تتسارع وتيرة الاحداث الداخلية بشكل مخيف منذرة بالاسوأ الذي يتّفق عليه الجميع ويخشون تداعياته الكارثية، تزامناً مع انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار بشكل غير مسبوق، فيما الجمود الحكومي على حاله، وسط التشكيك الدائم والمتواصل من مرجعيات سياسية وحزبية، وحرب تسريبات يخوضها جماعة المنظومة الحاكمة.

وفيما الجميع مأخوذ «بسكرة الحوار وفكرة فشله»، برز تطور لافت من مجلس النواب، ساحته اللجنة نفسها ورئيسها، الذي غمز من قناته المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب في مؤتمره الصحافي الاخير، حيث يبدو ان ثمة «طبخة عونية» جديدة «طباخها» وزير العدل الذي رفع اقتراحا باقرار قانون لمعاقبة كل من يعطل عملية التدقيق الجنائي المالي، فتجرع «سم المشروع» عدد كبير من النواب، دون ان «يعرفوا ماذا يفعلون»، على ما اعلن النائب ابراهيم كنعان. خطوة يبدو انها «المخرج الشيطاني « الذي ابتدع لاخراج رياض سلامة، المتهم الاول بالعرقلة، من اللعبة ليس فقط الى البيت بل الى المحاسبة ربما، وان بقيت تفاصيل الاقتراح غير معروفة وآلية تطبيقه، «من دون جميلة حدن»، ليحقق بذلك فريق العهد اذا ما نجح بتمرير المشروع ورقة صالحة للانتخابات النيابية، ذلك ان لتعيين حاكم جديد حسابات اخرى، وبالتالي تكون بعبدا قد «شلحت» الآخرين ورقة لطالما تمت المساومة عليها «ببلاش». فماذا ستكون رد فعل الشركاء؟

بالتاأكيد الامور ليست بتلك الصورة الزهرية، لا لجهة تمرير «القطبة المكشوفة»، ولا لجهة تطبيقها، فقد كسب حاكم مصرف لبنان داخليا معركته، حتى الساعة، بفضل دعم رئيس مجلس النواب نبيه بري له، الذي عارض موضوع إزاحته، فأسقط رغبة السّاعين الى إقالته في مجلس الوزراء، ما دفعَ بالأطراف كافةً الى إعادة تموضعها من جديد، وهو ما بدا جلياً انعكاسه في اعتبار رئيس الحكومة «انه ضابط في المعركة وبالتالي لا يمكن استبداله خلال المواجهة»، وهو ما ترد عليه مصادر البرتقالي سائلة الم يقل الرئيس عبد الناصر المشير عبد الحكيم عامر بعد نكسة الـ 67 مع بداية لملمة الجيش المصري لنفسه، متسائلة عن صحة المعلومات التي تتحدث عن ادارة سلامة ثلاث منصات الكترونية عبر تطبيقات على الهاتف تبثّ من خارج لبنان، وتتلاعب بسعر الدولار في السوق اللبناني وتحديد قيمته صعوداً وهبوطاً.

كما ان رياض سلامة «لعبها صح» شأنه شأن بعض «زملائه» في الدولة الذين عرفوا كيفية الموازنة بين ارضاء حزب الله من جهة، وعدم ازعاج الاميركيين من جهة ثانية، بحجة مفهوم المصلحة الوطنية العليا والسلم الاهلي، على الطريقة اللبنانية، فهو نجح في ايجاد المعادلة السحرية بين تلبية الطلبات الاميركية في ما خص العقوبات، دون ان تؤثر تلك الخطوات في حزب الله ومصالحه، وان بدت دائما العلاقة متوترة بين الطرفين، اللذين التزما بشروط اللعبة.

وهنا تسال اوساط متابعة، عن الموقف الأميركي الذي هو ابعد من حماية ودعم لشخص رياض سلامة، بقدر ما هو افشال لمحاولات نسف ما تبقى من جسور بين المنظومة المصرفية والمالية اللبنانية من جهة، والمنظومة الدولية من جهة مقابلة، وبالتالي، قطع الطريق على مشروع إلحاق لبنان اقتصادياً ومالياً بالمحور الإيراني ـ السوري ـ العراقي ـ اليمني، بهدف الإطباق عليه واستكمال تغيير هويته السياسية والإقتصادية.

كل ذلك يبقى صحيحًا في ظلِّ التوازنات الحالية. لكن ماذا لو انكسر ميزان الذهب المتحكّم باللعبة؟ وماذا لو قرر أحد الاطراف إزاحة الحاكم بطريقة غير تقليدية؟ وهل سيسكت العالم عن هكذا خطوة، خصوصًا أن الاسمَين المطروحَين جديًا يشكلان «نقزة» عند الاميركيين والغرب؟ وهل ينجح دعم بري – ميقاتي غير المباشر للحاكم في تأمين مظلة أمان له؟

قد يكون أفضل حلّ في ملف رياض سلامة، بعدما ثبت أنه رقم صعب في المعادلة استدعاؤه الى بعبدا وتسليمه كامل الملف المالي لاتخاذ المقتضى على أن يتحمل كامل مسؤولية ما قد يحصل. فهل يقدم الرئيس عون فينقذ ما تبقى؟

هكذا قطعَ رياض سلامة شوطًا كبيرًا في معركة بقائهِ الى حين يقرر الرحيل بنفسه، بالتأكيد الى البيت وليس الى بعبدا، مردّدًا أن الظروف تفرض حاليًا بقاءه لأن اي حاكم آخر بحاجة الى مدّة زمنية لا تقلّ عن ستة أشهرٍ للإمساك بالملفات، في وقت لا نملك ترف الوقت.

عند هذه المعطيات والملاحظات، يبدو جليا أن شيئاً لم يتبدّل لا شكلاً ولا مضموناً، وربما حتى في الأهداف المبطّنة والعلنية والدوران حول العقد عينها، ما يعني أن ثمة طبقة حاكمة ، بفروع»غبّ الطلب»، تريد تلك المراوحة أياً كانت كلفتها، باعتبار أن أولى مهام الحكومة الموعودة وأهدافها، إعادة تركيب الدولة ومؤسساتها.

في الخلاصة، يبدو ان زمن تحركات الشارع «السلمية الروتينية» انتهت والامور تتجه نحو تحركات «كسر عظم ورؤوس»، في بلد تحللت فيه الدولة لمصلحة كل مستقوٍ واصبح «حيطها واطي»… «فليفهم يللي بدو يفهم» كما قال ميقاتي ذات يوم «مكشراً عن أنيابه»، المهلة ما عادت مفتوحة « إلى ما شاء الله»، كما سيقول الشعب هذه المرة، و يمكن «بالأميركاني كمان، لمن لم يفهمها باللبناني»… لننتظر ونر، فالخيارات على انواعها لن تتأخّر في الظهور…