لبنان أمام احتمالين بعد فشل الحريري في فرض حكومة انقلابية
حسن حردان-البناء
النتيجة التي وصل إليها رئيس الحكومة المكلف لتشكيل الحكومة سعد الحريري، وهي الاعتذار عن هذه المهمة، كانت متوقعة، لا بل مخطط لها في سياق السيناريو المعدّ كبديل من سيناريو فرض تشكيلة حكومية وفق الشروط الأميركية تستطيع تنفيذ مهمة إنجاز الانقلاب السياسي عبر التزامها الأجندة الأميركية، السياسية والاقتصادية، والتمهيد لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة على النحو الذي يمكّن القوى والجماعات التابعة للولايات المتحدة من حصد أغلبية المقاعد النيابية في البرلمان المقبل، أغلبية قادرة على إعادة إنتاج السلطة، بكلّ مكوّناتها لا سيما، تأليف حكومة، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، يدينان بالتبعية للإدارة الأميركية وتوجهاتها، التي باتت معروفة، وهي: إقصاء وعزل حزب الله المقاوم وحلفائه عن السلطة التنفيذية، والعمل على محاولة حصار المقاومة ونزع سلاحها، الذي يردع «إسرائيل» ويقلقها، وفرض اتفاق تحديد الحدود البحرية بما يحقق الأطماع الصهيونية، والاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي لإقراض لبنان…
ولهذا أعدّ الرئيس الحريري تشكيلة حكومية سوبر استفزازية حريرية أميركية، من خارج ايّ اتفاق تمّ مع الرئيس نبيه بري، والتفاهمات التي جرت بمساعي من حزب الله مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وأدّت الى تذليل العقد التي كانت تعترض تأليف الحكومة، وهو ما اعترف به الحريري خلال مقابلته التلفزيونية التي أعقبت إعلان اعتذاره.. هذه التشكيلة كان يستهدف الحريري من ورائها، وضع الرئيس ميشال عون أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما:
الخيار الأول، قبول هذه التشكيلة من دون نقاش او تعديل، بما يجعل الحريري صاحب القرار بلا منازع، في السلطة التنفيذية، ومن دون أيّ شراكة من الأطراف السياسية المكوّنة للبرلمان… حتى يتمكّن الحريري من اتخاذ وتنفيذ القرارات التي تنسجم مع سياساته الريعية، ومع الأجندة الأميركية، من دون ان يعترضه أحد في ذلك… وهو ما يعني السير، كما أفصح بصراحة خلال مقابلته، بخطة تخصيص ما تبقى من قطاعات خدماتية تابعة للدولة، تحت عنوان انّ القطاع الخاص هو الأنجح في إدارة هذه القطاعات، من الدولة، ومعروف انّ بيع هذه القطاعات واحد من شروط صندوق النقد.. وفيما لو تحقق ذلك سوف يعني جعل الدولة اللبنانية تفقد أهمّ مداخيلها المتبقية، من عائدات الخليوي والمرافئ والكهرباء إلخ… وبالتالي يصبح لبنان أكثر تبعية وخضوعاً للدول المانحة وفي مقدّمها الولايات المتحدة والدول الغربية التي تقف وراء الحصار الاقتصادي والمالي المفروض على لبنان، بهدف إخضاعه للشروط المذكورة أعلاه…
الخيار الثاني، رفض الرئيس عون تشكيلة الحريري، لأنّ القبول بها يعني تحقيق طموحات الحريري بتنفيذ انقلاب سياسي.. وبالتالي سير الحريري بالسيناريو الثاني وهو الاعتذار، وتحميل الرئيس عون وحزب الله المسؤولية عن النتائج المترتبة عن ذلك، اقتصادياً ونقدياً ومعيشياً، والتي جرى التحضير لها من قبل الطغمة المالية المرتبطة بالحريرية، والشركات الاحتكارية، والتي بدأت فور الاعتذار بخطة رفع سعر الدولار في السوق السوداء تجاوز عتبة العشرين ألف ليرة وبدأ بالصعود نحو الثلاثين ألف ليرة، وإثارة أعمال الشغب والتخريب وقطع الطرقات من قبل تيار المستقبل… والحديث عن عودة أزمة البنزين والمازوت.. وذلك في سياق شدّ العصب الذهبي، والبدء مبكراً بحملة الانتخابات النيابية المقبلة، عبر توظيف هذه الأزمات المذكورة ضدّ الرئيس عون والتيار الوطني وحزب الله…
ايّ انّ الحريري، كما القوات اللبنانية، ومن يدور في الفلك الأميركي الغربي، قرّروا مبكراً لعب دور المعارضة، والتهرّب من أيّ مسؤولية عن الأزمات المالية والاقتصادية، التي هي نتاج السياسات الحريرية وحلفائها، في الداخل والخارج، وإشاعة الفساد على نطاق واسع في الدولة والمجتمع..
لكن ماذا بعد اعتذار الحريري؟
الواضح اننا أمام احتمال من اثنين:
الاحتمال الأول، ان يجري الاتفاق على تسمية شخصية جديدة لتشكيل الحكومة، اثر استشارات نيابية يجربها رئيس الجمهورية كما ينص الدستور درءاً من اتجاه البلاد نحو مزيد من الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي، وسيادة الفوضى.. غير أنه ليس من السهل تسمية رئيس مكلف لا يحظى بتأييد من فاعليات الطائفة السنية وفي ظلّ رفض الحريري تزكية او تسمية بديل عنه.. إلا إذا اتفقت الأغلبية النيابية على تسمية شخصية لا تخضع لتأثير تيار المستقبل.. على غرار اختيار الرئيس حسان دياب.. خصوصاً بعد أن خرج الحريري عن اتفاقه مع الرئيس بري وانقلب على مبادرته والتفاهمات التي تمّ التوصل اليها..
الاحتمال الثاني، ان تفشل الأغلبية النيابية في الاتفاق على رئيس مكلف، في ظلّ عدم موافقة البعض على تسمية شخصية لا تحظى بغطاء الحريري، وبالتالي يجري الاتفاق على تفعيل حكومة تصريف الأعمال برئاسة دياب تتولى إدارة البلاد خلال هذه المرحلة والإشراف على إجراء الانتخابات النيابية.