نحن وامريكا… انتهى دور شرطي العالم
تونس- اسيا العتروس- بقطع النظر عما ستؤول اليه زيارة الوفد الامريكي الى تونس والتي انطلقت بالامس بالتزامن مع عطلة نهاية الاسبوع وفي اختيار هذا التوقيت ربما دوافعه و اسبابه غير المعلنة و قد وجب بالتالي استثناء عنصر الصدفة التي لا تعد عنوانا ثابتا في عالم العلاقات بين الدول ومجال الديبلوماسية الواقعية الذي تقوده لعبة وعقلية المصالح بالدرجة الاولى لا سيما عندما يتعلق الامر بالسياسة الخارجية الامريكية المتحورة والتي تتحلى بالبراغماتية المطلقة في تصنيف بقية الدول من الاصدقاء و الحلفاء و الشركاء الى مرتبة الاعداء و المنافسين و المناوين و كذلك المارقين او غير ذلك من الاوصاف الجديدة في العلاقات بين الدول .. حدث ذلك مع الاتحاد السوفياتي سابقا و كوريا الشمالية و كوبا و فيتنام و سوريا حتى و ان لم يصل الامر مرحلة التطبيع الكامل مع هذه الاطراف حيث تظل الريبة سيد المشهد , وحدثت بالامس القريب مع حركة طالبان افغانستان التي كانت تعد وعلى مدة عقدين من الزمن العدو الاول للادارة الامريكية قبل ان تتحول الى شريك قابل للتدرج في سلم العلاقات و الفوز بالتالي بعلامات جيدة يمكن ان تعيدها الى دائرة الدول الاعضاء في الامم المتحدة كما في المنظمات الاقليمية والدولية التي تتطلع طالبان لاختراقها بالطرق الديبلوماسية بعد ان كانت تفرض نفسها عليها بلغة التفجيرات و الاعدامات وقطع الرقاب ومن يدري فقد تفوز طالبان بشهادة الاستحسان في الايام والاسابيع القادمة اذا اقتضت الحاجة ذلك لاجلاء من تحتاج واشنطن لاجلائهم من الافغان او الاجانب من هذا البلد ..
اذ تبقى القاعدة الاساسية لمختلف الادارات الامريكية المتعاقبة انه لا وجود لعدو دائم او صديق دائم و الاستثناء الوحيد في كل الاوقات والظروف حتى الان تبقى اسرائيل التي تنفرد بلقب الصديق و الشريك و الحليف الدائم لامريكا مهما بلغت فظاعة ممارساتها و انتهاكاتها و خروقاتها و اعتداءاتها على الفلسطينيين و على شعوب و دول المنطقة ..و تغير هذه الحقيقة الثابتة يحتاج بالتاكيد اكثر من زلزال يقلب حال الفلسطينيين و معهم حال العرب جميعا من التردي والمهانة والضياع الى حال مختلف …
وبالعودة الى زيارة الوفد الامريكي الصغير الى بلادنا و ما اثارته منذ اعلانها من ردود افعال من عديد الاحزاب و المنظمات الوطنية التي لا تنظر اليها بعين الرضا على عكس حركة النهضة التي يبدو انها الاكثر ترحيبا بهذا الوفد فانها تعد الثانية خلال اسابيع الى تونس و الاكيد أن أسبابا كثيرة اثارت و لا تزال هذا الجدل و دفعت باحزاب و منظمات الى رفض دعوة السفارة الامريكية لتنظيم لقاءات مع الوفد او ما بقي من الوفد الذي قام بجولة اقليمية شملت لبنان واسرائيل و فلسطين المحتلة و تونس و اليونان علما و ان الوفد الذي قاده في بداية الجولة السيناتور جوناتون فيري و ضم كل من السيناتور كريس مورفي و كريس فان هولن و جون اوسوف و ريتشارد لومنتال في المحطة الاولى من الجولة في الشرق الاوسط سيقتصر على كل من كريس مورفي السيناتور الديموقراطي عن ولاية كونكتيكت و هو رئيس لجنة الكونغرس لشؤون الشرق الادنى و جنوب اسيا و لجنة الارهاب و جون اوسوف الديموقراطي ايضا عن ولاية جورجيا في زيارتهما الى تونس و منها الى اليونان .و في تصريح مشترك للوفد مع بداية الجولة اعلن الوفد انه يتطلع الى محادثات مباشرة مع الاطراف الفاعلة في المنطقة خاصة الحكومة الاسرائيلية الجديدة برئاسة بينيت و القيادة الفلسطينية و ان الجولة تهدف ايضا لمناقشة الخطوات المقبلة للمسار الديموقراطي في تونس و مواجهة الازمة الاقتصادية و السياسية في لبنان .و ختم بيان الوفد الامريكي بان امريكا يجب ان تكون قوة ايجابية في الشرق الاوسط و شمال افريقيا و انه يتطلع الى جولة مثمرة “.
و بالعودة الى نصيب تونس من هذه الزيارة التي يعتبر البعض بانها مؤشر على تدخل في الشان التونسي و مصادرة للقرار السيادي و محاولة للضغط على رئيس الجمهورية لاعادة النفخ في ورقة الاسلاميين و مد الجسور المقطوعة مع حركة النهضة التي يبدو انها قادت تحركات ماراطونية و حملة دعائية واسعة في العاصمة السياسية واشنطن و لدى لوبيات مؤثرة لاقتلاع موقف مؤيد من الادارة الامريكية لصالحها في الازمة السياسية الخانقة التي تعيش على وقعها منذ تجميد عمل المجلس و فشل رئيس الحركة و رئيس المجلس المجمد في تاليب الراي العام محليا و دوليا ضد قرارات 25 جويلية ..و بعيدا عن استباق الاحداث و بمناى عن التحميل الاحداث اكثر مما تحتمل و دون ايضا النفخ ايضا في اهداف هذه الزيارة التي لن تغير القليل او الكثير في العلاقات الامريكية التونسية على مدى اكثر من قرنين خاصة في الاتجاه الذي يامل البعض في ان تؤول اليه الزيارة و هو الدفع باتجاه ايقاف المساعدات الامريكية الى تونس كما سبق و دعا الى ذلك احد قيادات النهضة قبل استقالته ..
و الارجح ان الزيارة ستكون مناسبة ان يستمع الوفد لما يتعين سماعه بشأن المشهد الراهن و الازمة السياسية في بلادنا و هي ازمة تونسية غير قابلة للتدويل و لا تحتاج لاي تدخل او تاثير اجنبي لتجاوزها ..و ربما كان الافضل من كل الدعوات للاحزاب و المنظمات تنظيم لقاء صحفي يطرح فيع عضوا الكونغرس ما لديهم و يطرح خلالها الاعلاميون اسئلتهم المشروعة لا سيما و ان الادارة الامريكية و بعد الانسحاب المهين في افغانستان قبل اسبوعين كانت بادرت و على لسان الرئيس بايدن انها حريصة على ان تتعلم من اخطائها في التعاطي مع الملفات المفتوحة و انه ان الاوان للتوقف عن سياسة اليد الطويلة و دور الشرطي في العالم ..و هذا في الحقيقة ما كان الرئيس الاسبق اوباما المح اليه و هو ايضا ما تبناه لاحقا دونالد ترامب عندما خطط للاتسحاب من افغانستان و العراق و المح الى ضرورة التوقف عن التدخل في سوريا و هو ما بادر الى تطبيقه بايدن باعلانه ان بلاده لم تعد تريد الاستمرار في دور شرطي العالم…و ليس هناك من سبب لعدم تصديق ذلك بالنظر الى الخسائر المادية و البشرية و ما طال مصداقية امريكا نتيجة الحروب الطويلة التي خاضتها في اغلب القارات …بايدن كان واضحا في اعلانه ان الامر لن يقتصر على افغانستان و ان وجب وضع حد
لحقبة عمليات التدخل العسكري الكبرى الهادفة إلى إعادة بناء دول أخرى…