مفاجأة فرنسية …. ماكرون ينقلب على مبادرته
“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر
إذا كان لمجلس النواب حصة في ملء فراغ الوقت الضائع، فإن حصّة الأسد تبقى للمبادرات المطلقة من هنا وهناك لتشكيل حكومة، تغيّر شكلها ومضمونها منذ إطلاق الرئيس الفرنسي لمساعيه في آب الماضي، عشرات المرّات وفقاً لأهواء المعنيين ومصالحهم. إنها لعبة السيئ والأسوأ، فكما في الكهرباء بين السِلفة والعَتمة، كذلك في الحكومة، بين ثلث جنرال بعبدا، ونصف شيخ بيت الوسط، وفي الحالتين “العوض بسلامتكم”، فبين المنهوب والمهدور، لا فرق.
وسط هذه الأجواء ترقّب، لتحرّك عربي مُفترض تجاه بيروت، بالتوازي مع ما يمكن أن يصدر عن الإجتماع الأوروبي – الأميركي المنتظر في شأن الوضع اللبناني، فيما يقتصر حراك الداخل الجدّي على التحرك الديبلوماسي، حيث تؤكد مصادر عربية مواكبة لحركة الإتصالات والمشاورات الناشطة داخلياً وخارجياً، المُعلَن منها والخفي، أن ما تشهده الساحة الداخلية من لقاءات إنما هدفه تأمين مظلة أمان بحدّها الأدنى لمنع إطاحة الإنفجار الكبير بكل شيئ، مع إدراك الأطراف الخارجية عقم الطبقة الحاكمة وعجزها عن إيجاد الحلول. فالمسألة اليوم، وفقاً للمصادر، باتت أكبر من تشكيل حكومة، الذي تحوّل إلى تفصيل بسيط أمام المشهد العام الذي ينتظر لبنان.
وتتابع المصادر، بأن باريس جهّزت نسخة جديدة من مبادرتها، تنطلق من مبادئ جديدة تُلغي الى حدّ كبير ما قامت عليه المبادرة الأساسية، على صعيد شكل الحكومة أقلّه، حيث أن الإيليزيه، وبعد سلسلة اتصالات بحارة حريك، بات على قناعة بان لا حكومة غير سياسية في لبنان، وبالتالي، سيتمّ استمزاج رأي الحريري عما إذا كان قادراً وراغباً في ترؤس حكومة تكنو – سياسية من جديد، وفق توازنات لن تكون لصالحه.
وتختم المصادر، بأن التحرّك الفرنسي الجدّي لتمرير المبادرة الجديدة سيبدأ بعد القمة الأوروبية – الأميركية، وتبّلغ المواقف من الصيغة الحكومية الجديدة لباريس، مع الإشارة إلى أن الرئيس الفرنسي عاجز عن تقديم أي ضمانات للحريري بعد حصول تعطيل أو مناكفات داخل الحكومة الجديدة.
أوساط مقرّبة من الرئاسة الفرنسية، كشفت أن المبادرة الجديدة تقوم على تشكيل حكومة تكنو – سياسية، تعطي رئيس الجمهورية مطالبه وفق صيغة وزير ملك يعود لفرنسا اختياره على أن يتولّى حقيبة الطاقة، ملمّحةً إلى أن سبب التغيير الفرنسي، يعود إلى رسائل وصلت بالواسطة إلى باريس عن استعداد فريق بعبدا ومن خلفها، بتسمية مرشح الإليزيه لحاكمية مصرف لبنان، واستعداد “الثنائي الشيعي” بتسمية وزير مال تميل إليه باريس، وهو ما قلب الطاولة وغيّر في المعادلات، جازمة بأن الأميركيين لم يبلّغوا فرنسا أي موقف مخالف لمواقفهم السابقة بشأن لبنان.
صحيح أن دوائر الإيليزيه تدأب منذ فترة على تحميل رئيس “التيار الوطني الحر” مسؤولية التعطيل، إلاّ أن ذلك، والكلام لمصادر معنية، لا يعني بأي حال من الأحوال وقوف الرئيس ماكرون إلى صفّ الرئيس الحريري، بل على العكس، فهو مارس ويمارس أقصى الضغوط التي كادت أن تدفع بالشيخ سعد إلى شرب كأس السمّ، قبل أن يتدخل الثلاثي العربي وواشنطن لثني باريس عن ضغوطها.
وتتقاطع المعلومات، على أن فرنسا هي أحد اللاعبين على الساحة اللبنانية، إلاّ أنها لم تعد المتقدّمة نتيجة عاملين أساسيين، الأول، استهلاكها لكل فترة السماح التي أعطيت، والتي ساهمت في المزيد من تدهور الأوضاع، والثاني، تلبيتها لكامل رغبات “حزب الله” وتولّيها تأمين مصالحه، وهو أمر يُعتبر خطاً أحمراً بالنسبة للمجموعة العربية وأميركا وقسم لا يُستهان به من الدول الأوروبية.
فتعديل المبادرة الفرنسية من قبل صاحبها وتراجعه عن حكومة اختصاصيين لصالح حكومة تكنو ـ سياسية، هو ضرب من الجنون، لأنه لن يسمح بتمريره تحت أي من الظروف، وهو ما ستتبلّغه الأم الحنون الخميس المقبل بشكل واضح وسريع، وسط توجّه أميركي لسحب التنسيق معها لصالح تفويض المجموعة العربية بالتعاون مع الفاتيكان، الملف اللبناني، وباكورة هذه الخطوات في البيان الذي أدلى به السفير السعودي من بعبدا.
إذاً جبهة التكنو – سياسية آخذة في الإتّساع داخلياً، حيث باتت تضم : “حزب الله”، رئاسة الجمهورية، “التيار الوطني الحر”، الحزب التقدمي الإشتراكي، وبمباركة فرنسية، في مواجهة محور عين التينة – بيت الوسط. فهل هي الوسيلة لإخراج الشيخ سعد من جنّة السراي؟ أم هي عودة إلى معادلة سعد -جبران بعدما نقلها الرئيس المكلّف إلى مستوى عون – الحريري؟ وماذا عن الموقف الأميركي – العربي؟ هل هو فخّ جديد منصوب للبنان؟
عشرات الأسئلة تبقى إجاباتها مرهونة بنتائج تشكيل هكذا حكومة والتطورات التي قد ترافق ذلك.
“إللي بيكبّر فشختو بيوقع”، هذا ما يقوله المثل اللبناني، أما المثل الفرنسي فيقول “من يزرع الريح يحصد العاصفة”…. إنها حال “الأم الحنون” التي “كبّرت حجرها لتفطر على بصلة”…. فرحم الله امرىءعرف حدّه فوقف عنده، على ما يقول الشاطر حسن… فمن ثمانينات القرن الماضي، ما تغيّرت فرنسا ولا تغيّر لبنان…