ما حقيقة وجود يورانيوم في مصفاة نفط لبنانية؟ ستنقل المواد الكيماوية إلى مكان آمن في الهيئة الوطنية للطاقة الذرية
دنيز رحمة فخري -أندبندنت
فاجأ رئيس الحكومة اللبنانية المستقيلة حسان دياب المجلس الأعلى للدفاع في جلسته الأخيرة التي عقدت في القصر الرئاسي في بعبدا، بطرح ملف قال إنه “يشكّل خطراً كبيراً”، مستنداً إلى تقرير أعدته شركة “Combilift” الألمانية، والذي يشير إلى مواد كيماوية خطيرة موجودة في مستودع في منشآت النفط في الزهراني، جنوب لبنان.
وقال دياب “تبيّن بعد الكشف عليها من قبل خبراء في الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية أن هذه المواد نووية عالية النقاوة، ويشكّل وجودها خطراً، بحسب التقرير الذي وردني من الأمن العام”. ودعا المجلس الأعلى للدفاع إلى اتخاذ إجراء سريع والتعامل مع هذا الموضوع بأقصى درجات الاستنفار.
وعليه، اتخذ المجلس قراراً بتكليف وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر باتخاذ الإجراءات اللازمة بالتنسيق مع الوزارات والمؤسسات المعنية، لا سيما الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية لتخزين المواد الشديدة الخطورة، بعد سحبها من منشآت النفط أو أي أمكنة أخرى.
لماذا استنفر دياب؟
وصل إلى الرئيس دياب تقرير من وزارة الطاقة أعدته الشركة الألمانية، التي كشفت على مصفاة الزهراني في 1 مارس (آذار)، وتؤكد فيه وجود مواد كيماوية خطيرة موضوعة على رفوف حديدية داخل خزانة في مستودع إحدى منشآت النفط.
كلفت وزارة الطاقة بعد يومين خبيرين يعملان في الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية للكشف على هذه المواد. وذكر تقرير الخبيرين، وفق نسخة حصلت عليها “اندبندنت عربية”، “سجّل الكشف الميداني للنشاط الإشعاعي، بعد فحص الرف المحاذي للعبوات، ما يساوي 0.40 وهي نسبة أعلى بكثير من الخلفية الإشعاعية الطبيعية التي حددت بـ0.20 usv/h وهي عبارة عن بودرة صفراء، الأمر الذي يؤكد بشكل قاطع مدى خطورة هذه المواد في حال تعرّضها لأي انفجار أو استخدامها في أي عمل إرهابي، ما قد يؤدي إلى حصول كارثة جراء التلوث الإشعاعي”.
التحذير من خطورة المواد وإمكانية استخدامها في أي عمل إرهابي، دفع دياب إلى الاستنفار، خصوصاً أنه بات ملوّعاً من انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب)، إذ اتُّهم بالإهمال لعدم متابعته المعلومات التي وصلته عن وجود نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12.
المواد الكيماوية لا تستحق هذه الضجة
“اليورانيوم المنضب” أو المواد الكيماوية التي وجدت في الزهراني تعود إلى الخمسينيات من القرن الماضي، تحديداً إلى عام 1950، حين كانت الشركة الأميركية “Medrico” تتولّى تشغيل المصفاة لتكرير النفط الذي كان يصل إلى لبنان من العراق، وهي كانت تستخدم تلك المواد في أعمال المصفاة، وكان ذلك قبل إصدار معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
يكشف الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتور معين حمزة لـ”اندبندنت عربية” عن أن المواد التي وجدت في ثمانية عقاقير ولا يتعدى وزنها الكيلوغرام و400 غرام، ليست مواد نووية، بل كيماوية تتضمن أملاح اليورانيوم المنضب، مشدداً على أنها محفوظة بطريقة سليمة جداً، وموجودة في عبوات صغيرة.
وأكد حمزة أكثر من مرة على أن تلك المواد “لا تشكّل خطراً على مستعمليها ولا المحيطين بمكان وجودها كونها من اليورانيوم المنضب”. ويستغرب كل هذه الضجة التي أثيرت، موضحاً أن مثل هذه المواد الكيماوية أو المشعة يمكن إيجادها في المستشفيات والمختبرات الطبية والجامعية ومصانع الأدوية ومصانع مواد التنظيف والتعقيم، وكلها مواد تخضع لبروتوكول محدد يتم على أساسه التعامل معها، تفادياً لأي خطر قد تتسبب به.
اليورانيوم إلى مختبرات مجلس البحوث
يشرح حمزة أن فريقاً من الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية سيتجه الاثنين إلى المنشآت النفطية في الزهراني لتسلّم المواد الكيماوية، لاستخدامها في مختبراتها وأبحاثها، مشيراً إلى أنها مواد بقيمة مخبرية عالية جداً ويمكن الاستفادة منها.
وكانت مديرية النفط أبلغت المجلس الوطني للبحوث العلمية أنه يتعذر عليها تخزين هذه المواد لديها، طالبة من الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية نقلها إلى مختبراتها، ليُصار إلى وضعها تحت التحكم الرقابي واعتماد الأصول والمعايير المتعلقة بهذا النوع من المواد.
ويطمئن حمزة إلى أن هذه المواد “ستكون بالحفظ والأمان لدينا”.
بدوره، أوضح مدير الهيئة الوطنية للطاقة الذرية بلال نصولي أن أملاح اليورانيوم المنضب هي مواد استهلاكية يتم استخدامها في الأبحاث العلمية، مشدداً على أنها “غير قابلة للانفجار أو الاشتعال”.
مواد مشعة
وفيما علم أن المواد الكيماوية الموجودة في مصفاة طرابلس، التي كشفت عنها الشركة الألمانية ذاتها، بدأ العمل على معالجتها، أشار دياب خلال اجتماع المجلس الأعلى للدفاع أيضاً إلى مواد مشعة تمت مصادرتها في العاصمة بيروت، وهي كناية عن خردة الحديد التي يمكن أن تتحول إلى مواد خطيرة إن لم تعالج وفقاً لشروط السلامة العامة.
وقد علم أن المجلس الأعلى للدفاع اتخذ قراراً بتكليف الجيش اللبناني إيجاد أرض بعيدة من السكن في مناطق نائية حتى يصار إلى طمر هذه المواد بشكل لا يضر البيئة، بإشراف من الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية. وقد أكد حمزة أن هذه المواد موجودة حالياً لدى الهيئة، وهي مخزنة بأفضل شروط السلامة العامة.