الطرابلسيون ممنوعون من العمل في بيروت
نسرين مرعب – أساس ميديا
خطرٌ معيشيّ جديدٌ يهدّد أهالي الشمال. فطرابلس، المدينة المهمّشة التي تعاني أعلى مستويات الفقر والبِطالة، ما دفع العديد من أبنائها للبحث عن فرض عمل خارجها، ها هي اليوم تواجه مشكلة جديدة، هي ارتفاع كلفة النقل بنسبة 80%.
قبل استعراض الارتفاع الأخير في تسعيرة المواصلات، لا بد من توصيف صورة الوضع. فالحدّ الأدنى للأجور في لبنان هو 675 ألف ليرة، قد يضاف عليه في بعض المؤسسات بدل النقل، وهو 8 آلاف ليرة لبنانية لكل يوم عمل، أيّ 192 ألف ليرة شهريًّا في حال عمل الموظف 24 يومًا.
باختصار فإنّ ابن الشمال الذي يعمل في بيروت وضواحيها، كان يتقاضى قبل الأزمة، مع بدل نقل، 867 ألف ليرة، يرتفع هذا الراتب أحيانًا إلى المليون، ولا يتجاوز في أحسن الأحوال المليون ونصف المليون ليرة.
في المقابل، كان هذا العامل أو الموظف، يدفع مواصلات على الشكل التالي:
في حال كان الموظف قريبًا من كاراج النقل الكبير من وإلى المدينة، وإذا كان عمله في محيط منطقة الكولا في بيروت، فعليه أن يدفع خلال تنقّله 8000 يوميًّا. أي البدل المقدّر نفسه. أما في حال كان بيته في منطقة بعيدة عن الكاراج، وعمله بعيدًا عن منطقة الكولا، فسيضاف إلى هذا البدل 6 آلاف يوميًّا ، ليصبح المجموع في اليوم 14 ألف ليرة، أي بما يقدّر شهريًّا بـ336 ألفًا، في حال عمل الموظف 6 أيام في الأسبوع.
وطبعًا هذا المبلغ ينخفض في حال كان عمل الموظف في جونية، أو الدورة. ويرتفع في حال كان الموظف آتيًا من عكار.
اليوم اختلف المشهد كثيرًا. فالراتب ما زال يتراوح بين مليون ومليون ونصف المليون. أما تسعيرة النقل فارتفعت بشكل كبير، نظرًا لارتفاع أسعار المحروقات، وتخطّي سعر صرف الدولار الـ10 آلاف ليرة.
اليوم السرفيس في طرابلس يتراوح بين الألفين والـ3 آلاف. وفي بيروت بين الـ4 آلاف والـ5 آلاف، أما الفانات فحدّدت تسعيرتها الأخيرة وفق الشكل التالي:
طرابلس قلمون شكا: 3000
طرابلس البترون مدفون جبيل حالات: 4000
طرابلس نهر براهيم جونيه نهر الكلب: 5000
طرابلس ضبيّه نهر الموت دوره كرنتينا: 6000
طرابلس العدليه متحف بربير كولا: 7000
كولا البربير عدليه متحف: 3000
كولا دوره نهر الموت: 3000
جل ديب ضبيّه: 4000
كولا جونيه طفرا جبيل عمشيت: 5000
كولا المدفون بترون: 6000
كولا شكا قلمون طرابلس: 7000
غير أنّ هذه التسعيرة لم تطبّق بحذافيرها، فخلال جولة أجراها “أساس” عند كاراج الفانات أمام البنك العربي في طرابلس، يُلاحظ امتعاض المواطنين من هذه التسعيرة، على الرغم من أنّ الموقف خفّضها تلقائيًّا، على ما يقول مسؤول فيه. ويلفت إلى أنّ التسعيرة نحو الكولا هي 6 آلاف ليرة، وإلى الدورة ونهر الموت 5 آلاف فقط. ويتابع موضحًا: “الناس الله يعينها، وكذلك (الشوفيرية)، فهؤلاء لديهم بدل إيجار للفان، ولديهم بدل للكاراج ومحروقات، وتصليح واستبدال قطع. ونحن نحاول أن نوفّق بين الطرفين”.
أحمد وردة، وهو سائق فان على خطّ عكار – بييروت، يوضح لـ”أساس” أنّ “التسعيرة كانت من وادي خالد إلى الكولا 10 آلاف. أما اليوم فهي 13 ألف. ويوضح أنّ الكثير من الموظفين ما عادوا يخرجون بشكل يومي، بسبب الأزمة، والعمل قد تراجع”.
ويتوقف وردة عند “اللوك داون”، فالموظفون العاملون في المطاعم توقفت أعمالهم، ولم تُستأنف بعد ليلحظوا الفارق، مشيرًا إلى أنّ “عطلًا يصيب الفان سيدفعني لأن أوقف العمل. إذ لا قدرة لي على إصلاحه في ظلّ ارتفاع سعر صرف الدولار”.
إذًا “اللوك داون”، والعمل “أونلاين” أنقذ العديد من أهالي الشمال من البطالة. وهذا ما يؤكده ابن الشمال حسن، الذي يعمل في منطقة الأونيسكو القريبة من الكولا.
حسن الذي لا يتخطى راتبه المليون ونصف المليون ليرة مع بدل النقل، كان قبل الأزمة يدفع يوميًّا بدل المواصلات 8 آلاف ليرة للفان. و4 آلاف سرفيس “ذهابًا وإيابًا” ضمن بيروت. أي 12 ألف يوميًّا، يضاف إلى ذلك ثمن البنزين في سيارته التي يركنها في مكان قريب من الكاراج في طرابلس.
حسن الذي كان يوفّر أحيانًا بدل “السرفيس”، فيذهب سيرًا على الأقدام من الكولا إلى عمله، بات اليوم يحمل عبء العودة إلى العمل في بيروت، بعد فترة طويلة من العمل “أونلاين”. ففي الحدّ الأدنى سيدفع يوميًّا 12 ألفًا “فان”، يضاف إليها 10 آلاف سرفيس ضمن بيروت، أي 22 ألفًا يوميًّا، من دون بنزين سيارته ومن دون المأكل والمشرب.
إذًا تكلفة المواصلات ارتفعت بالنسبة لحسن من 288 ألفًا شهريًّا، إلى 528 ألفًا، وذلك خلال 24 يوم عمل. من دون أن يرتفع راتبه قرشًا واحدًا.
يبقى أنّ من لا يتأثر بهذه الأزمة، هو من يتقاضى راتبه بالدولار، وهذا ما يؤكده ابن القبة أحمد لـ”أساس”، الذي أشار في دردشة سريعة، إلى أنّ عمله الجديد مع NGO وراتب الدولار، يحولان دون تأثّره بالعديد من الأزمات الحالية.
إذًا بات بدل المواصلات قريبًا جدًّا من الحدّ الأدنى للأجور، الذي هو 675 ألف ليرة. وهذا ينذر بأنّه إذا لم يتمّ تصحيح الأجور في القطاعين العام والخاصّ، فإنّ عدم العمل قد يصير “أوفر” من الذهاب إلى العمل من طرابلس إلى بيروت.