لبنان: الدولار “يتهاوى” بعد تكليف مرشح رياض سلامة
حازم الأمين – صحافي وكاتب لبناني
في هذه اللحظة، على رياض سلامة أن يتحرك لدعم شريكه، فتتراجع قيمة الدولار نحو 5 آلاف ليرة في يوم واحد، من دون أي سبب مالي أو اقتصادي. إنه الشيطان إذ يعربد فوق رؤوس اللبنانيين في يوم التكليف.
من المفيد أن نبدأ تغطيتنا لخبر تكليف نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة اللبنانية بهذا الخبر غير الجديد، ولكن الضروري لتفسير هذا التكليف: “حصلت شركات مملوكة من رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي وشقيقه طه وأولادهما على 10 قروض مدعومة لشراء شقق في بناية مطلّة على نادي اليخوت في بيروت، بلغت قيمتها الإجمالية 34.1 مليون دولار، موزّعة بين قروض بالدولار بقيمة 19.5 مليون دولار، وقروض بالليرة بقيمة 22.2 مليار ليرة بين الأعوام 2010 و2013، 9 من هذه القروض منحها إياه بنك عودة”. وهنا علينا أن نتذكر موقع بنك عودة من الكارثة المالية التي نعيشها!
لم يكن ما حصل عليه الرئيس المكلف قروضاً من بنك الإسكان أو مؤسسة الإسكان، بل قروض مدعومة من مصرف لبنان ومخصصة لـ”شراء المنزل الأول للمستفيد منها”! ونحن على هذا الصعيد لا ننبش دفاتر قديمة في وجه “الرئيس المُخلِص”، ذاك أن الانهيار الذي نحن في قعره اليوم، بدأ من هناك، أي من توزيع الدولة وأرصدتها حصصاً على أثرياء السلطة وصفقاتها، وأثرياء الحروب ممن صدر قانون للعفو بحقهم!
ما كان بمستطاع رئيس الحكومة المكلف مجدداً والمصنف كأحد أثرياء العالم نجيب ميقاتي أن يحصل على هذه القروض مخفضة الفوائد والتي يدعمها مصرف لبنان، من دون أن يمهر حاكم المصرف رياض سلامة شخصياً توقيعه عليها.
هذا الرجل اختارته الطبقة السياسية مجتمعة لتشكيل الحكومة. عليكم أن تتخيلوا معنى ذلك في ضوء الفضائح المعلنة التي نجم عنها انهيار لبنان.
لا بأس، فنجيب ميقاتي ليس مرشح رياض سلامة لرئاسة الحكومة فحسب، إنما أيضاً هو مرشح “حزب الله” رسمياً، على ما ظهر في الاستشارات النيابية التي تحرص الطائفة السنية في لبنان على تسميتها “الاستشارات الملزمة”! وهنا نخرج بمفارقة التقاطع بين الحاكم والحزب. لحظة يصعب معها إبعاد فكرة تلازم مسارات مصالح النظام، فالحزب يشيع أينما كان أنه مُرغم على بلع الحاكم وعلى هضمه، والأرجح أن ادعاءه صحيح، لكنه مرغم لأنه يعرف أن سلامة ضروري للنظام الذي يحميه الحزب من السقوط، فلا بأس، ولا بد، من تجرعه. ويزداد المشهد وضوحاً عندما يظهر رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة أثناء تلاوته بيان دعم رؤساء الحكومة السابقين ترشيح ميقاتي، ويظهر خلفه سعد الحريري بوجه شاحب ولكن موافقٍ على التسمية التي لا سبيل غيرها لكي يلتقط النظام أنفاسه. وهنا يلوح بنك عودة مجدداً، لكن لأسباب يجهلها اللبنانيون!
في هذه اللحظة، على رياض سلامة أن يتحرك لدعم شريكه، فتتراجع قيمة الدولار نحو 5 آلاف ليرة في يوم واحد، من دون أي سبب مالي أو اقتصادي. إنه الشيطان إذ يعربد فوق رؤوس اللبنانيين في يوم التكليف.
النظام هنا يشتغل بدقة هائلة، أما على صعيد اشتغاله على حاجات الناس، فهو مصاب بشلل كامل. لا كهرباء ولا ماء ولا أدوية ولا بنزين، لكن القدرة على تعويم الرجل الثري والمتهم بالاستفادة من قروض مدعومة من مصرف لبنان، أي من الاحتياطي الإلزامي الذي هو ودائع الناس وجنى أعمارهم، فائقة وتكاد تكون عبقرية. فسنوات السطو أكسبت الطبقة السياسية خبرة كبيرة في أشكال النهب العام، لا توازيها خبرة الفاسدين في كل أنحاء العالم. حتى الذين لم يسموا نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة، فعلوا ذلك من ضمن آليات اشتغال النظام، وفي سياق المساومة على حصصهم في حكومته العتيدة. فكلنا يعرف أن جبران باسيل الذي لوّح باسم نواف سلام، لا يعنيه هذا الاسم شيئاً، لا بل نعرف جميعاً أن لا ود يجمعه به ولا قناعة. وعلى رغم ذلك لم يكترث باسيل لانكشاف مناورته، فذهب فيها إلى ما قبل تسمية سلام بخطوة واحدة، وتقاضى ثمن تراجعه عنها ثمناً زهيداً من رعاة مستقبله السياسي. حصل ذلك أمام أعيننا، تماماً كما تراجع الدولار في يوم واحد أكثر من 5 آلاف ليرة أمام أعيننا أيضاً. إنها قصة السطو المعلن، تواصلها الطبقة السياسية اللبنانية التي لم تعد تحتاج إلى الاستعانة لقضاء موبقاتها بالكتمان!
الأكيد أن لميقاتي استثمارات في عدد من القطاعات المالية والمصرفية في لبنان. وهذا الرجل اختارته الطبقة السياسية مجتمعة لتشكيل الحكومة. عليكم أن تتخيلوا معنى ذلك في ضوء الفضائح المعلنة التي نجم عنها انهيار لبنان.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع