تلحيم وبس… ولا تهرطقوا
لم يكن ينقص الحاكم بأمره في لبنان إلا الإهتمام بتداعيات المضي بتحقيق يؤدي إلى معرفة ملابسات جريمة تفجير مرفأ بيروت وما تلاه من تصفيات ترتبط بالجريمة.
وعلى الرغم من الإنشغالات المصيرية، بات ضرورياً فرملة هذه التداعيات والتدخل مباشرة ووضع النقاط على الحروف حتى يستوعب المتهورون المتسرعون إلى أي منقلب سينقلبون لو فتح التحقيق على غاربه وتعمَّق وتوغَّل وصولاً إلى خيوط تضرّ ولا تفيد، لا سيما إذا ما رُبِطت الخيوط بالاغتيالات اللاحقة، حينها قد يسبق السيف العذل. ألا يفهم أصحاب الشركات والمنازل من المتضررين الميسورين القادرين على تكاليف بوالص التأمين أن المطلوب تسجيل الجريمة كحادث عابر ليقبضوا أموال التأمين على آخر بارة ويعوضوا خسائرهم ويعاودوا أعمالهم بما تيسر… ويا دار ما دخلك شر؟
فلتبقِ الأمور في إطار “Business Is Business”. هكذا أربح للجميع. وفيها إنقاذٌ لسمعة لبنان وسيرته وصورته… والأجدى قطع دابر التداول بشأننا في المحافل والمجتمعات الدولية. فلن يفيدنا أن يبيِّن أي تحقيق أن كبار القوم عندنا متورطون في صفقة نيترات الأمونيوم خدمة للبراميل المتفجرة التي تبيد الأبرياء من السوريين العزَّل. ولا بأس بتغييب صور الأقمار الصناعية التي أدارت عدستها عن ربوعنا لحظة الإنفجار، بفعل فاعل أو بسحر ساحر، وتجاهل التحقيقات والأبحاث التي قامت بها أجهزة الدول الكبرى التي حطت في ساحة الجريمة وأخذت ما أخذت من أدلة؟
لنبقَ في حيِّز التلحيم وما نتج عن التحقيق الأمني ولنبتعد عن الهرطقة. وأهالي الضحايا المعترضون يجب أن يعلموا أن هذا الترف ممنوع في لبنان، وخاصة عندما يتعلق بعامة الشعب الذين لا حقوق لهم في الأساس، فهم من ارتكب، طوعاً أو إكراهاً، جريمة إنتخاب أركان هذه المنظومة، وعلى رأسها الحاكم بأمره والمتحكم ببيئته الحاضنة الحنونة، ناهيك عن تحكمه بـ”شركائه” من أهل السلطة الصوَرِية سلطتهم، عندما يتعلق الأمر بالسيادة ومصير البلاد والعباد.
وليس مهماً إذا تظاهر أهالي الضحايا وهددوا ونددوا بتنحية القاضي فادي صوان عن التحقيق. فليتظاهروا قدر ما يشاؤون ويفشوا خلقهم. لكن أن يطالبوا بالعدالة والحقيقة، فهذا لعمري دليل على سذاجتهم. هم لا يفقهون ولا يرعوون ولا يشكرون ولا يحمدون إعتبار من قضى من آبائهم “شهداءً” يحوزون على تعويضات من الهيئة العليا للإغاثة.
ولكن، ماذا عن الكافرين بالتعويضات المادية والعاصين على التدجين؟ لعلهم لا يقدمون ولا يؤخرون في مسألة التحقيقات القضائية المبتوت بأمر طيِّها ووضعها في درج مخصص لمثيلاتها وما أكثرها؟ ماذا عن صرخة والدة الفتى إلياس خوري التي صوبت البوصلة رافضة تسمية “شهيد” ومصرَّة على تسمية “ضحية” ومطالبتها بتحقيق دولي؟
الحاكم بأمره لا يترك نقطة أو فاصلة سائبة. لذا كان التوجيه المباشر، ليس لفظاعة الجريمة أو لأن الحساسية ضد الإتهامات باتت في أعلى منسوب لها، وتحديداً بعد إعدام لقمان سليم. ولكن لأن الحرص واجب. وإهمال التفاصيل ليس من شيم المحور.
لذا كان أمر ذلك اليوم والأيام اللاحقة: تلحيم وبس… إسحبوا الملفات التي تشوِّش علينا… ليس مهماً أنكم تعرفون حقيقة كل جريمة ترتكب. المهم أن تُقيَّد ضد مجهول ولا توثَق… تضبضبوا ولا تهرطقوا.