ما هو شعور أنقرة وهي تودِّع إدارة ترامب وتستقبل إدارة بايدن؟
الوقت- إتخذ وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” قراراً بالسفر إلى تركيا للقاء مسؤولين في حکومة أردوغان، الأمر الذي قوبل برد حاد من أنقرة.
بومبيو، الذي انخرط قبل أيام قليلة في السياسة الداخلية خلافاً لمهامه الرئيسية، وأعلن بحزم أن ترامب سيكون رئيسًا مرةً أخرى، تعامل مع تركيا بطريقة لم يتوقعها جهازها الدبلوماسي.
وبالتوازي مع إرسال رسائل سلبية بين الأجهزة الدبلوماسية في حکومتي أردوغان وترامب، اتخذ فريق بايدن من ناحية أخرى الخطوات الأولى للاتصال بأنقرة.
أنا لن آتي؛ أنت الذي يجب أن تحضر
الجدل الذي ترافق مع قرار بومبيو بالسفر إلى تركيا، يظهر مرةً أخرى حقيقة أنه بصفته وزير الخارجية الأمريکي، لديه مواقف خاصة تجاه حكومة أردوغان.
ويقال أيضاً إنه حتى عندما كان بومبيو يعمل في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، كان لديه موقف سلبي تجاه تركيا. ولكن رغبته في السفر إلى دولة عضو في الناتو دون لقاء مسؤولين حكوميين، تبدو غريبةً بل ومسيئةً.
القصة هي أن بومبيو أعلن أنه سيسافر إلى اسطنبول للقاء أسقف الكنيسة، لكنه لا ينوي مقابلة مسؤولي الحكومة التركية.
وقالت السيدة “كبری بار” الصحفية المقربة من حزب العدالة والتنمية، إن سلوك بومبيو المتغطرس أثار غضب أنقرة، وفقًا لمعلومات حصلت عليها من مسؤول في الرئاسة الترکية.
بومبيو الذي قال من قبل إنه لن يلتقي بمسؤولي الحكومة، بعث عبر قناة غير رسمية برسالة إلى نظيره التركي “مولود جاويش أوغلو” ليأتي إلى اسطنبول للقائه. لكن جاويش أوغلو ردَّ قائلاً “لن أفعل ذلك”، أنت سافر إلى أنقرة إذا كنت ترغب في الزيارة.
ثم بدلاً من إطلاع القصر الرئاسي التركي في أنقرة بلقاء أردوغان عبر القنوات الرسمية والبروتوكولات، قال بومبيو عبر نفس القناة إنه يمكنه أيضاً لقاء الرئيس في اسطنبول!
هذه الرسالة الأخيرة أغضبت تركيا، وأُبلغ بومبيو أن الرئاسة التركية غير راغبة في الاجتماع معه.كما اشتكی الأتراك أنه لماذا سافر بومبيو إلى قبرص القريبة من تركيا قبل أسبوعين، ولكنه لم يزر أنقرة.
طبعاً الموضوع والخلاف لا يتعلقان فقط بمكان اللقاء وإحدى هاتين المدينتين، بحيث أنه في اجتماعات المسؤولين الأتراك مع الدبلوماسيين الأجانب، لا يوجد تحيز أو إصرار على بروتوكول محدد بشأن أنقرة واسطنبول. وقد تم من قبل عقد العديد من الاجتماعات الرسمية في اسطنبول وحتى في أنطاليا أيضاً.
المهم بالنسبة لتركيا هو الرد على المواقف المتغطرسة لوزير الخارجية الأمريكي. في الوقت نفسه، من المهم ملاحظة أن أنقرة أدركت أنها لم تعد بحاجة کثيراً لبومبيو وترامب.
ولذلك، ينبغي القول إن الخلاف حول زيارة بومبيو إلى اسطنبول يبعث برسالة سلبية في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، وقد اتخذ فريق أردوغان موقفًا ضد بومبيو بعد أن تأکَّد من هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية.
إشارات فريق بايدن الأولية لأنقرة
ذكرت وسائل الإعلام التركية أن فريق جو بايدن قد اتخذ خطوات لإجراء اتصالات ومحادثات أولية مع مسؤولي أنقرة، وأن تركيا هي إحدى الدول المدرجة في قائمة الاتصالات الأولية لفريق بايدن.
وقبل 5 أيام، تم إرسال الرسائل الأولية بواسطة “مايكل كاربنتر”، وهو نفس الشخص الذي كان نائب بايدن للسياسة الخارجية خلال رئاسة أوباما، عندما کان بايدن نائباً للرئيس.
ونقلت صحيفة “جمهوريت” اليومية عن كاربنتر قوله “نحن لا نسعى لدفع تركيا إلى زاوية العزلة ووضع هذا البلد في مأزق، من خلال الضغوط الاقتصادية والعقوبات. ولا نتفق مع تصريحات ماكرون بشأن فرض العقوبات علی تركيا. من المهم بالنسبة لنا أن تحترم تركيا قواعد السوق الحرة تجاه الولايات المتحدة وأوروبا وتلتزم بالقواعد الجمركية. وبمجرد أن تدرك تركيا أنها تقف معنا في جبهة واحدة، فإنها ستعيد النظر في بعض سلوكياتها”.
وتفيد الأنباء الآن أن فريق بايدن قد أجرى اتصالات أولية مع الجهاز الدبلوماسي التركي، ومن الواضح أن جو بايدن لن ينتظر حتى يتوقف العمل في مجال الدبلوماسية بسبب ما يفعله ترامب.
هل كانت تصريحات أردوغان الناعمة بسبب فوز بايدن؟
هنأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولو متأخراً، جو بايدن وأشاد في الوقت نفسه بجهود دونالد ترامب لتعزيز العلاقات بين أنقرة وواشنطن! لكنه تحدَّث في الوقت نفسه عن قضايا تبدو واعدةً بشأن بعض الإجراءات المحلية الإيجابية.
ويعتقد المحللون المقربون من حزب العدالة والتنمية، أن إعلان أردوغان عن رغبته في اتخاذ خطوات في ثلاثة مجالات هي الإصلاح السياسي والقانوني والاقتصادي، لا علاقة له بالخارج. من ناحية أخرى، يری المنتقدون أن القضية ليست مجرد ضغوط داخلية، وأن أردوغان يسعى إلى رسم صورة جيدة عن ترکيا بعد فوز بايدن.
الملفات المفتوحة
وصلت موجة تغييرات إدارة ترامب في اللحظات الأخيرة إلى سوريا أيضًا، حيث استقال “جيمس جيفري” السفير والمبعوث العجوز من مهمته في سوريا، وذلك في وقت تکون فيه إحدى القضايا الرئيسية التي ترکز عليها حكومة أردوغان، هي السياسة الخارجية لبايدن تجاه الملف السوري.
هل سيعمل بايدن، مثل دونالد ترامب وباراك أوباما، مع حزب العمال الكردستاني والميليشيات الكردية في شمال سوريا؟ لذا، فهذه إحدى القضايا المفتوحة بين أنقرة وواشنطن.
والملف الثاني هو قضية منظومة صواريخ “إس 400” والعلاقات التركية الروسية، والتي بسببها لم يتم نقل مقاتلات “إف 35” إلى تركيا. وبالمناسبة، لعب الحزب الديمقراطي في الكونغرس الأمريكي دورًا بارزًا في هذا الحظر شبه العسكري.
والتحدي الرئيسي الآخر بين تركيا والولايات المتحدة، هو توقعات أنقرة من القضاء الأمريكي للتعامل مع زعيم الانقلاب “فتح الله غولن” القاطن في بنسلفانيا.
ولكن بطبيعة الحال، بعد أن فشل دونالد ترامب البلطجي والمنتهك للقوانين في التغلب علی النيابة العامة، ولم يتخذ أي إجراء ضد غولن، فمن غير المحتمل أن يمارس بايدن، وهو الديمقراطي الذي يؤمن دائمًا بمبدأ فصل السلطات والحفاظ على استقلال القضاء، ضغوطًا على غولن أو يغلق مدارسه.
الملفات الثلاثة المذكورة ليست سوى بعض الخلافات الرئيسية بين تركيا والولايات المتحدة، وإلى جانب هذه القضايا، فإن ملف تحركات تركيا في شرق المتوسط، ونهج تركيا تجاه قبرص واليونان، وعلاقات تركيا مع الناتو وقضايا أخرى، ستُناقش بين حكومتي أردوغان وبايدن.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن للمرء أن يتوقع تفاعلاً وتنسيقاً عالي المستوى بطريقة متفائلة، ولكن بالنظر إلى السياسة البراغماتية التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية الحاكم والمشاكل الاقتصادية لتركيا، فمن غير المرجح أن نشهد ركودًا في العلاقات التركية الأمريكية.