تحقيقات - ملفات
الرّهان الحذر على الوساطة القطريّة
وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني
النهار العربي-روزانا بومنصف
سينتظر القيّمون على السلطة في لبنان الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لبيروت الثلثاء المقبل، في إطار الجهود لاحتواء الأزمة التي تفاقمت بين لبنان ودول الخليج، على خلفية تصريحات غير مسؤولة لوزير الإعلام جورج قرداحي، ساهمت في تعميق الأزمة الداخلية في موازاة تدهور علاقات لبنان بالدول الخليجية على نحو غير مسبوق.
انتظار هذه الزيارة سمح لهؤلاء بعدم إبداء أي مرونة في المحاولة التي قام بها وفد الجامعة العربية برئاسة السفير حسام زكي، على قاعدة أن الوسيط القطري قد يكون أكثر فاعلية وتأثيراً وإقناعاً، ويمكن للأفرقاء الذين يعرقلون وقف تدهور الأزمة محاولة بيع بعض المرونة، وتالياً إتاحة استقالة قرداحي كخطوة أولى في مقابل الحصول على بعض ما يسعون اليه من ضمانات أو مطالب، لا سيما في ظل الطابع الإقليمي للأزمة. لكن تدحرج الأزمة قد يسبق الكثير من هذه المطالب، لا سيما بعد الموقف الذي اعتمدته دولة الكويت بالتشدد في منح تأشيرات للبنانيين على خلفية تحقيق تجريه الأجهزة الأمنية الكويتية مع عدد من المواطنين الكويتيين يشتبه بتمويلهم “حزب الله”. ويعد الموقف الكويتي بالغ الدلالة من حيث احتمال افتقاد هذا الحزب الذي يمنع استقالة قرداحي ويمسك بها ورقة للمقايضة، القدرة على تسييل هذه الورقة عملانياً. إذ إنه في الوقت الذي يتم تركيز مسؤوليه على توجيه الاتهامات الى المملكة العربية السعودية بالتجني في مواقفها، فإن الحزب لا يتجرأ على مقاربة الخطوات الكويتية.
ولعل ما غاب عن القيمين على السلطة في لبنان أولاً، الاتصالان اللذان أجراهما العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بأمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح والعاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، لشكرهما على موقف بلديهما تجاه أزمة تصريحات وزير الإعلام اللبناني. وهذا موقف اعتبره مسؤولون في لبنان خطيراً في دلالاته من حيث ما يعنيه التضامن مع المملكة السعودية إزاء موقفها مما تسبب به الوزير اللبناني. وثانياً الموقف القطري في حد ذاته، إذ أصدرت وزارة الخارجية القطرية بياناً لافتاً في تعبيره عن الرؤية القطرية للأزمة، والتي لا تبتعد إطلاقاً عن رؤية المملكة حتى لو لم تعمد قطر الى قطع العلاقات الدبلوماسية أو استدعاء السفيرين أو اتخاذ إجراءات أخرى. جاء في البيان القطري: “إننا نعرب عن استيائنا الشديد واستنكارنا للتصريحات الأخيرة الصادرة عن وزير الإعلام اللبناني، وموقف الوزير الجديد غير مسؤول تجاه بلده وتجاه القضايا العربية على حد سواء”. ودعت الوزارة الحكومة اللبنانية الى “اتخاذ الإجراءات اللازمة لتهدئة الأوضاع، ولرأب الصدع بين الأشقاء بشكل عاجل وحاسم” .
المنطلق إذاً في الزيارة القطرية لا يتوقع ألا يبدأ من أرضية هي استقالة الوزير ضمناً، وبدء لبنان اتخاذ الإجراءات لمعالجة العلاقات بالدول الخليجية، فيما لم يقم لبنان بأي خطوة حتى الآن، باستثناء إعلان بعض مسؤوليه حرصهم على علاقات عربية وخليجية، وعلى بقاء لبنان في محيطه العربي، ولكن من دون أن يرقى ذلك لأن يكون موقفاً معبراً عن الحكومة ككل التي هي في طور التعطيل راهناً، لأسباب تتعلق برفض الثنائي الشيعي الذي يضم حركة “أمل” التي يرأسها الرئيس نبيه بري و”حزب الله”، مسار التحقيق الذي يجريه المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار.
في خلال أزمة تأليف الحكومة التي استمرت 13 شهراً، سعت قطر الى تذليل العقبات من أجل إتاحة تأليف حكومة تضع حداً للانهيار المتدحرج في لبنان، لكن من دون نجاح يذكر، نتيجة تصلب محلي معطوف على مصالح إقليمية لم تسمح بتحقيق ذلك. لكن قطر نجحت في أوقات سابقة وسط خطوط التواصل التي لديها، لا سيما مع الفريق الممسك بالسلطة، والذي يضم تحالف “حزب الله” والتيار العوني، وحاجة هذا الفريق الى وسيط خليجي يبقي على خيط العلاقات قائماً مع الدول الخليجية ولو في حده الأدنى، ومع إيران من جهة أخرى، بما يؤهلها لإيجاد مخرج يقول مطلعون إن هذا الفريق يحتاج اليه بشدة. إذ إن شد الخناق على لبنان وفق ما يحصل ينذر بموت الرهينة التي تُستخدم للابتزاز في هذه الحال، بحيث لن يعود يمكن مقايضتها. ونجاح المساعي القطرية سيبقى رهينة التجاوب الإيراني مع وقف التصعيد في اليمن، وترجمة ذلك استقواء في لبنان يقضي عليه ويعزله عن محيطه، فيما السقف الخليجي إزاء لبنان بات مرسوماً بوضوح، وساهمت في تحديده قطر أيضاً عبر بيانها المعلن.
وترحيب لبنان عبر وزارة خارجيته بالموقفين الصادرين عن قطر، والوساطة المحتملة التي طلبها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في لقائه على هامش قمة غلاسكو، وعن عمان، تبرزان حاجة لبنان الى من يبقي الخطوط مفتوحة في حدها الأدنى من أجل عدم سقوط لبنان في عزلة عربية لا يستطيع مواجهتها أو المتابعة فيها، إذ إن الحياة السياسية في لبنان باتت مجمدة على خلفية المواقف الخليجية، فيما يتخبط لبنان الرسمي في عدم القدرة على إيجاد المخارج المناسبة نتيجة عجزه عن إقناع “حزب الله” بالمرونة إزاء هذا الموضوع، علماً أن وقف التدهور في العلاقات في حال حصوله يحتاج الى مسار متكامل من الإجراءات التي يتعين على لبنان تبنّيها لتصويب العلاقات بالدول الخليجية وتصحيحها.
ويخشى أن لا يكون هذا المسار متاحاً في المدى المنظور، إذا لم يتم إيجاد مخرج لوقف التدهور فحسب، لاعتبارات متعددة ليس أقلها أن الكباش الإقليمي الذي ينعكس في لبنان هو مشكلة في حد ذاتها، وكذلك الأمر بالنسبة الى التفكك الذي أصاب هيكلية المؤسسات اللبنانية وتماسكها وحتى وجودها.
تبعاً لذلك، تتم مقاربة الوساطة القطرية المرتقبة بحذر نتيجة التعقيدات المتعددة التي باتت عليها أزمة بدأت تافهة ولم تعالج فوراً.