السعودية: ميقاتي ما تعلّم
في الظاهر تفاؤل، عا مدّ عينك والنظر، يتكفّل الفريقان المعنيان ببثّه وضخّه في السوق الإعلامي، انطلاقاً من أن “الحكي ما عليه جمرك”. أمّا في الحقيقة، فالعبرة تبقى في التنفيذ عندما يصير “الفول في المكيول”، رغم أن البداية بدأت ببلفة كبيرة، تتمثّل بتلطي الرئيس المكلف خلف قشور يصر على تصنيفها دعماً وضمانات دولية، فيما حقيقتها، مواقف لا تتخطى تلك التي أُبلغت لسلفه، وبقيت حبراً على ورق.
بالتأكيد إن صيغ البيانات الغربية والعربية الصادرة، لا يمكن حتى الساعة صرفها أو تسييل حبرها على أرض الواقع، أولاً لأنها جاءت بصيغ غير حاسمة وغير واضحة لجهة تأييد التكليف، ذلك أن المكتوب يُقرأ من عنوانه، وهو ما قد يتسبّب لتلك الدول بإشكالات داخلية في حال تحركت المؤسسات العاملة على مكافحة الفساد، وثانياً، لأن الجهة المعنية أساساً بتقديم الدعم، أي دول مجلس التعاون الخليجي، غاب الناطق بإسمها، السفير السعودي وليد البخاري عن السمع بعد استدعائه على عجل إلى بلاده للتشاور، في دلالة على وجود أزمة ما، ربطاً بالأجواء السلبية التي أوحت بها الرياض بالتواتر. فهل يقبل الميقاتي السير بعكس الرياح السعودية مرةً ثانية ؟ وهل الدعم الأردني “المصلحي – الشخصي” كاف لتأمين المظلة العربية المطلوبة؟ وماذا عن الموقف الجدي والعلني للقاهرة؟
أما داخلياً، وفي انتظار تبلور موقف “التيار الوطني الحر”، واتجاهات تصويبه المقبلة، والتي تدل كل المؤشرات، من حملات أنصاره على وسائل التواصل، مروراً بسياسة “الأو تي في” فيما خصّ التكليف والتشكيل، وصولاً إلى تحريض “صهر العهد” للسفير البريطاني، إلى خوضه حرباً ناعمة ضد “النجيب” تماشياً مع المواقف الشعبية وأبعد منها القواعد “الثورية”، يتبيّن من متابعة الأطراف السياسية المختلفة، أن الإيجابية التي يخرجون بها إلى العلن، هي مجافية للحقيقة التي يتداولون بها في جلساتهم المغلقة، حيث الصورة السوداوية تخيّم على أجوائهم.
وحده “حزب الله”، خلافاً لكل اللاعبين على الساحة، يكشف في كواليسه عن إيجابية “مدوزنة” عند حديثه عن التشكيل، رغم تحفّظه المدروس في مواقف مسؤوليه الإعلامية، حيث الحديث عن بعض الليونة وبوادر حسن النية، تجاه الداخل والخارج، تفادياً لما هو أخطر. ولكن هل يعني ذلك أن الحارة ستذهب باتجاه الضغط على بعبدا والبياضة جدياً هذه المرة؟ بالتأكيد لا جواب واضح، إلاّ أن التجارب التاريخية، تُبين أن لا الأولى ولا الثانية جاهزتين بعد للرضوخ للضغوط لأسباب كثيرة.
إذاً، “كيف ما برمناها” القصة المرتبطة بشخص الرئيس نجيب ميقاتي، وبسؤال أساسي، هل يمكنه الإنقلاب على القرار السياسي السني الذي يمثله نادي الاربعة، والذي بات محصوراً في بنود البيان الصادر عقب اجتماعهم عشية التكليف، والذي حمل شروطهم وتحذيرهم بعد ضمانات أبو مصطفى، والذي كاد يكون صيغةً لبيان وزاري؟ أم يصرّ على سقف الشيخ سعد، فينكسر أمامه جنرال الرابية، وهو أمر مستبعد، إلاّ في حال سلّمت بعبدا واستسلمت للأمر الواقع؟
بحسب تصريحات المكلّف من أمام قصر بعبدا، فإن المفاوضات سارية “عالوزارة وعالقطعة، أي كل وزارة بوزارتها”، أمّا المؤكد الثاني الذي يتقاطع عنده الرئيسان، فهو أن الحاج نجيب، سيكيّل الطريق يومياً بين فردان وبعبدا إلى أن تكون الولادة. فهل خروج الأزرق والبرتقالي يسهّل تلك العملية أم يعقّدها؟ واضح أن وسطاء يعملون على الخط وفي الكواليس، طارحين أنفسهم ك “جوكر” حلّ، من بينهم أبو ملحم، الذي قد يكون مخرجاً في وزارة الداخلية. ولكن ماذا عن العدل والطاقة، مع ارتباط الأولى بملف انفجار المرفأ الحسّاس، والثانية بما يُحكى عن أنها ستكون أولى إنجازات ما بعد الفساد؟
في كل الأحوال وخلافاً لـ “اللتّ والعجن” الذي تديره ماكينة “الدولة العميقة” عن استعجال لبتّ الحكومة قبل تاريخ الرابع من آب والتسونامي المُنتظر، فإن العالمين بالأمور، يؤكدون أن السلطة نجحت في إحباط تحركات الثورة وأوقعتها في الفخ وحاصرتها، من خلال خطة محكمة، ليس حضور البطريرك بشارة الراعي، ورعايته للقداس الإلهي، إلاّ أحد الاوجه الظاهرة لجبل جليدها.
عند مغادرته قصر بعبدا بعد لقائه رئيس الجمهورية لإطلاعه على نتائج مشاورات التكليف النيابية، قال “النجيب” :خير الكلام ما قلّ ودلّ… والله ولي التوفيق”. من سخرية الصدف أنها الجملة الوحيدة التي بقي السفير مصطفى أديب يردّدها إلى أن حان موعد الإعتذار… فهل يعيد التاريخ نفسه… يسأل الشاطر حسن.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع