الغارات الإسرائيليّة على سورية لا تستثير الروس!
} د. وفيق إبراهيم-البناء
التجاهل الروسي للغارات الإسرائيلية المتواصلة على سورية يثير تساؤلات عميقة عن أسبابه ولماذا لا تتحرك روسيا السياسية لوقف التصعيد الأخير في هذه الهجمات باستعمال علاقاتها السياسية العميقة بالكيان الإسرائيلي ووقارها الردعيّ الموصوف.
هنا لا أحد يزعم ان هناك عملاً روسياً في سورية ينتمي الى فئة الأعمال الخيرية او التطابق الايديولوجي فلا هذا ولا ذاك، لأن الوجود الروسي في سورية هو عمل يصيب بالنسبة لروسيا في مشروع ضرب إرهاب كان الرئيس الروسي بوتين يخشى كما قال، من وصوله الى موسكو.
اما الإضافات فهي ان الروس يعملون لاستعادة مكانتهم العالمية المفقودة منذ انهيار سلفهم الاتحاد السوفياتي في 1989.
وسورية هي الميدان الملائم لهذا المشروع، بما تحتويه ميادينها من ادوار اميركية واوروبية وخليجية وإسرائيلية وتركية، ومئات آلاف الإرهابيين المنضوين في اطار منظمة القاعدة وحواملها وفروعها والاخوان المسلمين.
لذلك رأت موسكو السياسية ان حماية الدولة السورية توفر لها الهدفين اللذين تسعى اليهما.
لذلك لا بد من التنويه بالدور الروسي الذي اسهم خصوصاً من خلال القصف الجوي ونسبياً من خلال تحريك قوات برية بتحرير مساحات كبيرة من الأرض السورية المحتلة بالتعاون العسكري المتين مع الدولة السورية وحزب الله وإيران.
إلا أن هذا التعاون شابته أمور غريبة واولها ان الروس لا يتحركون إلا بموجب سياق محدد لتحرك قواتهم بما يعني أنهم لا يتحركون لدى مهاجمة «إسرائيل» لأي أهداف ليست فيها قوات روسية، وهذا لا يتعلق فقط بتجاهل القصف الذي تتعرّض له دائماً تشكيلات من حزب الله أو إيرانية وحتى سورية في بعض الأحيان.
يتبين هنا ان قوات روسيا تطبق خطة موضوعة بشكل مسبق، وتكاد تنحصر بمحاربة الارهاب من دون التعرّض المباشر للأميركيين إلا في حالات الصدفة.
كما أنها تبتعد نهائياً عن أي ردع لغارات إسرائيلية ومع مزيد من التدقيق يتضح أن هذه الغارات لا تستهدف أبداً اي قوات روسية متداخلة احياناً مع قوات سورية فتتحاشاها بشكل كامل، وتركز على أهداف تتعلق بإيران وسورية.
بما يدفع الى سؤال الروس اذا كان الدور الإيراني او المتعلق بحزب الله لا يهدف الى محاربة الإرهاب وكل العوامل الاخرى المهددة للدولة السورية.
إن حزب الله والخبراء الإيرانيين لا يعملون من اجل مشروع إيراني صرف، لكنهم يعرفون ان العوامل التي تستهدف سيادة الدولة السورية هي الإرهاب ورعاته الأميركيون والخليجيون والإسرائيليون والأتراك.
فإذا كان المشروع الإرهابي سقط ولم يتبق منه إلا بؤر صغيرة فإن الإسرائيليين والأتراك والأميركيين يواصلون زعزعة الدولة السورية ويحتلون قسماً كبيراً من أراضيها كما أنهم يحاولون إعادة إحياء إرهاب جديد لمواصلة تنفيذ خطته بتدمير الدولة السورية وفكفكتها، أليست منظمة قسد الكردية في شرقي الفرات شكلاً من أشكال تصديع سورية؟
تشجع هذه التساؤلات لمحاولة تفسير أسباب التجاهل الروسي لغارات «إسرائيل» على سورية والليونة الزائدة للسياسة الروسية مع تركيا في عفرين وإدلب والحدود.
هناك من يروّج لتحليل يعتقد أن الروس لا يتحركون لإيقاف الغارات الإسرائيلية لأنها تستهدف الإيرانيين وحزب الله وهؤلاء بنظر موسكو كما يقول المحللون لديهم مشروع في سورية يتناقض مع الدور الروسي فيها. وهذا يعني حسب هذه التحليلات أن هناك صراعاً روسياً إيرانياً على الدور في سورية بخلفية ان الروس الساعين لإعادة إحياء دورهم القطبي يعتقدون أن سورية هي قلب الشرق الذي يتيح لهم تقدماً نحو جهاته كافة.
فهل هذا صحيح؟
لا شك في أن الروس يعملون على دور عالمي جديد، لكنهم يدركون ان الدولة الاميركية لا تزال القوة العالمية الاساسية، بما يؤكد ان منازلتها تحتاج لحلف روسي صيني إيراني. وهذا غير ممكن تنفيذه اذا كان هناك خلاف روسي – إيراني في ميادين سورية.
لذلك تذهب التحليلات المنطقية الى الاعتقاد بأن الروس يمرحلون حركتهم السورية من الإرهاب الى الأتراك الى الأميركيين وأخيراً الإسرائيليين، وذلك حسب درجات الخطورة التي تمتلكها هذه القوى التي تهاجم الدولة السورية.
فموسكو متأكدة ان الغارات الإسرائيلية لا تحدث خللاً في موازين القوى السائدة فيما يشكل الاحتلالان التركي والأميركي الخطر الأساسي على وحدة الدولة السورية.
هذا لا يعني عدم وجود تنافس بين الدورين الروسي والإيراني، لكنهما لا يذهبان الى حدود الاستغناء عن بعضهما في مرحلة يعاد فيه تشكيل أحلاف جديدة في الخليج مع «إسرائيل» وتتحضر موسكو مع الصين وإيران لمجابهات ضارية على مستوى الازمات المندلعة في العالم وحروب الاقتصاد والأسلحة الجديدة المتجسدة بالعقوبات الاقتصادية والمقاطعات والحصار.
وهذا بمفرده يفرض تنسيقاً كبيراً بين روسيا وإيران لأنهما مستهدفتان من الاحلاف الأميركية التي تعمل بسرعة على إجهاض أي محاولات للقضاء على الأحادية الأميركية.