عشرون مشكلة في إطار بريكست بانتظار الحل قد تنهار المفاوضات. لكن حتى لو أبرم اتفاق بسيط حول الرسوم والحصص، وهو ما سيحدث على الأرجح، ما زالت عملية مغادرة الاتحاد الأوروبي في بدايتها
حتى لو أُبرم اتفاق أساسي على الرسوم والحصص فما زالت عملية مغادرة الاتحاد الأوروبي في بدايتها (رويترز)
يبدو القسم الأكبر من التغطية الإعلامية للمفاوضات البريطانية الأوروبية سريالياً [غرائبياً]، مع بروز نقاط الخلاف حول الدعم الحكومي وصيد الأسماك وحقوق العمال. لكن ما يستحق الانتباه هو أن هذه الخيارات سياسية وليست مشاكل تقنية. لو طبقت المملكة المتحدة قواعد الدعم الحكومي تبعاً لأقصى التفسيرات سخاء، تستطيع الحكومة إنفاق 61 مليون جنيه إسترليني (أي حوالي 75 مليون دولار أميركي) على الشركات الجديدة الناشئة أو إنقاذ صناعة الصلب أو مساعدة مناطق الجدار الأحمر [مناطق نفوذ حزب العمال في وسط وشمال إنجلترا]، كما تشاء. وفي هذا درجة من الاشتراكية لم نشاهدها منذ نصف قرن.
وبالطبع، في موضوع صيد الأسماك، ما يريده كل صاحب سفينة صيد هو ضمان أكبر حصة ممكنة من السمك المسموح بصيده. وسيشكل ذلك مكسباً سياسياً استثنائياً لصالح بوريس جونسون. لكنه يعني أن الرئيس ماكرون سوف يضطر إلى أن يشرح لجماعات الصيد الفرنسية المنظمة جداً والمسيسة جداً- من كاليه في شمال فرنسا إلى سان جان دو لوز St Jean de Luz على ساحل البيرينيه الأطلسي- أنه قد تخلى عنها. تأملوا في غرابة إقدام ماكرون على هذا العمل، فيما لا يفصله سوى 20 شهراً عن حملة إعادة انتخابه. ولا شك أن ضمان حقوق العمال سوف يروق جداً لاتحاد النقابات العمالية. لكن النواب المحافظين دعموا بريكست تحديداً من أجل التخلص من قسم الالتزامات الاجتماعية.
لذلك لا فائدة كبيرة من خبراء وإخصائيي التجارة الذين يكتبون التقارير في وسائلنا الإعلامية. فالموضوع الآن منحصر بالسياسة. وبفضل تهديده بانتهاك القانون الدولي وتشويهه المستمر لسمعة بارنييه، الذي كان طوال 40 سنة سياسياً منتخباً ورفيع المستوى يحظى باحترام الجميع، لم يساعد اللوبي المناهض للاتحاد الأوروبي في لندن على خلق مناخ مناسب للتوصل إلى اتفاق.
قد تنهار المفاوضات. لكن حتى لو تُوصل إلى اتفاق أساسي حول الرسوم والحصص، وهو ما سيحدث على الأرجح، ما زالت عملية مغادرة الاتحاد الأوروبي في بدايتها.
في ما يلي 20 جانباً من الانسحاب من الاتحاد الأوروبي ما زالت بحاجة إلى الحل، وقد تتحول إلى جدال ومناقشات أبدية في إطار بريكست خلال السنوات المقبلة، حتى لو أبرمت صفقة تحفظ ماء الوجه حول التجارة والدعم الحكومي بحلول عيد الميلاد.
1- أعلن مايكل غوف أن صف شاحنات النقل سيصل إلى 7 آلاف شاحنة ابتداءً من 1 يناير (كانون الثاني) [في الجانب البريطاني من مرافئ التصدير والاستيراد المتجهة من وإلى أوروبا] . وعلى المؤسسات أن توظف أكثر من 50 ألف وكيل لتخليص معاملات جمركية.
2- تحتاج شاحنات النقل إلى رخصة خاصة أو جواز سفر من أجل دخول منطقة كنت في جنوب شرق إنجلترا. كان في الاتحاد السوفياتي القديم جوازات سفر داخلية لكنها المرة الأولى التي يفرض فيها هكذا شرط في بريطانيا. ستصبح كنت Kent، وغيرها من مدن الموانئ، مواقف كبيرة للشاحنات.
3- يواجه مصنعو السيارات البريطانيون احتمال دفع رسوم على المكونات المستوردة من خارج الاتحاد الأوروبي، ما سيزيد ثمن السيارات التي (تنتج في بريطانيا) للبيع في أوروبا، وكلها من إنتاج شركات مملوكة لجهات أجنبية، ولا سيما شركات السيارات اليابانية. وليس مستهجناً أن الاتحاد الأوروبي لن يقبل اعتبار المكونات اليابانية أو التركية بريطانية.
4- يقول قطاع المواد الكيماوية البريطاني الذي يقدر حجمه بمليارات الجنيهات، إن الانسحاب من نظام ريتش الأوروبي EU Reach بشأن القيود على هذه المواد سيصعب ويزيد كلفة إنتاج المواد الكيماوية والبلاستيكية ومستحضرات التجميل ومساحيق التنظيف وغيرها في المملكة المتحدة، وسيكون من السخافة إنشاء نظام قيود بريطاني مواز للمواد الكيماوية.
5- تفيد آخر التقارير بنقل 7500 وظيفة ضمن قطاع الخدمات المالية إلى العواصم الأوروبية. ينقل “جي بي مورغان” مئتي موظف أساسي إلى فرانكفورت فيصبح سادس أكبر مصرف في ألمانيا. وأصحاب مؤسسات الخدمات المالية هم أكبر فئة من دافعي الضرائب الذين يمدون الخدمات العامة بالمال.
6- لن تقدر شركات التصنيع أن تطبع كتالوجات (فهارس) لمنتجات الربيع المقبل لأنها لا تعرف بعد ما هو الثمن الذي ستدفعه لقاء أي عنصر مستورد يدخل في صناعة أطعمة أو منتجات بريطانية. ولا تستطيع كذلك طباعة ملصقات المنتوجات لأنها لا تعرف أي معلومات تضعها على هذه الملصقات. وستفقد علامة الجودة الأوروبية.
7- أعرب الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات البريطاني MI6 جون سوير، والمفوض البريطاني السابق للاتحاد الأوروبي، جوليان كينغ، عن مخاوفهما بشأن الخطر على الأمن البريطاني. قدمت المملكة المتحدة 570 ألف طلب لقاعدة البيانات الأوروبية من أجل التحري عن أشخاص سجل عبورهم للحدود. كما قدمت آلاف الطلبات لقاعدة بيانات اتفاقية بروم الأوروبية من أجل التحري عن الحمض النووي لمجرمين وإرهابيين. وكانت بريطانيا أكبر مستخدمي قواعد البيانات الأمنية الأوروبية.
8- ترفض المملكة المتحدة إلى الآن القبول بقوانين نقل البيانات الأوروبية الضرورية من أجل حماية الخصوصية. ولو تشبث جونسون ودومينيك كامينغز بموقفهما المتشدد (هذا) يمكن نظرياً أن تصبح كافة البيانات المتبادلة مع بريطانيا والتي يمكن نقلها إلى أميركا غير قانونية ومحظورة. وسوف يشكل هذا الأمر ضربة قاسية لحجوزات العطل (للمسافرين)، لأن هذا النوع من الحجوزات يتضمن نقل بيانات من وإلى الاتحاد الأوروبي.
9- أخبر وزير الزراعة البريطاني النواب أن عدد النماذج المفروض تعبئتها سوف يزيد خمس مرات بالنسبة لأي عملية تصدير للأغذية. وسوف يعيق النقص الحاد في الأطباء البيطريين عمل مصدري لحوم البقر والخراف وغيرها من المنتجات الحيوانية (اللحوم) في بريطانيا.
10- يقال للمصدرين، إن عليهم توظيف 60 ألف موظف بيروقراطي جديد لتعبئة مئات ملايين النماذج الجديدة الضرورية من أجل إقامة تبادل تجاري مع الاتحاد الأوروبي من موقع “بلد ثالث”. سيعادل هذا الرقم عدد أفراد الجيش البريطاني قريباً. ومن غير الواضح بعد ما عدد موظفي التخليص الجمركي الذين ستحتاج الحكومة إلى توظيفهم.
11- تواجه مدينة لندن احتمال فقدان 350 ألف “جواز سفر أوروبي” (أي موظفين من أصول أوروبية) تسمح للشركات والأفراد في قطاع الخدمات المالية أن تجري تعاملات رسمية في 27 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي.
12- بينما صوتت سويسرا، الأحد، على استفتاء من أجل إلغاء استفتاء يعود إلى عام 2014 ويمنع حرية تنقل الأفراد (بين سويسرا وأوروبا)، تضع بريتي باتيل، وزيرة الداخلية البريطانية، عراقيل لا تنتهي أمام دور الرعاية وقطاعات الإنشاءات وقطف الفاكهة والخضراوات والنقل والضيافة وتعرقل استقدام عمال أوروبيين من أجل سد النقص في اليد العاملة البريطانية.
13- واجب حصول البريطانيين على رخصة قيادة دولية من أجل القيادة في أوروبا.
14- لن يتمكن أصحاب الحيوانات الأليفة البريطانيين من اصطحاب كلابهم وغيرها من الحيوانات الأليفة إلى القارة دون الحصول قبلاً على لقاحات غالية الثمن، ويستغرق إتمامها وقتاً طويلاً من الأطباء البيطريين إضافة إلى فحوصات ووثائق أخرى.
15- سوف يخسر البريطانيون بطاقة التأمين الصحي الأوروبية المجانية وسوف ترتفع كلفة السفر لدواعي العمل أو قضاء العطل لأنه عليهم الحصول على تأمين صحي.
16- تغلق الحسابات المصرفية التابعة لبريطانيين يعيشون في فرنسا أو إسبانيا أو اليونان فيما تقول مجموعتا لويدز وباركليز المصرفية وغيرهما من المصارف، إنه من المكلف للغاية إنشاء وحدات منفصلة وفقاً لـ27 مجموعة مختلفة من القوانين.
17- وقعت المملكة المتحدة اتفاق تجارة حرة مع اليابان التي تفرض قوانين أكثر تشدداً على الدعم الحكومي من تلك التي اقترحها الاتحاد الأوروبي. ثم وافق دومينيك راب (وزير الخارجية البريطاني) على توقيع اتفاقية تجارة حرة مع فيتنام. تبلغ قيمة صادرات فيتنام إلى المملكة المتحدة 6.02 مليار دولار أميركي، بينما تصدر المملكة المتحدة إلى فيتنام ما قيمته 300 مليون جنيه إسترليني (حوالي 375 مليون دولار أميركي).
أذكياء هؤلاء الفيتناميون.
18- أكد كل من جو بايدن ونانسي بيلوسي ومبعوث دونالد ترمب لشؤون إيرلندا الشمالية أنه لن يجري توقيع أي اتفاق تجارة حرة مع المملكة المتحدة إن دخلت التعديلات المشار إليها في قانون الأسواق الداخلية، الذي يتفاخر بانتهاكه القانون الدولي، حيز التنفيذ.
19- يجهل نحو مليوني بريطاني يعيشون في أوروبا معظم أو بعض أوقات السنة مصيرهم فيما بات عليهم الحصول على رخص قيادة جديدة بلغات قد لا يتكلمونها ولا يمكنهم قضاء أكثر من 90 يوماً ضمن فترة 180 يوماً في بيوت يملكونها، مع تحول المملكة المتحدة إلى بلد ثالث يخضع لـ27 نظاماً وطنياً من القواعد والقوانين التي ترعى حقوق الأجانب في العيش والعمل والتقاعد.
20- يتبنى حزب المحافظين الحاكم بريكست كلياً، بينما يقول كير ستارمر وإد دايفي (زعيما أكبر حزبين معارضين في بريطانيا)، إنه لا يمكن مواجهة بريكست. ومع أن بضعة مقاومين من الشجعان رفعوا شعار الشراكة مع أوروبا، يبدو أن بي بي سي ومعظم وسائل الإعلام اختارت أن تتجاهلهم. لكنهم لن يرحلوا ولن يستسلموا. كل الاحترام لهم.
(دينيس ماك شاين وزير الشؤون الأوروبية سابقاً وصاحب كتاب “بريكست الأبدية: مصير بريطانيا المبهم”)
© The Independent