الحدث

“نوم” المصارف التجارية مع مصرف لبنان “في العسل”… إلى نهايته غير السعيدة وصل هل يكون الإعلام 939 مقدّمة لملاحقة البنوك أم تمهيداً لإرجاع الودائع الصغيرة؟

صغار المودعين قد يسترجعون كامل ودائعهم بالدولار النقدي قريباً

خالد أبو شقرا-نداء الوطن

أثار طلب “المركزي” من المصارف العاملة في لبنان تزويده بأرصدة ودائع الزبائن لديها بالليرة اللبنانية والعملات الأجنبية بثلاثة تواريخ مختلفة، عاصفة من التساؤلات والتكهنات. فما خلفية “الإعلام”؟ وما هي الأسباب الموجبة لإصداره متأخراً بعد نحو سنة ونصف السنة على انفجار الأزمة؟

هل يبحث مصرف لبنان عن آخر دولار متوفر لـ”يحرقه” في “آتون” الدعم كما يفترض البعض؟ أم أنه يجري جردة حساب واقعية تمكنه من محاسبة المصارف التي استنسبت بالتحاويل إلى الخارج بعد 17 تشرين الأول، والضغط لتفعيل التعميم 154 بعد أن وصل إلى ما يشبه الحائط المسدود؟ أم أن الغرض من “الإعلام” هو معرفه القدرة الحقيقية للمصارف في حال عقد النية على توزيع ما تبقى من احتياطي عملات صعبة على صغار المودعين؟

التقصي عن التحويلات

الأكيد أن الإعلام رقم 939 “ليس روتيناً إدارياً يقوم به مصرف لبنان”، يقول المستشار المالي د. غسان شمّاس، فـ”البنوك تبلّغ “المركزي” تلقائياً مرتين في الأسبوع بحركة الودائع الداخلة والخارجة، لكي يتم تعديل الإحتياطي الإلزامي بشكل مواز”. إلا أنه كما يظهر، فان هذه العملية التي تسمى Real-Time Gross Settlement (RTGS) لم تعد كافية بالنسبة لمصرف لبنان ليحدد إن كانت المبالغ المسحوبة من الودائع هي بالدولار النقدي أو اللولار.

في الظاهر، يبدو “الإعلام” إحصائياً، إنما في الباطن يحمل تأويلات كثيرة؛ أولها إنتهاء أيام “النوم في العسل” بين “المركزي” والمصارف. فالإصرار على معرفة حجم الودائع بتاريخ 31-12-2015 و 31-9-2019 كما في 31-3-2021، من دون أن تشمل الحسابات في 31-3-2021 أية حسابات مفتوحة بعد تاريخ 31-10-2019 وأية أموال جديدة في الحسابات القائمة، “يمكّن مصرف لبنان من معرفة الحسابات بالدولار التي جرى التحويل منها إلى الخارج بعد 2015 ونهاية 2019″، بحسب شمّاس، أمّا “عدم طلب أسماء أصحاب الحسابات، لغاية الآن، وعدم تقسيم المبالغ بالدولار المطلوب الإفصاح عنها إلى شطور، يعني أن اهتمام المركزي منصب على المصارف بشكل خاص، وعلى التحويلات التي أجرتها إلى الخارج. وبالرغم من عدم وجود أي قانون يدين المصارف التي حولت أموالاً لعملائها، فان جردة الحساب هذه، تتيح للمركزي الضغط على المصارف من أجل تطبيق التعميم 154 الذي جرى تمييعه وعدم الإلتزام به”، بحسب شماس، فـ”التعميم المذكور يفرض على المصارف “حث” عملائها، ممن حولوا أكثر من 500 الف دولار إلى الخارج ابتداءً من 1 حزيران 2017، على وضع 15 في المئة من هذا المبلغ في حساب خاص، إذا كانوا مودعين عاديين، و30 في المئة إذا كانوا من مسؤولي المصارف أو سياسيين. لانه من الممكن أن يكون القسم الكبير ممن استفادوا من تحويلات إلى الخارج مقربين من المصرف أو سياسيين أو أعضاء في مجلس الإدارة أو من حملة الأسهم”.

وعليه “فان “المركزي” سيفرض التدابير والعقوبات المنصوص عليها في القانون رقم 44/215 في حال التقاعس في تطبيق التعميم، والملاحقة بواسطة اللجنة الخاصة للتحقيق وتبييض الأموال للضغط على المعنيين لارجاع المبالغ المطلوبة”.

إعادة الودائع الصغيرة!

الرجوع إلى أرصدة ودائع الزبائن بالليرة والعملات الأجنبية في نهاية العام 2015، “يُظهر أساس الحسابات ومعرفة حجمها، فيما التدقيق في الودائع بنهاية تشرين الأول 2019 يبيّن حجم الأرصدة قبل تهريب الأموال إلى الخارج”، برأي الخبير المصرفي ميشال قزح، والهدف “إجراء إحصاء دقيق لمعرفة قدرة المصارف على إرجاع نسبة من ودائع الدولار للمودعين، بعد تطبيق قانون الكابيتال كونترول وتوقف الدعم”.

إنطلاقاً من تصريح حاكم مصرف لبنان في 15 شباط 2020 أمام رئيس الجمهورية أن قيمة العملات الأجنبية في المركزي تبلغ 21 مليار دولار، وبالنظر إلى ما تم إهداره شهرياً من احتياطي الودائع الأجنبية على الدعم، يمكن الإستخلاص، بحسب قزح، أن “المبلغ المتوفر من العملات الأجنبية في المركزي لغاية نهاية نيسان الفائت يبلغ 9 مليارات دولار. ما يعني عملياً تخطي المركزي حاجز الإحتياطي الإلزامي بحوالى 6 مليارات دولار، إذا افترضنا أن الإحتياطي 15 ملياراً”.

هذا المبلغ المتبقي، سيعمد “المركزي”، بتقديرات قزح، إلى “توزيعه على المودعين بعد توقف الدعم”. المعادلة التي يجري البحث فيها هي إعطاء 85 في المئة من صغار المودعين الذين يملكون أقل من 50 ألف دولار كامل ودائعهم، بكلفة تتراوح بين 6 و7 مليارات دولار، وبأقساط شهرية تقدر بين 200 و 500 دولار. إلا أن هذه الفرضية تبقى مرهونة بالمعادلة التي ستعتمد، وبكيفية توزيع الإحتياطي على المودعين. فلغاية اليوم يبلغ إجمالي ما يملكة مصرف لبنان من احتياطي عملات أجنبية، من وجهة نظر قزح” “حوالى 28 مليار دولار، موزعة على الشكل التالي: 9 مليارات من احتياطي الدولار، وما يقارب 19 ملياراً من احتياطي الذهب، فيما مطلوباته تبلغ 110 مليارات دولار منها: 78 ملياراً بالدولار وما يوازي 32 ملياراً بالليرة اللبنانية. ما يعني أن الفجوة النقدية بالدولار تبلغ 50 مليار دولار، حتى بعد دفع كامل الاحتياطي وتسييل الذهب. وبرأيه فان ما يجري التخطيط له هو استنزاف كامل الإحتياطي خلال الفترة القصيرة المقبلة، والإنتقال إلى تسييل الذهب تحت حكم الأمر الواقع. عندها لا تعود هناك أي مظلة نقدية تحمي الإقتصاد اللبناني. من بعدها قد تجري تصفية أو إجراء “سواب” على أملاك “المركزي”، التي تتوزع بين طيران الشرق الأوسط، والكازينو، وشركة انترا، وملايين الأمتار من العقارات في رومية والمونتي فردي… وغيرها من المناطق اللبنانية.

ما بين ملاحقة الأموال المهربة وإرجاع الودائع بالدولار… هناك من يفترض أن الغاية من “الإعلام” هي تشكيل غطاء يسمح للمركزي بمصادرة رخص المصارف التي استنسبت في علمية التحويل، ولم تطبق التعميم 154 من دون إثارة ضجة كبيرة على الصعيد الداخلي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى