هل يرمي ميقاتي نفسه في “التهلكة والحرق” حكوميا ؟
كتب سركيس نعوم في ” النهار”: ربما أصبح الرئيس نجيب ميقاتي يفضّل أن يأتي إليه الإعلامي بالجديد لا أن يكتفي فقط بالإطلاع منه على ما عنده من معطيات وتحليلات، ولا سيما بعدما حقّق نجاحات مهمّة غير سياسية لكنها توسّع طريقه السياسية التي شقّها بتؤدةٍ وتدرّج من زمان وتجعله مطلعاً أكثر من سياسيين كثيرين على خفايا السياسية وخباياها في لبنان والمنطقة والعالم. أولها كان ظفره بعلاقات صداقة وودّ مع أشخاص محترمين على علاقة وثيقة بالفريق الأقوى في لبنان. يجعله ذلك على اطلاع دائم على جانب مهم مما يجري كما يمهّد له طريق دخول السراي الحكومية مرّة ثالثة حين يرى أن الظروف ناضجة. ذلك أنه من هواة الحوار وليس الانتحار السياسي مثل كثيرين، ومن هواة إقامة صداقات عدّة مباشرة أو غير مباشرة مع أفرقاء أقوياء لبنانيين آخرين. ثاني النجاحات كان إقامته علاقات جدّية وعميقة جداً مع جهات ذات فاعلية مهمة في المنطقة وفي دول كبرى أهمها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.
أما ثالثها فهو الإنفتاح على دول مهمة في الإقليم ليست إيران واحدة منها، والتشاور معها بين حين وآخر في قضايا الداخل والخارج في آن. طبعاً لم ينجح الرئيس ميقاتي حتى الآن في بناء أو في استعادة علاقة جديّة مع المملكة العربية السعودية رغم غياب القطيعة معها.
يأخذ كثيرون على الرئيس ميقاتي في بيئته وخارجها تاريخاً من التعاون ربما السياسي وغير السياسي مع النظام في سوريا ولا سيما بعدما تولّى رئاسته الرئيس بشار الأسد. لكنه رغم ذلك بقي محتفظاً بهامش استقلال معيّن عن سوريا ومؤيّديها في لبنان، وأبدى انفتاحاً على الذين انقلب عليهم ليس من باب الندم والاعتذار، ولكن من باب مصلحة بيئته السنّية ومصلحة البلاد ومصلحته السياسية في لبنان. لذلك يراه اللبنانيون عضواً نشطاً في “نادي رؤساء الحكومات السابقين” الذي ينظر إليه من أوصلوه الى السلطة للمرة الثانية قبل سنوات بحذر وشك وعداء وخوف.
لكن هو يعرف ومعه كثيرون أن تنوّع علاقاته وتشعبها في الداخل يخفّفان الكثير من الوقع السلبي لمواقفه المؤيّدة لبيئته والشادّة من أزر زعيمها الحالي. من شأن ذلك إبقاء طريقه سالكة الى رئاسة الحكومة رغم العوائق الكثيرة عليها. طبعاً ينفي ميقاتي للإعلام أي رغبة له في رئاسة الحكومة في الظروف الحالية الصعبة جداً، وربما يكون صادقاً لأنه يعرف أكثر من آخرين الوضع الماضي التعيس والوضع الحالي الأكثر تعاسةً، ويستقرئ الوضع المستقبلي بكثير من التشاؤم. فهل يرمي نفسه في التهلكة والحرق؟
الجواب عن ذلك ليس سهلاً. لكن يسجّل له في هذا المجال أنه لم يصل يوماً الى حال اندماج تام مع حلفائه وشركائه في أكثر من مجال مع احتفاظه بعلاقة جيّدة معهم، والى حال خصام بل عداوة تامة مع أخصامه تجعلهم يرفضونه في موقع رئاسة الحكومة كما هي الحال الآن مع الرئيس المكلّف سعد الحريري. لكن ما يُسجّل عليه كما على غيره من “مليارديرات” طرابلس الفيحاء عاصمة الشمال عدم تعاونهم ليس لإقامة جامعة رغم الحاجة إليها وليس لتقديم مساعدات غذائية لمواطنيهم فيها في أوقات الشدّة السابقة والإنهيار الحالي ومساعدات مالية أيام الإنتخابات، وذلك أمرٌ يقومون به كلّهم، بل عدم عمله معهم لإعادة تنظيم العاصمة الثانية وإعادة بناء ما تهدّم فيها ومرافقها الإقتصادية وتوفير فرص عمل لأبنائها كما لأبناء المناطق المحرومة في الشمال وهي كثيرة. في اختصار عليهم أن يكرّروا في طرابلس التجربة الإعمارية لبيروت التي نفّذها الشهيد رفيق الحريري مع تلافي الأخطاء التي وقع فيها جرّاء حرصه على تنفيذ المشروع وأهمها أن الحجر وحده لا يكفي وأن البشر بأهميته إن لم يكن أكثر.
هل يوصله ذلك الى رئاسة ثالثة للحكومة أو يبعده عنها؟ الجواب الإيجابي ليس سهلاً. والجواب السلبي ليس قدراً.