صراع امريكي صيني على الشرق الاوسط
حسن فحص|المدن
الجولة الدبلوماسية التي يقوم بها وزير الخارجية الصينية وانغ يي على دول الشرق الاوسط والتي شملت عواصم الدول المحورية في هذه المنطقة، اي العاصمة السعودية الرياض والعاصمة التركية انقره، والعاصمة الايرانية طهران، توجت في طهران بتوقيع الوزير الصيني مع نظيره الايراني محمد جواد ظريف على الاتفاق الاستراتيجي الاقتصادي لمدة ربع قرن (25 سنة)، تشكل هذه الجولة بحد ذاتها – بعيدا عن الابعاد الاخرى لهذا الحراك الدبلوماسي – تحديا مشتركا مع طهران لمشاريع واشنطن الشرق اوسطية، خصوصا مساهمتها في كسر حلقة الضغط المفروضة امريكيا على ايران على خلفية العقوبات الاقتصادية وازمة الاتفاق النووي والشروط الامريكية لاعادة تفعليه. الامر الذي يفتح امام طهران قناة للتملص من الضغوط الاقتصادية والمالية التي تتعرض لها. فضلا عن ان هذا الاتفاق الثنائي سيسمح لبكين ان تكرس وجودها كلاعب فاعل في الحديقة الخلفية والحيوية لواشنطن، ويضيف تعقيدا جديدا على مشروع محاصرة الطموحات الاقتصادية والسياسية للصين التي باتت تشكل تحديا حقيقيا لدور واشنطن في الكثير من المناطق العالمية.
واذا ما كانت القيادة الصينية قد وجدت في التغيير الذي حصل في ادارة البيت الابيض فرصة لتفعيل نشاطاتها الدبلوماسية في القضايا الدولية، خصوصا في ازمات الشرق الاوسط عامة، والقضية الفلسطينية خاصة، من خلال الطرح الذي تقدمت به لاستضافة مفاوضات مباشرة في بكين بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني تحت سقف البحث عن السبل التي تساعد على تطبيق حل الدولتين وانهاء الصراع بينهما. فانها وجدت في التوتر الحاصل مع ادارة الرئيس الامريكي جوزيف بايدن في الاجتماع الاخير الذي جرى في مقاطعة الاسكا بين الوزير الصيني ومعه المسؤول السياسات الدولية في اللجنة المركزية في الحزب السيوعي ونظيره الامريكي انتوني بلينكن ومعه مستشار الامن القومي جايك سوليفان، وجدت الفرصة امامها سانحة لحسم موقفها من التوقيع على الاتفاق مع النظام الايراني والتخلي عن حالة انتظار النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات الرئاسية الايرانية. وما تحمله هذه الخطوة من رسالة الى واشنطن لجهة حجم الاستثمارات التي يتضمنها هذا الاتفاق البالغ قيمتها نحو 400 مليار دولار، والتي خرجت من دائرة التنافس الامريكي عليها في حال حصول تطبيع محتمل للعلاقات بين طهران وواشنطن في المستقبل.
الوزير الصيني وفي ختام زيارته للرياض وقبل التوجه الى طهران، اكد ان الشعوب الشرق الاوسط هي التي تقرر مصير هذه المنطقة ويجب العمل لارساء مصالحة شاملة وانهاء الاشتباكات والتوترات وأخذ المطالب المشروعة لكل الاطراف بعين الاعتبار والمساعدة في وضع اطار زمني يمهد لوقف التدخلات الاجنبية فيها، مع التزام المجتمع الدولي بتعزيز الاستقرار وارساء السلام.
وتسعى بكين لتوسيع هامش تأثيرها في قضايا الشرق الاوسط، فهي الى جانب مبادرتها حول القضية الفلسطينية التي تستفيد من التزام ادارة البيت الابيض العودة الى حل الدولتين، فانها تعمل على بلورة مبادرة شاملة من نقاط عديدة تهدف الى المساعدة في حل مختلف المسائل التي تهم دول المنطقة، وتقوم على تأكيد مبدأ الاحترام المتبادل بين دول المنطقة تؤسس لشراكة في التنمية والسلام، تساعدها بالاعتماد على تفاهمات اقليمية على ايجاد حلول سياسية للازمات التي تعاني منها العديد من دول الشرق الاوسط في سوريا واليمن وليبيا والعراق وغيرها. وتكون القضية الفلسطينية في صلب جهود تحقيق العدالة الدولية لشعوب هذه المنطقة.
الرؤية الصينية لم تستبعد الهواجس الدولية عامة والاقليمية خاصة، وتحديدا العربية والاسرائيلية من الطموحات النووية الايرانية، لذلك من المتوقع ان تشمل العمل على وضع خارطة طريق لمنع انتشار اسلحة الدمار الشامل في هذه المنطقة، وتساعد على وضع اطار زمني لاعادة تفعيل الاتفاق النووي في المستوى المتعلق بالازمة الامريكية الايرانية، والدفع باتجاه تدوير زوايا الشروط المبادلة بينهما بحيث تلجأ واشنطن الى خطوات عملية لرفع العقوبات ضد ايران، في مقابل ان تلتزم طهران بالعودة الى التزاماتها وتعهداتها النووي في الاتفاق.
وتقترب الرؤية الصينية في ما يتعلق بامن المنطقة من الرؤية الايرانية التي سبق ان كشف عنها الوزير ظريف تحت اسم “امن هرمز”، اذ من المحتمل ان تتضمن المبادرة الصينية دعوة لاقامة “امن جماعي مشترك” بين دول المنطقة لتعزيز الامن والاستقرار في الشرق الاوسط ويأخذ بعين الاعتبار هواجس جميع الاطراف واستعدادها لاستضافة الحوارات هذه الاطراف على اراضيها ورعايتها بهدف التوصل الى تفاهمات حول امن الخليج بما فيها امن المشتقات النفطية ومعابر البحرية ووضع آلية لتعزيز الثقة في الشرق الاوسط ، ما يعني ان بكين تنضم الى طهران وموسكو في مساعي تقليل التدخل الامريكي المباشر او عبر الناتو او اي تحالف اخر “ناتو اقليمي” في امن المنطقة، ولا يأخذ بعين الاعتبار مخاوف الاطراف الاخرى غير المشاركة في هذه التحالفات او تعارضها.
الدخول الصيني الى ازمات الشرق الاوسط، خاصة ما يتعلق بالتوترات الايرانية الخليجية، وان كان الهدف المباشر منه تكريس دور لبكين من بوابة شراكتها في الاتفاق النووي في اطار مجموعة السداسية 5+1. الا ان الهدف قد يكون لا يبتعد عن الاشتباك المحتدم بينها وبين واشنطن على خلفية الطموحات الاقتصادية لبكين وتعزيز مواقعها لتوسيع مشروعها “حزام واحد، طريق واحد” الذي يشمل 19 عشر دولة في الشرق الاوسط والذي يشكل احد ابرز الهواجس ومصادر القلق الاقتصادي للادارات الامريكية.