التصعيد في المشهد الاقليمي من «بوابة» اليمن عبر استهداف «انصار الله» للعاصمة الاماراتية ابوظبي، دحض كل التحليلات والتأويلات التي ربطت عودة «الثنائي الشيعي» الى جلسات مجلس الوزراء بحصول انفراجة اقليمية سعودية –ايرانية، وكذلك حصول تقدم في محادثات فيينا. وقد ثبت ان القرار جاء في توقيت مناسب بعدما نجح حزب الله في اقناع رئيس مجلس النواب نبيه بري بان مقاطعة جلسات الحكومة لم تعد مجدية في ظل الانهيار الاقتصادي المتمادي، ما يبعد لبنان عن «طاولة» المساومة الاقليمية. واذا ما سارت الامور وفق التفاهم المفترض مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فانه يمكن الحديث عن تحييد للساحة اللبنانية عن «طلعات ونزلات» التفاوض الساخن في الاقليم، ويبقى الرهان على «تفهم» رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي لدقة المرحلة التي تقتضي الابتعاد عن الملفات الخلافية والتركيز على حل الازمات المعيشية المستفحلة، وستكون الساعات المقبلة حاسمة، لتحديد اكثر من مسار، اهمها المسار القضائي في تحقيقات المرفأ، وملف التعيينات، حيث سيبلغ ميقاتي الرئيس عون اليوم بانه لن يقبل بالبحث فيها. وفيما سيكون «الكباش» بين القاضية غادة عون وحاكم المصرف المركزي رياض سلامة امام محطة جديدة اليوم في ظل السباق بين تبلغ عون طلب «الرد» صباحا وبين نيتها اتخاذ اجراءات جديدة بحقه، سيكون الملف النقدي على طاولة المجلس المركزي لمصرف لبنان الذي سيبحث غدا الاربعاء مفاعيل التعميم 161 بعد الانكماش في السوق بعد ان ضخ مصرف لبنان نحو 83مليون دولار عبر منصة صيرفة. وربطا بالتطورات الاقليمية، لا تزال اسرائيل ناشطة على خط «التشويش»، وهذه المرة من «البوابة» السورية، فيما حذرت مصادر دبلوماسية من عمليات امنية اسرائيلية في لبنان!

تحييد الساحة اللبنانية

وفي انتظار جلسة الاثنين المقبل المفترضة لمناقشة الموازنة التي يفترض ان تنتهي مسودتها قبل نهاية الاسبوع الحالي، بعدما سمحت تدابير «المركزي» بتهدئة سوق النقد لتسهيل احتساب الارقام على سعر مستقر للدولار الاميركي، فان الالتزام بتخفيض الاسعار ربطا «بتقهقر» الدولار كان عشوائيا وغير منتظم، فيما أسعار المحروقات لن تنخفض بشكل كبير مع تراجع الدولار بسبب ارتفاع أسعار النفط عالمياً؟ وحول العودة الى الحكومة، لفتت اوساط مقربة من «الثنائي الشيعي» الى ان ما جرى من تطورات اقليمية في الساعات القليلة الماضية يشير بوضوح الى وجود رغبة واضحة خصوصا من قبل حزب الله لتحييد لبنان عن ازمات المنطقة وملفاتها التفاوضية التي تشهد تفاوضا «بالحديد والنار» بالتوازي مع الكلام السياسي على «طاولة» التفاوض الايرانية- السعودية او في فيينا، ولهذا يمكن القول مجازيا ان ما حصل في الملف الحكومي يقع في اطار «التراجع عن الخطأ فضيلة» بعدما اضطر حزب الله الى «مسايرة» الرئيس نبيه بري في هذه الخطوة على الرغم من عدم القناعة بها، وقد وصلت عين التينة اخيرا الى قناعة بعدم الفائدة من الاستمرار بالضغط عبر مجلس الوزراء بعدما بلغت الازمة الاقتصادية منحا خطيرا، وبات ضروريا تفعيل العمل الحكومي ورفع مسؤولية «التعطيل» عن «الثنائي».

«تنسيق» لا فرض

وفي هذا الاطار، تؤكد تلك الاوساط ان «الثنائي» لم يفرض جدول أعمال محدد على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ومن يروج لهذا الكلام يسعى الى «دق اسفين» مع رئيس الحكومة الذي نسق مع حزب الله والرئيس بري مسالة العودة الى جلسات الحكومة، وجرى تحديد مشترك لأولوية إقرار الموازنة ومناقشة خطة التعافي المالي، وخطة الكهرباء، كمدخل للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وهذان البندان يؤمنان استقرار الحكومة ويبعدانها عن البنود الخلافية غير المجدية الان.

الاختبار القضائي؟

ووفقا لمصادر مطلعة، ستكون هذه الخطوة امام اختبارات جدية في الايام القليلة المقبلة ستسمح بمعرفة كيفية «تسييلها» على ارض الواقع، فاما تكون مقدمة لفصل الملفات الخلافية عن معالجة الاوضاع الاقتصادية الملحة، او نكون امام «مطب» جديد عنوانه «الصراع» السياسي المحتدم على «ابواب» الانتخابات، وعنوان هذا الاختبار سيكون قصر بعبدا حيث تقع على عاتق الرئيس عون وفريقه السياسي مهمة تحديد مسار الامور بعدما اخرج «الثنائي الشيعي» نفسه من تهمة التعطيل. وسيكون الاختبار الاول قضائيا ، فبعد ان فقدت «الهيئة العامة» لمحكمة التمييز النصاب القانوني، بإحالة القاضي روكز رزق الى التقاعد، سيبقى القاضي طارق البيطار «مشلولا» بسبب تأخير البت في الدعاوى المقدمة إليها بشأن جريمة المرفا، والمخرج الوحيد لحالة الاستعصاء القضائي تكون بإصدار تشكيلات جزئية لتعيين رؤساء محاكم تمييز أصيلين في ظل تعذر إصدار تعيينات قضائية شاملة بسبب الخلافات السياسية المستفحلة بين بعبدا وعين التينة.

عبود لم يكن حاسما؟

ووفقا للمعلومات، لم يكن رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود جازما في قرار ملء الشواغر قريبا خلال لقائه مع اهالي ضحايا المرفا بالامس، والمح الى ان الساعات المقبلة ستكون حاسمة في هذا الملف، لكنها تحتاج الى مزيد من التشاور،موحيا بان المسألة تتعلق بالسياسة وليس بالقضاء. وتجدر الاشارة الى ان تعبئة الفراغ تقتضي اجراء تشكيلات قضائية جزئية على غرار التشكيلات العادية، وهي تحتاج الى انعقاد مجلس القضاء الاعلى لاقتراح تلك التشكيلات بالاكثرية، ورفع هذا المشروع الى وزير العدل، لكي يرفعه بعد توقيعه الى رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير المال الذي سيشكل العقبة الرئيسية امام احتمال مماثل. اي ان التعيين يحتاج الى مرسوم عادي وبمقدور رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يمون على عبود وعلى وزير العدل المحسوب على فريقه السياسي الدفع لإصدار هذا المرسوم وتأمين النصاب القانوني لهيئة محكمة التمييز.

ووفقا لمصادر سياسية مطلعة، ستكون الساعات القليلة المقبلة حاسمة لجهة قرار رئيس الجمهورية في هذا المجال، فاما يبادر الى التعجيل في تعيين قاض بديل وبالتالي يعيد الامور الى «نقطة الصفر» رافعا من جديد الحرارة الى «خطوط التماس» مع عين التينة، واما يعمد الى وضع الملف في «الجارور» الى اطول مدة ممكنة ريثما يتم تقطيع جلسات الموازنة ودراسة خطة التعافي.وفي هذا السياق، اكدت مصادر بعبدا بان الرئيس لن يكون عقبة امام اي ملء شواغر قضائية اذا كانت في مكانها،وليس في وارد «تسييس» هذا الملف، او اخضاعه «للتسويات».

عقبات امام «ملء الفراغ»!

لكن مصادر نيابية بارزة، ترى ان ملء الفراغ دونه عقبات لان اكتمال نصاب الهيئة العامة يحتاج إما الى توقيع التشكيلات القضائية الموجودة لدى رئاسة الجمهورية والتي يرفض الرئيس توقيعها، وإما إجراء تشكيلات جزئية تشمل محاكم التمييز، واذا كان عون لن يوقع على الاولى، فانه لن يتمكن من تمرير الثانية لانها ستفتح معركة سياسية –قضائية كبيرة في البلاد في ظل الانقسام الحاد على التعيينات، ولهذا فان تجميد التحقيق بقضية المرفأ قد يبقى مدة طويلة مع توجه المتضررين الى رفع دعاوى جديدة لمخاصمة الدولة أمام الهيئة غير المكتملة، وبمجرد تبليغ البيطار مضمون الدعوى، يتعين عليه وقف ملاحقاته الى أن يصدر قرار عن الهيئة بقبولها أو رفضها، وهو امر غير متاح اي ان «كف» يده مستمر عمليا.؟

«لغم» التعيينات؟

اما «اللغم» الثاني فيرتبط بملف التعيينات، فيمقاتي والرئيس بري متفقان على ضرورة عدم منح رئيس الجمهورية اي فرصة لتحقيق انجازات من «بوابة» التعيينات قبل نهاية عهده، كما لا يريدان المس ببعض التعيينات الحساسة وفي مقدمتها رئاسة المصرف المركزي، وتبقى «الكرة» الان في ملعب رئيس الجمهورية، فاما يسلم بحصر الجلسات بالبنود المعيشية والاقتصادية او يختار فرض بند التعيينات على جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء، ووفقا للمعلومات، يتجه «الثنائي الشيعي» للناي بنفسه عن خوض غمار هذه المواجهة مع عون وسيكون الرئيس ميقاتي «راس حربة» في منع تعديل جدول الأعمال، وفي اللقاء اليوم بينهما في بعبدا سيكون رئيس الحكومة واضحا امام عون في رفض الخوض في اي تعيينات قبل الانتخابات النيابية المقبلة، وهو لن يقبل بان تتجاوز بعبدا صلاحياته الدستورية بوضع جدول اعمال الجلسات الحكومية.!

بري والمعركة «الشرسة»؟

وفي سياق التاكيد على ابقاء النّزاع في ملف المحقّق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار قائماً، رأى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أنّ قدر أيّ بلد لا تُطبّق فيه الدّساتير والقوانين سيكون الانهيار، معتبراً أنّ لا إنقاذ إلّا بالعودة إلى الالتزام بقواعد الدّستور. وفي هذا السياق، تؤكد مصادر نيابية ان «شراسة» المواجهة التي يخوضها بري في مواجهة البيطار لا تتعلق فقط بالاستنسابية السياسية في ملاحقة نواب محسوبين على «كتلة التنمية والتحرير»، كونه يعرف ان هذه الاتهامات ساقطة، ولن تصمد امام اي محكمة، فالمعركة ليست براءة هؤلاء من عدمها، وانما المعركة هي معركة الحفاظ على سيادة مجلس النواب، وعدم التطاول عليها، وهو لن يسمح للمس بصلاحياته، كي لا يؤسس على هذه القرارات لتهميشه في المستقبل.

«امل»: المواجهة مستمرة

بدوره جدد المكتب السياسي لحركة امل التاكيد على عدم التراجع عن المواجهة مع المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار، وفي محاولة لنفي الكلام عن وجود تسوية في الملف، اكدت» أمل» موقفها الرافض لأداء البيطار، معيدةً التأكيد أنّه أداء منحرف ومنحاز ومسيّس «انطلاقاً من أجندة موضوعة له لتصفية حسابات سياسية وفي محاولة يائسة لوضع اليد ومصادرة دور وصلاحية المجلس النيابي

تحقيق دولي؟

وفيما نفى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن يكون قد طلب سراً من بعض الجهات التنسيق مع أهالي شهداء المرفأ لتقديم دعاوى جديدة ضدّ المحقق العدلي، طارق البيطار، بسبب «استنسابيته»، عادت المطالبة بفتح تحقيق دولي في تفجير المرفأ الى الواجهة من جديد من قبل عدد من أهالي شهداء مرفأ بيروت الذين اعتصموا وقطعوا طرقات ومداخل قصر العدل، مؤكّدين دعمهم للمحقّق العدلي طارق البيطار، خوفا من ان تكون عودة وزراء «الثنائي الشيعي» إلى مجلس الوزراء مرتبطة بتسوبة على حساب القاضي « المجمدة» تحقيقاته. ورفع المعتصمون لافتات تندّد بـ السلطة السياسية الفاسدة والمسؤولين في الدولة من أجل تمييع ملف التحقيق والتلاعب على القانون العفن وقبع القاضي العدلي طارق بيطار، وأعلنوا أنّه في حال استمرّت المراوحة والتهديدات وتمييع القضية فسوف يلجاون إلى المطالبة بالتحقيق الدولي. كما اعتبروا أن تعميم المذكرات الصادرة عن القضاء لا يكفي، بل يجب على القوى الأمنية تنفيذها.

«التشويش» الاسرائيلي مستمر

في هذا الوقت، وبعد ساعات على قيام اسرائيل ب»التشويش» على الساحة اللبنانية، وتسريب معلومات عن تزويد لبنان بغاز اسرائيلي برعاية اميركية، وهو ما نفته وزارة الطاقة اللبنانية، ووزارة الخارجية الاميركية، تحدثت عن دور روسي محوري لتغيير وجهة المنطقة من «البوابة» السورية ما سيؤدي الى محاصرة حزب الله في لبنان. وكشفت صحيفة «اسرائيل اليوم» عن قيام عدة دول عربية باعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري وفي مقدمتها مصر، والإمارات، والاردن،وتونس، وعُمان، والعراق والجزائر، وكذلك السلطة الفلسطينية. ولفتت الى ان الهدف هو خلق آفاق مغرية للأسد كي يبتعد عن إيران. وبحسب مصدر امني اسرائيلي، ففي ضوء التغييرات التي نشهدها في الشرق الأوسط باتت الدول الساعية لاستئناف العلاقات مع سوريا تدرك أن الأسد لم يعد هو المشكلة في الوضع الحالي، والمفارقة أن العالم الغربي أدرك أيضاً بأنه كذلك بعدما اثبتت المصادر الاستخبارية عدم صحة توقعاتها برحيل الأسد عن الساحة السياسية في غضون أسبوعين – شهر. !

«وساطة» روسية ؟

وبحسب الصحيفة، فان اسرائيل ترى ان التجربة تستحق المحاولة مع الاسد لإحداث تغيير جوهري في المنطقة، وزعمت ان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ابلغ المسؤولين الاسرائيليين ان موسكو مستعدة لتأدية دور في التقريب بين إسرائيل وسوريا، إذا ما كان هذا طلباً إسرائيلياً رسميا! كما ان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يلعب دورا مركزيا في هذه المحاولة اتجاه دمشق، لإبعاد الإيرانيين. واعترف مسؤول اسرائيلي ان المهمة ليست سهلة، لكنها ممكنة.؟

عمليات امنية مرتقبة؟

وفي هذا السياق، اكدت مصادر دبلوماسية ان التسريبات الاسرائيلية الممنهجة اتجاه لبنان وسوريا تندرج في سياق «التخريب» على اي خطوات ايجابية في الملف النووي الايراني، حيث تسعى تل ابيب الى تحقيق اختراقات في ساحات اخرى تعتبر «حديقة خلفية» لطهران، ولهذا لم تستبعد ان تشهد الايام المقبلة تصعيدا في الغارات الاسرائيلية على سوريا، وكذلك عمليات امنية في لبنان ودول الجوار، وكل المعنيين على الارض في هذه الاجواء، ووفقا للمعلومات اتخذت اجراءات احترازية في اكثر من منطقة حساسة، نتيجة معلومات موثقة في هذا السياق!

الاسد لن «يبيع» حزب الله وايران

اما عن الدور الروسي، فمن غير المستبعد، براي تلك الاوساط، ان تقوم موسكو بمحاولة «تشبيك» العلاقات بين اسرائيل وسوريا، وهي من خلال «غض الطرف» عن الغارات الاسرائيلية تحاول الضغط على دمشق وطهران، لكن الرئيس السوري ليس في وارد الرضوخ لضغوط مماثلة وليس في وارد مقايضة عودته الى «الساحة» العربية والدولية بفتح قنوات اتصال مع اسرائيل على حساب علاقته بطهران وحزب الله،وهو لن «يبيع» ايا من الطرفين.