أسابيع من القلق في واشنطن ومفاجأة للشرق الأوسط في الوقت المستقطع
عريب الرنتاوي
ليس الأميركيون وحدهم من يستشعرون قلقاً بالغاً جراء استطالة حالة الغموض التي تلفّ لحظة الانتقال بين إدارتين… شعوب المشرق العربي وإيران، تعيش بدورها وضعاً كهذا، في ظل “تطاير” التقارير والتسريبات التي ترجح إمكانية قيام إدارة الرئيس دونالد ترامب، في ربع الساعة الأخير، باتخاذ خطوة أو خطوات، من شأنها أن تحدث تغييراً جوهرياً على مسار الأحداث والتطورات في الإقليم، يصعب احتواء نتائجه وتداعياته المستقبلية.
ومثلما تُقلّب وسائل إعلام أميركية، شتى الاحتمالات، ومن شتى الجوانب، لمسار “المحاكمات” و”المماحكات” الناشط في واشنطن، في مسعى منها للإجابة على سؤال: هل سيتم الانتقال، بسلاسة أم بغير بذلك، متى وكيف؟ فإن الأوساط السياسية والإعلامية في عواصم المنطقة، تتداول بدورها حزمة من السيناريوهات والاحتمالات، تغذيها وترجح بعضها التسريبات التي لا تتوقف لصحف ومواقع إخبارية أميركية، تتناول هذا الموضوع، بكثير من الجدية، وغالباً بالاعتماد على “مصادر أمنية موثوقة”، وتكاد معظم هذه التسريبات تدور في مسارين اثنين: إيران والمسألة الفلسطينية.
على المسار الإيراني؛ تبدأ التسريبات بالحديث عن احتمال قيام الولايات المتحدة أو إسرائيل، أو كلتاهما، بتوجيه ضربات نوعية مؤلمة لأهداف إيرانية، نووية بالأساس… لا تفاصيل تذكر حول “طبيعة” هذه الضربات، وما إن كان سيتم تنفيذها بوسائل “سيبرانية” أو بالأسلحة التقليدية المعتادة: صواريخ دقيقة وقنابل ذكية وقاذفات استراتيجية… أم أن المسألة ستقتصر على تنفيذ “اغتيالات” لشخصيات إيرانية وحليفة، داخل إيران أو في مناطق نفوذها.
التكهنات على هذا الصعيد، لا تقتصر على إمكانية حدوث “الضربة” وطبيعتها فحسب، بل تشمل ردود الفعل المحتملة لإيران على عمل كهذا، وما إن كانت طهران سترد بضرب أهداف أميركية مباشرة، أم ستضرب العمق الإسرائيلي، وكيف سينعكس تطور كهذا على الوضع في العراق ولبنان، وربما في قطاع غزة واليمن … باب التكهنات مفتوح على مصراعيه، وصناع القرار في الإقليم، يأخذون المسألة على محمل الجد.
لكن “سيناريو الضربة العسكرية” ليس السيناريو الوحيد المتداول على هذا المسار، فهناك تكهنات بحزمة جديدة من العقوبات ضد مؤسسات وشخصيات إيرانية، تستكمل تكتيك “أقصى الضغوط” الذي اعتمدته إدارة ترامب، أساساً في سياستها ضد طهران، على أن تشمل العقوبات هذه المرة، مروحة واسعة من أصدقاء طهران وحلفائها و”حلفاء حلفائها”، بدءاً بزعيم التيار الوطني الحر، صهر الرئيس ميشيل عون، النائب جبران باسيل، مروراً بحزمة العقوبات على شخصيات ومؤسسات سورية وعراقية. وربما يجري إدراج جماعة “أنصار الله” الحوثية، على القائمة الأميركية السوداء للجماعات الإرهابية.
هذا السيناريو، وإن كان أقل وطأة على إيران مباشرة، إلا أنه سيسهم في تعقيد الجهود الرامية التوصل لحلول سياسية لبعض أزمات المفتوحة، والتي من المحتمل أن تنشط حال تسلم جو بايدن مقاليد الرئاسة بعد العشرين من يناير القادم … لقد رأينا مزيداً من العراقيل على طريق تشكيل حكومة لبنانية جديدة برئاسة سعد الحريري بعد الإجراء الأميركي الخاص بجبران باسيل، ومن المتوقع أن يزداد المشهد العراقي تأزماً في حال التوسع بفرض عقوبات إضافية على مسؤولين عراقيين من أصدقاء إيران، والمؤكد أن جهود حل الأزمة اليمنية ستصاب بطعنة نجلاء، حال إدراج الحوثيين على القائمة ذاتها، لاسيما وأنهم يمثلون طرفاً أساسياً، لا يمكن تصور أي حل سياسي لليمن من دون مشاركته.
وإذا كان من المؤكد أن أنباء كهذا، تسعد أصدقاء الرئيس ترامب وإدارته في المنطقة، وبالذات في إسرائيل والسعودية والإمارات، فإن من المرجح أن يكون المسؤول الأميركي عن الملف الإيراني، إليوت إبرامز، الذي جال في المنطقة، قد بحث أموراً كهذه، مع قادة الدول التي زارها. ولقد كان لافتاً أن الرياض دعت في ختام اجتماع أخير لمجلس الوزراء السعودي، وعلى لسان العاهل السعودي، المجتمع الدولي للتصدي لدور إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة، والتصدي لطموحاتها النووية والصاروخية.
ولقد فسّر محللون أميركيون وإسرائيليون التردد (والتأخر) في قيام قادة هذه الدول بتقديم التهنئة للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، على أنه “استمهال” لمعرفة ما في جعبة الموفد الأميركي، وما الذي تنتوي إدارة ترامب أن تفعله في الأسابيع العشرة الأخيرة من ولايتها، وحتى لا يتسبب أي موقف متسرع يصدر عن هذه الدول، بإزعاج إدارة ترامب، ويثنيها عمّا يمكن أن تفعله، أو تنوي فعله… وفي هذا السياق فقط، يمكن تفسير “تسريع” إقرار صفقة طائرات “F 35” وملحقاتها التي أبرمتها دولة الإمارات مع واشنطن وبقيمة تخطت 23 مليار دولار.
على المسار الفلسطيني، لخصت المصادر الإسرائيلية بثلاث نقاط، ما الذي يمكن أن تنتظره إسرائيل في الأسابيع العشرة القادمة، أو بالأحرى ما الذي يمكن أن تطلبه من إدارة ترامب، بوصفه “خدمة أخيرة”، يمكن تقديمها لها فيما تبقى لها من وقت في البيت الأبيض:
الأولى؛ اعتراف أميركي فوري بقيام إسرائيل بضم أجزاء من الضفة الغربية، سواء تلك التي أجازت خرائط “صفقة القرن” ضمها، أو في حال الاكتفاء بضم “المستوطنات الكبرى”، على اعتبار أن أي حل سياسي مستقبلي للمسألة الفلسطينية لن يشمل تفكيك هذه الكتل الاستيطانية.
الثانية؛ وكتعويض لها عن إقرار واشنطن صفقة F35 مع الإمارات، فإن إسرائيل ستطلب من إدارة ترامب تزويدها بأسلحة نوعية وذخائر أكثر تطوراً، لتعزيز “تفوقها الاستراتيجي” في المنطقة، على أن يجري إبرام صفقة بهذا الشأن، في المرحلة الانتقالية، وقبل تولي جو بايدن زمام الإدارة، علماً بأن الإدارات الأميركية الديمقراطية لم تظهر يوماً “التزاماً أقل” بأمن إسرائيل وتفوقها النوعي.
الثالثة؛ وتخص إيران، وهي كما سبقت الإشارة، تتصل بتوجيه ضربات نوعية ضد منشآت وأهداف تتعلق ببرنامجي إيران النووي والصاروخي، إن لم يكن الهدف منها منع إيران من الحصول على “القنبلة” و”وسائط نقلها”، فعلى الأقل، تأخير هذا المسعى وعرقلته لسنوات إضافية قادمة، لاسيما وأن إسرائيل تخشى “انفراجاً” في علاقات واشنطن بطهران، وعودة إدارة جو بايدن للاتفاق النووي، وخروج إيران من قبضة “أقصى الضغوط” التي أنهكت اقتصادها، وقلصت مواردها، وأضعفت قدرتها على دعم وإسناد حلفائها في الإقليم.
أياً تكن، الخطوة التي ستقدم عليها إدارة ترامب في “الوقت المستقطع”، بدفع من “تيار آيديولوجي” نافذ في أوساطها، وبتشجيع من حلفائها في الإقليم، فسيترتب عليها نتائج وتداعيات قد يصعب على إدارة بايدن احتواء آثارها، لكأننا أمام محاولة فرض وقائع على الأرض، وبصورة استباقية، تزرع مزيداً من الألغام على دروب الرئيس المنتخب في السياسة الخارجية، بعد أن تم “تفخيخ” طريق انتقاله إلى البيت الأبيض، بكثير من العقد والتعقيدات.
المصدر: الحرة