إعادة بناء العلاقات بين الدوحة وبغداد.. خصوم الخليج الفارسي يتنافسون على الأراضي العراقية
الوقت– في خضم الأيام المليئة بالزيارات الدبلوماسية في منطقة غرب آسيا، سافر وزير الداخلية العراقي عثمان الغانمي إلى الدوحة للقاء المسؤولين القطريين. وفي الأسابيع الأخيرة، مع انحسار قضية وباء كورونا في منطقة غرب آسيا، خاصة في الدول العربية، أصبحت منظقة غرب اسيا المركز الأكثر ازدحاما في مجال الأسفار الدبلوماسية، حيث شهدنا زيارات متبادلة لكبار المسؤولين من مختلف الدول.
إلا أنه وبحسب بيان صادر عن وزارة الداخلية العراقية، فإن زيارة الغانمي إلى الدوحة تمت بدعوة رسمية من الحكومة القطرية للمشاركة في المعرض الدولي الثالث عشر للأمن الداخلي والدفاع المدني. ولكن من أجل إدراك أبعاد وأهداف هذه الرحلة، من الضروري تحليل ودراسة هذه الزيارة على مستويات اخرى ابعد من زيارة المعرض. حقيقة الأمر أن بغداد والدوحة تسعيان إلى تطوير وتوسيع علاقاتهما الثنائية مع أهدافهما الخاصة.
مساعي الدوحة لإيجاد موطئ قدم لها في العراق
بحسب مصادر إخبارية، التقى وزير الداخلية العراقي عثمان الغانمي لأول مرة مع خالد بن خليفة بن عبد العزيز آل ثاني خلال زيارته لقطر لبحث العلاقات الثنائية بين قطر والعراق وسبل دعمها وتطويرها، لا سيما في القضايا الأمنية. حيث يحتاج البلدان، العراق وقطر، كدولتين عربيتين موجودتين في منطقة الخليج الفارسي، إلى التعاون والمشاركة على أي مستوى من العلاقات، خاصة في القضايا الأمنية. في الواقع، إن القضايا الأمنية في المنطقة تجعل هذه الدول تضع بشكل حتمي القضايا الأمنية على أجندتها المباشرة.
وفي هذا السياق، يمكن التطرق لمسألة الأمن الإقليمي من وجهة نظر قطر من جهة، ومن جهة أخرى، يجب النظر في مسألة الاهتمام بأهداف العراق الأمنية فيما يتعلق بالعراق.
بعد فرض العقوبات والحصار الاقتصادي على قطر من قبل عدة دول عربية بقيادة السعودية في عام 2017، تدخلت قطر، على عكس الماضي، بنشاط في شؤون المنطقة وعارضت سياسات الإمارات والسعودية ومصر. وفي غضون ذلك، يُشار إلى أن أبو ظبي والرياض بذلتا جهودا كبيرة في السنوات الأخيرة لممارسة نفوذ سياسي وأمني في العراق، حتى ان هذا النهج تطور ليصبح تدخلاً في الاحتجاجات العراقية، التي بدأت في 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2019.
في الوقت الذي تسعى فيه السعودية والإمارات إلى النفوذ الأمني والسياسي في العراق، تمتلك قطر أيضا حوافز هائلة لزيادة نفوذها في بغداد لمواجهة هذه الدول والتنافس معها. في الواقع تعتزم قطر من ناحية زيادة تعاونها الأمني مع العراق، وربما حتى دعم السياسات التركية في بغداد. ومن ناحية أخرى، يبدو أن الدوحة تنوي منع نفوذ الرياض وأبو ظبي في العراق من خلال زيادة مستوى التعاون مع العراق.
لكن من ناحية أخرى يسعى العراق إلى تحقيق أهدافه الخاصة في زيادة مستوى التعاون الأمني مع الدوحة. ففي السنوات التي تلت ظهور داعش، أفادت تقارير أن العديد من الدول العربية دعمت داعش مالياً ولوجستياً. وحتى قبل ظهور داعش، في السنوات التي تلت عام 2003، أشارت تقارير أمنية إلى أن دول الخليج الفارسي دعمت عمليات القاعدة في العراق. ويريد العراق الآن تخفيف بعض مخاوفه بشأن دعم الجماعات الإرهابية في الخليج من خلال موازنة العلاقات مع دول الخليج.
التوجه الاقتصادي للسياسة الخارجية العراقية في عهد الكاظمي
أظهرت حكومة مصطفى الكاظمي في الأشهر الأخيرة أن لديها رغبة خاصة في إنقاذ اقتصاد العراق الذي مزقته الأزمة، وفي هذا الصدد، وضعت السياسة الخارجية الموجهة نحو الاقتصاد على جدول الأعمال. وفي الأشهر الأخيرة، بذل الكاظمي جهودا خاصة على المستوى الإقليمي لجذب المساعدات الخارجية والاستثمار على المستوى الإقليمي. وفي الواقع فان العراق الذي عاش خمس سنوات كابوسية نتيجة صعود وتنامي تنظيم داعش في البلاد، كان في خضم التهديدات الأمنية والضغوط الاقتصادية الشديدة في السنوات الأخيرة، لذلك، يبدو نهج الكاظمي الموجه نحو الاقتصاد منطقياً إلى حد كبير.
وبالتالي فان زيارة الغانمي للدوحة، والتي تهدف إلى المشاركة في النسخة الثالثة عشرة من معرض ميليبول قطر، والتي تركز على الأمن القومي والدفاع المدني، ترافق بالتأكيد طموحات اقتصادية. حيث دخلت الحكومة العراقية في الأشهر الأخيرة في مفاوضات مع دول مختلفة لجذب الاستثمار الأجنبي وزيادة مستوى التعاون الاقتصادي، ويتجلى أحدها في زيارة وزير الخارجية فؤاد حسين للسعودية في أوائل مارس. كانت قطر كدولة قوية اقتصادياً، جذابة بشكل خاص للدول الأخرى من حيث التعاون المالي والتجاري، لذلك يبدو أن الكاظمي كان لديه أيضا منظور اقتصادي خلال زيارة وزير حكومته إلى الدوحة.