتضمّنت الاحتمالات التي سردها هجوماً مفاجئاً من قبل الحزب، وضربة استباقية إسرائيلية، وتصعيد غير مخطط له، وحرب متعددة الجبهات ضد إسرائيل. واصفاً الوضع بأنه عبارة عن برميل بارود، وسط إمكانية أن تؤدي خطوة واحدة خاطئة إلى تحريك أي من هذه السيناريوهات.
يشدّد إيمرسون على ضرورة الأخذ بتهديدات الحزب على محمل الجد، بالنظر إلى أن الحزب إياه لديه مخزون هائل من الصواريخ بعيدة ومتوسطة وقصيرة المدى، التي يمكن أن تصل إلى كل شبرٍ في إسرائيل. وبرأيه، لقد فهم الإسرائيليون إمكانية حدوث هجوم مفاجئ في عام 2019، عندما اكتشفوا عدة أنفاق حُفرت داخل لبنان، يمكن العبور من خلالها إلى إسرائيل. وبذلك كان بإمكان حزب الله أن يستخدمها لمهاجمة التجمعات السكانية شمال إسرائيل، في محاولة لقتل المدنيين الإسرائيليين وكذلك أخذهم كرهائن.
السيناريو الأسوأ
وفي حديثه المطّول، رأى إيمرسون أن الحرب متعددة الجبهات ضد إسرائيل ممكنة الآن بعد أن أصبحت الميليشيات العراقية قادرة على استخدام الصواريخ المزودة من إيران، والتي يمكن أن تضرب العمق الإسرائيلي. يترافق ذلك مع امتلاك الحوثيين اليمنيين في الجنوب مقذوفات قادرة على الوصول إلى مدينة إيلات الإسرائيلية على طول البحر الأحمر.
أما في سوريا، فيمتلك حزب الله قوات تتمتع بالخبرة القتالية وقادرة على الهجوم، مع أنظمة أسلحة إيرانية وروسية. أخيراً، تُعد غزة موطناً لحركة “حماس” وحركة “الجهاد الإسلامي في فلسطين”، وهما مجموعتان تطلقان الصواريخ على التجمعات المدنية الإسرائيلية منذ سنوات. وبالتالي، إذا قرر هذا المحور مجتمعاً أن يتحرك في وقتٍ واحد، فإن الحرب الخماسية متعددة الجبهات ضد إسرائيل هي بلا شك السيناريو الأسوأ.
قدرات حزب الله النارية
خلال حرب تموز 2006 التي استمرت 34 يوماً، أطلق حزب الله أكثر من 100 صاروخ في اليوم، ليصبح المجموع حوالى 4 آلاف من إجمالي الصواريخ التي كان يُقدر عددها في ذلك الوقت بـ10 آلاف صاروخ. وهنا، يقول إيمرسون أنه في الحرب المقبلة، يمكن لحزب الله إطلاق ما لا يقل عن 2000 صاروخ في اليوم من مخزونه المقدّر بـ150 ألف صاروخ، حسب ما صرّح مسؤول كبير بالجيش الإسرائيلي في مؤتمر بالقدس في 15 آذار المنصرم.
تعتقد الأوساط الأمنية الإسرائيلية أن ترسانة حزب الله تشمل 130 ألف صاروخ قصير المدى يمكن أن يصل مداها لأقل من 70 كيلومتراً، وحوالى 500 صاروخ متوسط المدى (مداها أبعد من 70 كيلومتراً وأقل من 250 كيلومترأ)، وحوالى 100 صاروخ طويل المدى (مداها أبعد من 250 كيلومتراً). كما تعتقد هذه الأوساط بامتلاك الحزب ما بين 500-1000 ذخيرة موجهة بدقة مزودة بأنظمة توجيه محسّنة عبر نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) يمكنها إصابة كل بوصة مربعة من إسرائيل بدقة مدمرة.
مع الرؤوس الحربية المتطورة طويلة المدى والمزوّدة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، والتي تحمل ما يصل إلى 2200 رطل من المتفجرات عالية الجودة، يمكن لهذه الصواريخ أن تدمر بسهولة أهدافاً إستراتيجية كبرى في إسرائيل، مثل محطة الطاقة النووية في ديمونا، ومطار بن غوريون، ومحطات الطاقة الإسرائيلية، والقواعد العسكرية الإسرائيلية، والمواقع التي يمكن أن تسبب مذابح مدنية هائلة (لإجراء تقييمات مقارنة للأضرار، فإن صواريخ كتائب القسّام غير الموجهة التي أطلقتها حماس تحمل حمولة 12 رطلاً فقط من المتفجرات). وكما بات معلوماً، جميع هذه الأهداف المذكورة، هدد أمين عام حزب الله حسن نصر الله، شخصياً بمهاجمتها في الحرب المقبلة مع إسرائيل.
مستويات الحماية والرد المدمر
يُقابل تهديدات حزب الله، إمتلاك إسرائيل نظاماً مكّوناً من ثلاثة مستويات لحماية مواطنيها وأصولها الاستراتيجية. وتشمل هذه المستويات الثلاثة: الدفاع الصاروخي، والقصف من قبل الطائرات المقاتلة التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، والملاجئ المدنية. وبالحديث عن طبقة الدفاع الصاروخي، فهي عبارة عن نظام دفاع صاروخي متعدد الطبقات يتضمن أنظمة “القبة الحديدية Iron Dome” و”باتريوت PATRIOT” و”مقلاع داود David’s Sling” و”آرو2 Arrow” و”آرو Arrow 3″ (انظر الرسم البياني لمعرفة الأرقام المقدرة والمدى ونوع الرأس الحربي والأهداف وتاريخ بدء تشغيل النظام).
تأتي الطبقة الثانية التي توفر الحماية لإسرائيل من الطائرات المقاتلة التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، والتي ستهاجم مواقع إطلاق صواريخ حزب الله وأماكن تخزينها. ويمتلك سلاح الجو الإسرائيلي أكثر من 425 طائرة مقاتلة، بما في ذلك ما يقرب من 50 طائرة جديدة من طراز “إف-35” و 50 طائرة من طراز “إف-15” و 25 من طراز “إف-15 إي” و 300 من طراز “إف-16”. وبحال اندلعت الحرب، تعتقد إسرائيل أن بإمكانها ضرب ثلاثة آلاف هدف تابع لحزب الله يومياً.
وأخيراً تتمثل الطبقة الثالثة من الدفاع الإسرائيلي بالمخابئ المدنية الموجودة في العديد من المنازل الإسرائيلية أو في المدن والقرى المحلية. فقد بات ثلث الإسرائيليين يمتلكون ملاجئ في منازلهم، في حين من المفترض أن يذهب الباقون إلى ملاجئ المدن المحلية أو إلى ملاجئ جيرانهم.
قدرة الاعتراض الإسرائيلية
إضافةً إلى التهديد الهائل لصواريخ حزب الله، يمكن لحركة “حماس” و”الجهاد الإسلامي في فلسطين”، مهاجمة إسرائيل بصواريخهما التي تُقدر بـ15 إلى 20 ألف صاروخ.
وتُظهر الخريطة أعلاه، حسب إيميرسون، النطاقات والوقت الذي يستغرقه الصاروخ لإصابة الهدف إذا ما أُطلق من لبنان أو من غزة، كما تعطي الخريطة فكرة عن مقدار الوقت الذي يجب أن يصل فيه شخص ما في تل أبيب إلى الملجأ بمجرد أن يكتشف نظام الإنذار أن هناك صاروخاً آتياً. وعلى سبيل المثال، يستغرق صاروخ يطلقه حزب الله في لبنان حوالى 75 ثانية ليصيب تل أبيب، في حين أن صاروخاً يُطلق من غزة يستغرق 30 ثانية وحسب. أما بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون بالقرب من الحدود الشمالية لإسرائيل، وبالقرب من قطاع غزة، فليس أمامهم سوى 10-15 ثانية للاختباء خلال أي هجوم صاروخي.
ورداً على ذلك، سيستهدف نظام “القبة الحديدية” الإسرائيلي تلك الصواريخ المتجهة نحو المراكز السكانية والأهداف الاستراتيجية. بينما سيعترض نظام “مقلاع داود”، مئات الصواريخ بعيدة المدى. وستغرق أنظمة الدفاع الإسرائيلية في حرب يتم فيها إطلاق 2000 صاروخ على إسرائيل كل يوم.
أطلقت حركتيّ “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في أيار 2019، حوالى 690 صاروخاً وقذيفة هاون على إسرائيل، فيما أسقطت “القبة الحديدية” ما يقرب من 240 منها. وباستخدام النسب نفسها، وبافتراض القدرات نفسها، فإن إطلاق الحزب 2000 صاروخ يومياً من لبنان يتطلب حوالى 660 صاروخاً اعتراضياً من طراز “القبة الحديدية” وعدداً غير معروف من صواريخ “مقلاع داود” الاعتراضية. في غضون ذلك، سيقوم سلاح الجو الإسرائيلي بتدمير منصات الإطلاق وتخزين الصواريخ ومواقع التجميع في جميع أنحاء لبنان. لذلك، من المحتمل، كما يشير إيميرسون، أن ينخفض معدل إطلاق صواريخ حزب الله بمرور الوقت، خصوصاً تلك ذات المدى الأطول. وهذا من شأنه أن يجبر الحزب على إطلاق المزيد من صواريخه قصيرة المدى، ما يعني بالضرورة تأثير أقل على الأهداف الاستراتيجية.
ما الذي يردع الحزب؟
ويتابع إيميرسون بالقول أنه إذا حاول حزب الله شن هجوم مفاجئ على إسرائيل، يتزامن مع إطلاقه للصواريخ، فقد يحاول القيام بهجوم بري لقتل أو أسر إسرائيليين يعيشون على طول الحدود مع لبنان. ويعرض في السياق، تقديرات تشير إلى أن عدد مقاتلي حزب الله النشطين ارتفع من 14 ألفاً في عام 2006 إلى 25 ألفاً اليوم، مع قوة احتياطية عديدها من 20 إلى 30 ألف عنصر.
وإلى جانب الصواريخ، زادت قدرات الحزب منذ عام 2006، بعد أن ساعد مقاتلوه جيش النظام السوري على القتال لما يقرب من عقد من الزمن، ليصبحوا أكثر كفاءة في القتال. والسؤال يبقى هو ما إذا كان نظام الحماية النشط الجديد للدبابات الإسرائيلية المُسمى “تروفي Trophy”، الذي تم إنتاجه من خلال شركتيّ أنظمة “رافائيل” الدفاعية و”إلتا” الإسرائيليتين، ومصمم لحماية ناقلات الجند والدبابات من الأسلحة المضادة للدروع المباشرة والموجهة، يمكن أن يوفر الحماية من ترسانة حزب الله التي تضم حوالى ألف نظام روسي مضاد للدبابات.
ويضيف إيميرسون أن الشيء الوحيد الذي يوقف حزب الله في الوقت الحالي هو حقيقة أن لدى الإسرائيليين جيشاً أقوى وأن بإمكانهم إلحاق الضرر البالغ بالبنية التحتية اللبنانية. وهذا بنظره سيحرج حزب الله بينما يعاني لبنان اليوم من أسوأ كارثة اقتصادية في تاريخه. وسيؤدي إلى مزيد من تقليب الرأي العام اللبناني عليه.