تركيا ونقطة اللاعودة: تعاظم الفجوة بين أنقرة والغرب.. ماذا سيكون الرد التركي على العقوبات الامريكية؟
الوقت- في الأسابيع التي سبقت التغييرات السياسية في البيت الأبيض مع رحيل ترامب (على الورق على الأقل)، فرضت واشنطن حقبة جديدة من السياسة الأمريكية تجاه تركيا من خلال فرض عقوبات على تركيا، ما يشير إلى تدهور حادّ في العلاقات بين أنقرة وواشنطن.
حيث ستفرض هذه العقوبات، المنصوص عليها في قانون الميزانية العسكرية للعام المقبل، وتشمل عقوبات اقتصادية على الصادرات أو التراخيص أو القروض الأمريكية لمنظمة المشتريات التركية، وتجميد أصول أربعة مسؤولين كبار في هذه الدولة، من بينهم إسماعيل دمير رئيس دائرة الصناعة الدفاعية التركية، ومنع هؤلاء المسؤولين الأربعة من دخول أمريكا، وعلى الرغم من أن العقوبات تقتصر على وكالة المشتريات العسكرية، يعتقد محللون أتراك أن هذه العقوبات ستحدّ من صناعة الدفاع التركية والدبلوماسية العسكرية مع الدول الأخرى.
عقب إعلان هذه العقوبات من الجانب الأمريكي دعت أنقرة في بيان أصدرته وزارة الخارجية، واشنطن إلى إعادة النظر في “القرار التي وصفته بالجائر” و”الخطأ الجسيم” في أسرع وقت ممكن.
وتأتي العقوبات بعد أن اختبرت تركيا آخر مرة نظام دفاع صاروخي روسي من طراز S-400 الشهر الماضي، وهي خطوة أدانها البنتاغون بشدة.
بعد فرض العقوبات على كريستوفر فورد، قال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الأمن الدولي، في إشارة إلى رفض تركيا الانسحاب من صفقة شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400، إن تركيا “لم تترك لنا في النهاية أي خيار”.
ولكن هل هذا هو الحال فعلاً؟ حيث إن ترامب قاوم ضغوط الكونغرس العام الماضي لفرض عقوبات اقتصادية على تركيا، لكنه أعاد النظر في موقفه في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، ما هو سبب هذا الاستئناف؟ وما هي الخيارات المتاحة أمام تركيا لمواجهة العقوبات الأمريكية، وهل يمكن للعقوبات أن تجبر تركيا على التراجع؟
أسباب عدول ترامب عن مواقفه
على الرغم من أن ترامب أعرب عن عدم رضاه عن التغييرات التي أجراها الكونغرس على مشروع قانون الميزانية العسكرية لكي يظهر عدم موافقته مع الكونغرس بشأن العقوبات المفروضة على تركيا، إلا أنه يبدو من غير المرجح أن يستخدم حق النقض ضد خطة لفرض عقوبات على تركيا، حيث يمكن دراسة هذا الأمر من عدة جوانب: أولاً، يدرك ترامب جيداً التوافق والاجماع الحاصل بين ممثلي الحزبين الجمهوري والديمقراطي في مجلس الشيوخ على معاقبة وتنبيه تركيا، وهو في الوضع الحالي لا يرغب في الصدام مع ممثلي حزبه لأنه بحاجة الى دعمهم في الميزانية وجهود ما بعد الانتخابات للاحتفاظ بكرسي الرئاسة، والدليل على ذلك هو الموقف المتساوي والموحد لممثلي الحكومة والكونغرس في الدفاع عن العقوبات بعد فرضها على تركيا.
ثانياً وعلى صعيد آخر ستكون العقوبات ضد صناعة الدفاع التركية وأربعة من كبار مسؤوليها بمثابة تحذير للدول الأخرى وحلفاء أمريكا الذين يشترون أسلحة ومعدات عسكرية أخرى من موسكو دول مثل الهند ومصر والسعودية.
حيث إنه في عام 2017، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن إبرام صفقة بقيمة 2.5 مليار دولار لشراء منظومة إس 400 الصاروخية من روسيا، وهو رقم مذهل، وأمريكا التي تعد بطبيعة الحال أكبر منتج ومصدر للأسلحة لن تكون راضية من أحد أهم أعضاء حلف الناتو يقوم بشراء أسلحة من منافسها التقليدي أي روسيا.
وفي هذا الصدد، يجب أيضاً أن نتذكر أنه إذا تم تعزيز إمكانية اختراق الروس للمعلومات السرية لمقاتلات الناتو، وخاصة مقاتلات الجيل الخامس من طراز F-35، من خلال تشغيل نظام S400 في تركيا، كما تدعي أمريكا والدول الأوروبية، وهو بالتأكيد سيؤثر على سوق السلاح لمصلحة روسيا وعلى حساب أمريكا، وفي هذا الصدد قال المتحدث باسم البنتاغون جوناثان هوفمان في بيان “نعارض شراء تركيا لهذه المنظومة ونشعر بقلق عميق إزاء التقارير التي تفيد بأن تركيا تقوم بتشغيله”، ″ لا ينبغي تفعيلها، فهذا الأمر له عواقب وخيمة على علاقتنا الأمنية.”
يمكن فهم أهمية ذلك بالنسبة لأمريكا بشكل أفضل من خلال حقيقة أن مشروع صناعة F-35 قد كلف واشنطن غالياً وأن البيت الأبيض يتطلع إلى بيع هذه المقاتلة الباهظة الثمن بكميات كبيرة لتعويض تكاليفها، القضية التي لن يتجاهلها ترامب ببساطة، فهو كان يأمل في إقناع أنقرة بالتخلي عن S400 أو بيعها لواشنطن، من خلال المفاوضات والموقف اللين وحتى الداعم، الأمر الذي ما لم ينجح به.
ثالثًا، إن توقيت هذه العقوبات مثير جداً للاهتمام. ففي الأسابيع الأخيرة، كانت الدول الأوروبية بالإجماع تستعد لفرض عقوبات على تركيا بسبب سياسات أنقرة بشأن أزمة ناغورنو كاراباخ، وليبيا، والنزاعات الحدودية مع قبرص واليونان في شرق البحر المتوسط، التي لديها موارد طاقة كبيرة. وفي غضون ذلك، يُظهر الإجراء الأمريكي موقف الدول الأوروبية في الخلافات مع تركيا، ويوجه رسالة لأردوغان حول ضرورة إعادة النظر في السياسات المتوترة مع هذه الدول، إذ انه في الاجتماع الأخير لوزراء خارجية حلف الناتو، شن بومبيو هجمات لفظية قوية على أنقرة. وأثناء رحلته الدورية إلى الشرق الأوسط، ورغم زيارته لتركيا، لم يلتق بالمسؤولين الأتراك.
نقطة الخلافات التي لا رجعة فيها
تقول أنقرة انه تم شراء منظومة S400 الروسية بعد أن رفضت أمريكا بيع صواريخ باتريوت لتركيا، حيث أرادت تركيا نقل التكنولوجيا لبناء صواريخ باتريوت بناءً على التعاون العسكري لحلف شمال الأطلسي، لكن البيت الأبيض رفض قبولها، بل نشر صواريخ باتريوت فقط في المواقع المفضلة لديه.
يشير المسؤولون الأتراك أيضاً إلى حقيقة أن اليونان – هو حليف آخر في الناتو ولديها المنظومة الروسية S-300 لكن لم يعلق أحد على ذلك وهذا لتوضيح المعايير المزدوجة التي تنتهجها امريكا وحلف شمال الأطلسي.
وقالت الحكومة التركية في بيان لها إن الرئيس ترامب سبق أن وصف بشكل شخصي التهديد بفرض عقوبات في يوليو 2019 بأنه “غير عادل” وألقى باللوم على إدارة أوباما في هذا الخلاف. وفي ذلك الوقت قال ترامب إن الرئيس السابق باراك أوباما رفض بيع صواريخ باتريوت أمريكية الصنع إلى تركيا، تاركاً تركيا بلا خيار سوى شراء معدات روسية.
وفي ظل هذه الظروف، تأمل أمريكا أن تجبر العقوبات العسكرية أردوغان على التراجع، بالنظر إلى العقوبات الاقتصادية الأوروبية المقبلة.
ومع ذلك نظرا لأن أردوغان يرى التقصير في مواجهة الضغوط الامريكية وحلف شمال الأطلسي بأنه هزيمة كبرى للكرامة الوطنية لتركيا وله عواقب سلبية في نظر الرأي العام المحلي، فمن المؤكد أنه سيأخذ طريق المواجهة.
وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان لها “ستتخذ تركيا الخطوات اللازمة ضد هذا القرار الذي سيكون له تأثير سلبي على علاقاتنا، وسوف ترد بالمثل بالطريقة والزمن التي تراهما مناسبين”.
حيث يمكن أن تكون إحدى الخطوات المحتملة بطبيعة الحال هي تشغيل نظام S400 بسرعة، هذا الرأي أيضاً له مؤيد بين المجموعات السياسية والرأي العام المحلي، لكن هذه الخطوة قد تضع العلاقات الباردة المحتملة بين أنقرة وواشنطن في عهد بايدن في بداية عاصفة لم يكن أردوغان يريدها. لكن من المرجّح اتخاذ إجراءات للحدّ من التعاون العسكري المشترك بين تركيا وحلف شمال الأطلسي، مثل العمليات الجوية لحلف الناتو وأمريكا في قاعدة إنجرليك، وفي غضون ذلك، ما يبدو مؤكداً أن شراء تركيا لـ S400 وصل إلى نقطة اللا عودة، وأن الضغط الأمريكي لن يؤدي إلا إلى توسيع الفجوة بين تركيا والغرب.