جزيرة “سواكن” السودانيّة بين فكي السعودية وتركيا.. من ينتصر؟
الوقت_ في تصريح عكس الرغبة السعوديّة في قطع اليد التركيّة من المنطقة الإفريقيّة وبالأخص من جزيرة “سواكن” التاريخيّة في السودان، والواقعة على شاطئ البحر الأحمر، والتي تعد مقصداً سياحيّاً ومحطة للحجاج المتوجهين إلى مدينة مكة المكرمة في السعودية، حيث عبّر وزير الدولة السعودي لشؤون الدول الإفريقيّة، أحمد بن عبد العزيز قطان، عن ثقته في انتهاء الاتفاق الذي وقعته أنقرة مع الرئيس السودانيّ السابق، عمر البشير، بشأن جزيرة سواكن، وفي رده على سؤال حول إمكانية تعطل الاتفاق التركيّ الموقع مع النظام السودانيّ السابق حول تلك الجزيرة عقب التغيير الذي حصل في السودان، أجاب أنّه على يقين من ذلك، وذلك في ظل الهزائم التي تلقتها الرياض في عموم المنطقة لاسيّما في اليمن وسوريا والعراق، وقيامها باستقطاب بلدان أخرى من بينها السودان للتعويض عن هذه الهزائم التي لحقت بها.
تنافس علنيّ
عقب الهزيمة التي منيت بها الخطط والمؤامرات التركية التي كانت تسعى إلى إشعال الكثير من الأزمات والصرعات في منطقة الشرق الأوسط وضعف المواقف التركية على الساحتين الإقليميّة والدوليّة، بسبب فشل سياسات أنقرة تجاه دولتي العراق وسوريا، وإثبات فشل مشاريع الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، عملت الحكومة التركية على توسيع نفوذها والتعمق اكثر في القارة السمراء لكسب المزيد من الدعم والنفوذ على الساحة الإقليمية والدولية ومحاولة للخروج من تلك الأخطاء الاستراتيجيّة التي وقعت فيها ونظرا للأهمية والمصداقية التي تتمتع بها هذه القارة الأفريقية وامتلاكها الكثير من المقومات الجيوسياسية والاقتصادية، فإن الوجود العسكري التركي في هذه المنطقة يخدم بالتأكيد المشاريع التوسعيّة التركيّة إضافة إلى الحصول على الكثير من المكاسب السياسيّة والاقتصاديّة.
ومؤخراً، أشارت السعودية على لسان وزير الدولة السعودي لشؤون الدول الإفريقيّة، أحمد بن عبد العزيز قطان، أنّ هدف أنقرة من وراء اتفاقية جزيرة سواكن السودانيّة، هو البحث عن موطئ قدم في البحر الأحمر، واصفاً ذلك بأنّه “أمر غاية في الخطورة”، يتلخص في استغلال السودان بحجة وجود آثار تركيّة بالمنطقة، ما يُظهر حجم التنافس بين الدولتين الباحثتين عن النفوذ بشكل جليّ وعلنيّ.
وفي السابق، استخدمت الدولة العثمانيّة جزيرة “سواكن”، كمركز لقواتها البحرية في البحر الأحمر وضمت هذه الجزيرة مقر الحاكم العثمانيّ لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي ١٨٢١ و١٨٨٥ وكانت سواكن سابقاً ميناء السودان الرئيسيّ قبل أن ينقل الاستعمار البريطاني في عام ١٩١٠ الميناء إلى “بورتسودان” وتقع هذه الجزيرة التي اتفقت “الخرطوم” و”أنقرة” على أن تتولى تركيا إدارتها وبناء قاعدة عسكرية فيها، شمال شرق البلاد على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وهي على ارتفاع 66 متراً فوق سطح البحر، فيما تبعد عن العاصمة الخرطوم نحو 642 كيلومتراً، وعن مدينة بورتسودان 54 كيلومتراً، وتقدر مساحتها بـ20 كلم مربعاً.
وحول مصير جزيرة سواكن بعد خلع الرئيس السابق، عمر البشير، رصد وزير الدولة السعوديّ، وجود ما أسماه “حراكاً قويّاً” داخل السودان بشكل عام، إضافة إلى رغبة في التقارب مع الدول العربيّة وبالأخص السعوديّة، التي تسعى بشكل مستمر لبسط هيمنتها وسطوتها على العرب، رغم أنّها فقدت رصيدها السياسيّ والدينيّ في الشارع العربيّ الذي بات ينظر إليها كدولة داعمة للإرهاب ومفرقة للعرب والمسلمين، بل ورأس حربة في كل مشاريع التقسيم والخيانة وبالأخص عقب أحداث ما يسمى “الربيع العربيّ”.
وبما أنّ الأهداف الاستراتيجيّة، هي السبب الرئيس في توسيع تركيا لنفوذها والتواجد بشكلٍ جديّ في قارة إفريقيا، بسبب رغبتها في إنشاء محور جديد في البحر الأحمر ضد المحور السعوديّ، يدعي وزير الدولة السعودي لشؤون الدول الإفريقيّة، أنّه لمس الرغبة في التقارب مع المملكة خلال آخر زيارة له للسودان، متحدثاً عن مشاريع تم عرضها وصفها بالجبارة العملاقة، والتي تضع السعودية في مقامها الأول، وفق زعمه.
حرب مباشرة
تعتبر الرياض وجود القوات التركية في المنطقة الخليجيّة والبحر الأحمر الاستراتيجيتين “حرباً مباشرة”، لأنّ ذلك سيجعل تركيا واحدة من أكثر المحاور تأثيراً في غرب آسيا وإفريقيا وسوف يكون بمقدورها التأثير على الدول التي تقع في المياه الغربية للبحر الأحمر كمصر والسودان وأريتريا وجيبوتي والصومال وأيضا على الدول التي تقع في شرق وشمال البحر الأحمر كاليمن والسعودية والأردن والكيان الصهيوني، ولقد ساعد وصول تركيا إلى المنطقة الغربية للبحر الأحمر والتعاون مع قطر والصومال والسودان، إلى إنشاء محور جديد ذي أهمية استراتيجيّة في هذه المنطقة ونظراً إلى التبادل اليومي لحوالي 3.3 ملايين برميل من النفط في هذه المنطقة، أصبحت منطقة البحر الأحمر واحدة من اهم الطرق التجاريّة الحيويّة بين دول جنوب شرق آسيا وأوروبا والتواجد العسكريّ التركي في هذه المنطقة، يساعد تركيا الإخوانيّة على أن تلعب دوراً مهماً في المنطقة.
كذلك، فإنّ هذا الوجود العسكريّ التركيّ، إلى جانب وجود بعض القواعد العسكريّة لبعض الدول الغربية في جيبوتي وبالقرب من مضيق “باب المندب” الاستراتيجيّ، يمكن أن يؤثر بشكل سلبيّ في الوضع الأمني في منطقة البحر الأحمر كلها، كما أن محاولات أنقرة لتوسيع نفوذها في أفريقيا وإنشاء قواعد عسكرية لها على طول البحر الأحمر، سيعقد الأمور أكثر بين السعودية وتركيا، وخاصة أنّ أنقرة الإخوانيّة تسعى إلى إقامة توازن للقوى في منطقة الشرق الأوسط والوقوف بوجه الرياض الوهابيّة.
ومن الجدير بالذكر، أنّ البحر الأحمر، الذي تبلغ مساحته 438 ألف كيلومتراً مربعاً، هو البحر الخامس عشر في العالم، ومحاط بتسع دول هي السعودية ومصر واليمن وجيبوتي والصومال وإريتريا والسودان والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة، ونظراً لأنّه يربط القارات الثلاث أي إفريقيا وآسيا وأوروبا عبر البحر الأحمر، فإن هذه المنطقة تتمتع بموقع جيو-سياسيّ وجيو-اقتصادي فريد.
إضافة إلى ذلك، أعطى وجود مضيقي قناة السويس وباب المندب المهمين على جانبيّ البحر الأحمر أهميّة استراتيجيّة خاصة لهذا البحر.، حيث يعدّ باب المندب ثاني أهم مضيق في العالم، فيما يتم تقاسم حدوده المائية بين اليمن وإريتريا وجيبوتي، هذا الممر هو نقطة الاتصال بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، ويربط البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب.
تحالف عسكريّ
لابد من الإشارة إلى أنّ السعودية دعت في كانون الأول عام 2018، ست دول هي مصر والسودان وجيبوتي واليمن والصومال والأردن، ووقّعت تلك الدول اتفاقيةً لإنشاء نظام قانونيّ للبحر الأحمر، يهدف إلى تعزيز أمن واستثمار دول البحر الأحمر، وقالت وزارة الخارجية السعودية وقتها أنّ الدول السبع وافقت على إنشاء نظام قانوني للبحر الأحمر بهدف تعزيز أمن واستثمار الدول الموقعة.
يشار إلى أنّ السعودية تستثمر في مصر منذ عام 2013 لنجاح مؤسستها هذه، وإحدى أدوات الرياض هي المليارات من المساعدات لمصر، حيث إنّها ساعدت القاهرة بعشرات المليارات دولار منذ عام 2013، والسبب وراء اختيار مصر هو أنها تمتلك قناة السويس، كما أنّها تعد دولةً عربيةً وإفريقيةً، ويمكن أن تقف إلى جانب المملكة في جامعة الدول العربيّة والاتحاد الإفريقيّ، لكن الحقيقة هي أنّ السعودية تسعى إلى إنشاء تحالف عسكريّ في البحر الأحمر لمنع أي هيمنة أخرى، بالأخص منع التأثير التركيّ والقطريّ “حلف الإخوان” في البحر الأحمر، حيث استماتت تركيا للتسلل إلى القرن الإفريقيّ بعد تبنّي سياسة “العثمانيّة الحديثة”.
وما ينبغي ذكره، أنّ ميناء سواكن هو الأقدم في السودان، ويستخدم في الغالب لنقل المسافرين والبضائع إلى ميناء جدة السعوديّ، وهو الميناء الثاني للسودان بعد بور سودان الذي يبعد 60 كلم إلى الشمال منه، وقد زار أردوغان برفقة نظيره السودانيّ، عمر البشير الجزيرة قبل بضعة سنوات، وتنفذ وكالة التعاون والتنسيق التركية “تيكا” مشروعاً لترميم الآثار العثمانيّة هناك، وكان الرئيس التركي قد أعلن من الخرطوم أن نظيره السوداني عُمر البشير، قد منح ميناء وجزيرة سواكن في البحر الأحمر للإدارة التركية كي تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة زمنية غير محددة.
وتتحدث بعض التقارير الإعلامية، أن حرص تركيا على التواجد التجاري والسياسي في تلك المنطقة قديم منذ أيام الرئيس تورجوت أوزال، بعد أن كانت تركيا أعطت ظهرها لإفريقيا، بينما الجديد أن الوجود العسكري بدأ مع الوجو التركي في الصومال، حيث وجدت هناك غيابا تاما للدولة الصومالية ولأكثر من عقدين، وهي مفككة ومُعرضة للقرصنة، وتهيمن عليها الدول الغربية من أجل مصالحها، بينما أهملت الشعب الصومالي.
وفي هذا الخصوص، قام رجب طيب أردوغان طيلة مدة رئاسته بأكثر من 30 زيارة إلى دول أفريقية مختلفة من بينها السودان، والنقطة المثيرة للاهتمام هي أن الرئيس التركيّ يسعى لتوظيف نشاط “الإخوان المسلمين” في عموم القارة الإفريقية عن طريق السودان، الأمر الذي أثار حفيظة مصر ودول أخرى في المنطقة من بينها السعودية.