غسان بيضون: هكذا تستمرّ السرقة في شركة كهرباء لبنان
فيما يسود القلق من رفع الدعم المتوقع أن يشمل المحروقات والدواء والقمح، وها هو قد بدأ برغيف خبز الفقراء الذي دخل حيّز التنفيذ مع اقتراب نفاد احتياطي مصرف لبنان من الدولارات، تجد الارتياح بادياً بوضوح لدى وزير الطاقة الذي لا يرى الوضع سيئاً للغاية، ويستبعد أن نواجه العتمة الشاملة.
وبالرغم من الأضرار الفادحة التي أصابت كامل المبنى الرئيسي لمؤسسة كهرباء لبنان، وشملت جميع طبقاته ومحطة الأشرفية، وتلاه تطاير المستندات من نوافذها من دون أن يصدر أيّ بيان توضيحي أو طلب إجراء تحقيق لتحديد أسباب الحريق، وحجمه، وقيمة الأضرار، والنتائج التي أسفر عنها، تجد الاسترخاء يعمّ مجلس إدارة كهرباء لبنان، على الرغم من المخاطر المحدقة والمتمثّلة بإعراب شركة “سوناطرك” الجزائرية عن عدم رغبتها بتجديد عقدها الذي ينتهي آخر العام 2020، وإعلان مصرف لبنان عن التوجّه نحو رفع الدعم، وعدم إعداد وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال مشروع موازنة 2021.
فما هي خلفية ما يحصل وسرّ استرخاء القيّمين على قطاع كهرباء لبنان بالرغم من خطورة الأوضاع؟
يقول المدير العام السابق في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون إنّ “استرخاء إدارة مؤسسة كهرباء لبنان وترك الأمور تجري “بفعل الجاذبية” من دون أيّ جهد يذكر، ليس جديداً. وهو مرض مزمن تسبّب به تسلط وزير الطاقة ومستشاريه على شؤون المؤسسة على مدى أكثر من عشر سنوات”. ورأى أنّ “كورونا” الاتكالية وعدم الدفاع عن استقلالية المؤسسة، والتخلّي عن صلاحيات إدارتها، قد انتقلت إلى مجلس الإدارة الجديد من رئيسه “العتيق”، المنتهية ولايته والمستمر بحكم استمرارية المرفق العام. وها هو يستسهل مطالبة مصرف لبنان بدعمه بثلاثمئة واثني عشر مليون دولار بالسعر الرسمي لتغطية تكلفة عقود المؤسسة السخيّة بالدولار الأميركي، والتي تشمل مستحقّات البواخر، وعقود تشغيل وصيانة المعامل القديمة والجديدة، ومقدّمي خدمات التوزيع، والعدّادات الذكية، وعقود الاستشاريين للإشراف على المشاريع و “إدارة البرامج” ….، فيما المؤسسة مدرجة على رأس قائمة المؤسسات المطلوب أن يطالها التدقيق الجنائي، نظراً لتورّطها في جريمة الهدر المتمادي والفاحش برعاية وزراء الوصاية، بعدما شكّل دعم عجزها المالي، وبصورة خاصة ما توفر منه على مدى السنوات العشر الأخيرة، وهو السبب الرئيسي لتفاقم مديونية الدولة، وقصم ظهر الخزينة، ما أدّى إلى انهيار المالية العامة، وحجز أموال المودعين”.
ويتابع مستغرباً اعتبار وزير الطاقة أنّ رفع الدعم عن فيول مؤسسة كهرباء لبنان مسألة غير مطروحة أبداً، والطمأنة إلى بقاء دولار مؤسسة الكهرباء مؤمّناً بسعر الصرف الرسمي، على الرغم من جدّية الأزمة، ومطالبة صندوق النقد الدولي وغيره من المراجع الدولية المهتمة بمساعدة لبنان مالياً أن يُرفع الدعم عن المحروقات وعن الكهرباء. ويستبعد بيضون إمكانية الاستمرار بالاستفادة خلال 2021 من سلفة الخزينة الملحوظة في موازنة 2020 لدعم المحروقات بـ 1500 مليار ليرة، في حال عدم إقرار موازنة جديدة. وكذلك استبعد أن تتمكّن وزارة الطاقة إبرام عقود جديدة مع شركات عالمية لتوفير المحروقات على أساسها، لا سيما وأنّ هذه الـ 1500 مليار ملحوظة بصيغة سلفة خزينة التي لا تنطبق عليها القاعدة الاثنتي عشرية، لا سيما بوجود حكومة تصريف أعمال لا تجتمع، وأنّ القاعدة المذكورة ينحصر تطبيقها بشهر واحد، اللهم إلا إذا لجأ وزير الطاقة إلى رئيسي الحكومة والجمهورية للحصول منهما على موافقة استثنائية مخالفة للدستور، على غرار ما حصل بالنسبة لتمديد عقود اليد العاملة لدى كهرباء لبنان وقاديشا، على الرغم من مخالفتها للقانون، واعتراض كلّ من مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي عليها باعتبار أنها توظيف مقنّع.
ويذكّر بيضون بأحكام مواد وردت في قوانين الموازنة العامة اعتباراً من 2017، وركّزت على اتخاذ الإجراءات اللازمة لخفض العجز المالي لكهرباء لبنان، وتحديد سقف لقيمة سلفة الخزينة التي تعطى لدعم المحروقات بما لا يتجاوز الـ 2100 مليار ليرة لعامي 2018 و2019، وخُفضت إلى 1500 مليار للعام 2020، ولولا انخفاض أسعار النفط عالمياً، لكانت أزمة التقنين الكارثية قد استحقت قبل اليوم، وزادت حدتها قبل الوصول إلى العام 2021.
وبالنسبة لإمكانية الاعتماد على رصيد العقد مع سوناطراك وKPC، التي يرى وزير الطاقة فيها هامشاً يمكن للدولة اللبنانية الاستفادة من الكميات الممكن لها أن تشتريها، يجيب بيضون بأنه يتمنى أن يكون ذلك صحيحاً: “لكن خبرتي في رصد صياغة وزراء الطاقة تصريحاتهم المحبوكة بعناية وإجاباتهم الغامضة والملتبسة أو الملغومة، تدعو للحذر، لا سيّما وأنّ الوزير استخدم “قد”، بمعنى احتمال أن تكفي لستة أشهر، و”إذا”، بمعنى اشتراط التقنين. هذا فضلاً عن عقدة تأمين الاعتمادات والدولارات المدعومة”.
ويضيف مستغرباً إصرار وزير الطاقة على عدم تعديل دفتر شروط مناقصة المحروقات وفقاً لملاحظات إدارة المناقصات المتعلّقة بتأمين المنافسة والسماح باشتراك الشركات المحلية، وتساءل إذا “كان وزير الطاقة والأعلى منه سوف يتجرّأ هذه المرّة أيضاً على هذا الإصرار بعد الفضائح التي كشفها مدير عام المناقصات ونشرها في مؤتمره الصحافي الأخير، وما أثاره ذلك من شبهات فساد طالت وزير الطاقة الأسبق سيزار أبي خليل الذي عجز عن تقديم ردّ مقنع على الأدلة بالمستندات التي قدّمها الدكتور جان العلّية، وقد حاول الوزير غجر أن يلقي اللوم عليه وتحميله المسؤولية سلفاً، وهدّد بالعودة إلى مجلس الوزراء، ما يوحي باتجاهه للّجوء إلى الموافقات الاستثنائية من رئاستي الحكومة والجمهورية، المخالفة للدستور مجدّداً. ويذكّر بيضون بفشل آلية “سبوت كارغو” لتأمين الكميات اللازمة من المشتقات النفطية بشكل سريع (غبّ الطلب)، التي أشار الوزير غجر إلى إمكانية اعتمادها.
وعن رأيه حول دور مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان واقتراحاته بالنسبة للإجراءات والتدابير الممكن أن يتخذها هذا المجلس لمواجهة أزمة المستحقات بالدولار والتخفيف من حدّتها، رأى بيضون في هذه الأزمة “دليلاً واضحاً وأكيداً حول خطأ سياسة المبالغة والتمادي في اعتماد المؤسسة على الشركات الخاصة المرتفعة التكلفة للقيام بأعمال ومهام تقع ضمن اختصاص وصلاحيات مختلف مديريات المؤسسة”.
وأشار إلى “قيمة متأخرات الجباية لصالح المؤسسة البالغة حوالي 1000 مليار ليرة، وأنها كانت تساوي أكثر من 600 مليون دولار، والخسارة الناتجة عن هذا التأخير يفترض أنها تقع على شركات مقدّمي الخدمات، التي تطالب اليوم بدفع مستحقّاتها بالدولار”.
وأضاف أنّ “معظم مشتريات مقدّمي الخدمات هي من شركات لبنانية، وأنه على هذا الأساس يجب التفاوض مع شركات مقدّمي الخدمات على توزيع تكاليفها الفعلية بين الليرة والدولار، بحيث تحتسب أعباء مستخدميها اللبنانين وتوابعها من تقديمات ومحروقات وغيرها بالليرة، التي يقدّر بيضون بأنها تشكل حوالي 30% من أصل كشوفات مقدّمي الخدمات، يضاف إليها الأرباح التي يمكن أن تصل إلى 20 – 25 %، حسب تقارير مدير الرقابة السابق المهندس عامر طفيلي”.
ونصح بحصر التسديد بالدولار بكلفة قطع الغيار والمواد المستوردة من الخارج أو المصنّعة في لبنان، وتدخل في تكلفتها مواد مستوردة، بحيث يمكن أن يجري التفاوض حول هذه المستحقات وتوزيعها بنسبة 60% بالليرة والباقي بالدولار، لا سيما وأنّه كانت هناك مستحقات بذمة المؤسسة لصالح مقدّمي الخدمات، وحاول وزير الطاقة الأسبق تغطيتها بسلفة خزينة من وزارة المالية، عند آخر تمديد لمقدّمي الخدمات، ممن قرّر مجلس الوزراء التسامح معهم، وأعفاهم من الالتزام بمؤشرات الأداء (KPI)، ووافق على تحرير توقيفات بقيمة 90 مليون دولار، كان قرر توقيفها مدير البرنامج السابق “نيدز”.
وبالنسبة إلى عقدي البواخر وتشغيل وصيانة المعامل القديمة، التي يتولى تنفيذها والقيام بها لبنانيون، يبلغ عددهم 125 تقريباً في كلّ معمل، بينهم 3 أو أربع أجانب فقط، رأى بيضون إمكانية تأجيل الأشغال التي تتجاوز الصيانة العادية وتتصل بإعادة التأهيل. وعلى هذا الأساس، يمكن تخفيض تكلفة عقد الصيانة بتنزيل قيمة قطع الغيار اللازمة للمعامل التي طلبت كهرباء لبنان من سيمنز استبدال هبة المولّدين بقدرة 80 ميغا بها. وكذلك رأى ضرورة تخفيض تكلفة العقود بإشراك مهندسي المؤسسة في أعمال الصيانة والتشغيل، المفترض أن يكونوا قادرين على القيام بها أو تدرّبوا عليها، لا سيما وأنّ عمر المعامل القديمة موضوع عقد الصيانة تجاوز العشرين سنة.
واستطراداً، اقترح أن تُدفع المستحقات للمورّدين بالدولار مباشرة عبر مصرف لبنان بناءً على مستندات وفواتير تكون صحيحة ومدقّقة، وبعد بحث إمكانية حسم أو تقسيط المستحقات وتأجيل الدفع وتغليب حصة الليرة على الدولار، على أن يؤخذ بعين الاعتبار تأخر شركات مقدّمي الخدمات بالتحصيل، على سبيل المثال. وتُحمّل المسؤولية عن التأخربتحصيل حوالي 1000 مليار ليرة تتوزّع بنسب متفاوتة بين الشركات والمناطق. ومن المنطقي ربط تسديد مستحقات الشركات بالليرة بتحصيل متأخرات المناطق المسؤولة عنها، وشطب المبالغ المطلوبة للعدّادات الذكية من بين المبالغ التي تطلب المؤسسة من مصرف لبنان تأمينها بالدولار المدعوم. وتهدّد كالعادة “بالعتمة” وبوقف سير المرفق العام.
وشدّد بيضون على ضرورة الاستغناء عن عقود الإشراف وعن “مدير البرنامج”، لأنّ خدمات التوزيع تقع ضمن مهام مديريتي التوزيع في المؤسسة، ولا يجري الانتفاع من مستخدميها. وأعطى مثالاً حول الاستعانة باستشاري للكشف على أضرار محطة الأشرفية قبل اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة للحدّ من تفاقم هذه الأضرار بدلاً من الاستعانة بالشركة الوطنية التي تعهّدت بناء المحطة في الأصل، ويمكن أن يتولى إعادتها إلى العمل بأقل تكلفة ممكنة أو حتى دون مقابل: “لكن ماذا تفعل إذا كانت الكنيسة القريبة لا تشفي، والفرنجي برنجي، وفضيلة قاعدة حسن التدبير غائبة عن ذهن إدارة المؤسسة ووزير الوصاية!”.