المقاومة ومجتمع الصّمود
شوقي عواضة
لخّص المفكر القومي الزعيم أنطون سعاده مسيرة الإنسان الثوري والنّضالي قائلاً “إنّ الحياة وقفة عزّ فقط”.. تلك هي المرحلة التي نعيشها اليوم في لبنان في ظلّ أزمةٍ اقتصاديّةٍ وعقوبات أميركيّة يشهدها لبنان المقاوم في محاولة لتركيعه وتقويض الدّولة ومؤسّساتها وفقاً لما أعلنه ديفيد شينكر بكلّ وضوح في العاشر من آذار الماضي في معهد واشنطن، حيث أشار شينكر إلى اتباع إدارة ترامب في اعتماد سياسة التّدمير الممنهج للبنان من خلال التركيز على نقاط رئيسيّة ومفصليّة كان عنوانها الرئيسي كما قال بأنّ واشنطن لا تريد أن ينجح لبنان أكثر من النّخب السياسية اللبنانيّة. مضيفاً أنه في ظلّ الانهيار المالي في لبنان رفعنا شعار محاربة الفساد والإصلاح، دون التّركيز على الفاسدين من السياسيين.
لقد كان الهدف الأوّل والأخير للإدارة الأميركيّة هو تقويض حزب الله من خلال إطلاق تلك الشعارات بالتزامن مع إطلاق اليد لمنظمات الـ NGO’s، وتترافق مع ذلك حملة التضليل الإعلامي التي لا تزال مستمرة حتى اليوم في محاولة تشويه صورة المقاومة وتحميلها كلّ المسؤوليّة، وذلك بالتعاون مع حلفاء السّفارة الأميركيّة وإعطاء دور للفرنسيين في إطالة أمد الأزمة الحكومية، وبالتالي الأزمة الاقتصاديّة، ليشتدّ الحصار على كلّ اللبنانيين مع ارتفاع أسعار صرف الدولار والمواد الغذائيّة والمشتقات النّفطية، وبذلك يشتدّ الحصار على حزب الله الذي أعلن أمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله منذ إعلان العقوبات بأنّ العقوبات الأميركية لن تجدي نفعاً ولن تؤثّر على الحزب وبأنّنا لن نجوع وسنقتلكم.
مقولة بدأت ترجمتها عمليّاً على المستوى الاقتصادي والاجتماعي من خلال إطلاق سلسلة مشاريع تنطلق من المقاومة إلى بيئتها المتعدّدة الطّوائف بالدرجة الأولى ومن ثم إلى كلّ اللبنانيين. الأمر الذي أزعج الكثيرين من المرتزقة الذين امتهنوا الارتزاق واتخذوا من التهجّم على المقاومة مهنة يقتاتون منها بأبخس الأثمان. فالمقاومة التي حقّقت الانتصارات الكبيرة على الكيان الصّهيوني وداعش والإرهاب كانت تزعجهم بانتصاراتها وهي تزعجهم اليوم بما تنجزه من تعزيز للوضع الاجتماعي في مواجهة الأزمة.
المقاومة التي قاتلت ولا تزال من أجل لبنان كلّ لبنان لا يزال البعض يرى أنّها دولة ضمن الدولة وهي ليست كذلك. وتاريخيّاً كانت المقاومة تخفّف الأعباء عن الدّولة الضّعيفة الغير قادرة على مواجهة تهديدات العدو “الإسرائيلي” منذ نشوئه وما رسالة العلامة السيّد عبد الحسين شرف الدين إلى رئيس الجمهورية بشارة الخوري عام 1948 بعد ارتكاب العدو “الإسرائيلي” مجزرة حولا وصلحا، والتي نبّه فيها الرّئيس بشارة الخوري قائلاً: (وحسبنا الآن نكبة جبل عامل هذا الجبل الذي يدفع ما عليه من ضرائب ولا يعطى ما له من حقوق وكأنّه الشريك الخاسر. فإن لم يكن من قدرة على الحماية أفليس من قدرة على الوقاية وإنْ قرأتم السلام على جبل عامل فقل السّلام على لبنان) إلا مثالاً على ذلك.
تلك هي المقاومة التي تعطي ولا تأخذ، تقدّم الإنجازات للبنان، تلك هي المقاومة التي أثبتت انتصاراتها في الميدان وهزمت أعتى الأعداء تثبت اليوم انتصاراتها في مواجهة الحصار وتحفظ كرامة شعبها لتنفذ وصية سيد شهدائها العباس الذي قال (الوصية الأساس حفظ المقاومة والناس).
تلك المقاومة الرّحيمة التي تقاتل بيد وتبني باليد الأخرى وتلك هي بيئتها ومجتمعها الذي قال فيه إمام المقاومة المغيّب السيد موسى الصدر (يجب علينا تكوين مجتمع حرب لمقارعة إسرائيل) نعم هو ذا مجتمع الحرب والمواجهة والصمود. مجتمع الحرب الذي يستحق الحياة بجدارة ويستحق أن يكون مجتمعاً محصنّاً وقوياً ومستعداً للمواجهة. ذلك المجتمع الذي لم يبخل على مقاومته بالأرواح والدّماء يستحق أن ينعم بإنجازات المقاومة التي أعلنت الاستنفار الاجتماعي والصّحي منذ بدء الأزمة لأنّها المقاومة الرحيمة بوطنها وشعبها تنجز فما هي إنجازاتكم خلال الأزمة أيّها المرتجفون على وقع الهزائم التي تسكنكم؟؟ وماذا قدّمتم للناس أيّها المخضرمون حبّاً بالوطن الذي لم ولن يكون بالنّسبة إليكم إلّا شركة مساهمة تستثمرون بها وجع الفقراء والكادحين، لأنّكم لن تدركوا حقيقة ومعنى الوطن والكرامة والعزّة ولأنّكم لم تقرأوا في تاريخ الثائرين حقيقة تاريخيّة راسخة قالها تشي غيفارا (الجبناء لا يكتبون التاريخ، التاريخ يكتبه من عشق الوطن وقاد ثورة الحقّ وأحب الفقراء.) وأنتم لن ترقوا إلى ذلك المقام.
المصدر: شوقي عواضة