دونالد ترامب

  • ماذا لو فعلها ترامب؟

     ناصر قنديل-البناء – شكلت الإقالة المستعجلة لوزير الدفاع الأميركي مايك إسبر، بالنسبة لإدارة تعدّ الباقي من أيامها، وما رافقها من تحليلات وتعليقات ومواقف تحذّر من خطورة إقدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مغامرة عسكريّة، مناسبة لتساؤلات تطال فرضية قيام ترامب بإصدار الأوامر باستهداف المنشآت النوويّة الإيرانيّة. وتشارك في هذه التساؤلات أكثر من فريق، أعداء إيران وقوى المقاومة لم يكتفوا بطرح تساؤلات بل عبروا عن رغبات وتمنيات وبدأوا حملة ترويج تنسجم مع حاجتهم لتعزية في خسارتهم لموقع ترامب في البيت الأبيض وخشيتهم من مبادرة الرئيس المنتخب جو بايدن لإعادة العمل بالتفاهم النووي مع إيران. الفريق الثاني تمثل بالاهتمام الإيراني ولدى فريق المقاومة ومناصريها من موقع القلق من خطوة تقلب الطاولة بوجه الجميع، خصوصاً أن التشجيع والتحريض الإسرائيليّ على عمل عسكري أميركي يستهدف إيران لم يتوقف منذ إعلان ترامب الانسحاب من التفاهم النووي مع إيران. أما الفريق الثالث فتتسع مساحته من الفريق المعاون لبايدن الى مؤسسات الإعلام الأميركي وصولاً إلى المؤسسات الأوروبية السياسية والإعلامية، وصولا لاهتمام روسي وصيني ينطلق من إدراك احتمالات التهور في إدارة ترامب من جهة، وحجم المخاطر المترتّبة على أية مغامرة عسكرية في هذا التوقيت وتداعياتها على كل المعادلات السياسية والعسكرية وعلى الاستقرار الأمني والسياسي في العالم من جهة مقابلة. – لأن السياسة هي فن المواءمة بين المنطلقات والإمكانات، كمحاولة لردم فجوة الوقت بينهما، فالنقاش يبدأ من المنطلقات وينتهي بالإمكانات، ولأن البحث بالمنطلقات ليس عقائدياً ولا منهجياً بل محكوم بالظرفية، باعتبار مثل هذا الخيار كان مستبعداً قبل حلول اللحظة الانتخابيّة وحراجتها، رغم وجود الاعتبارات العقائدية لدى ترامب وفريق عمله. والبحث في المنطلقات هنا هو بحث بمدى تشكيل التفكير بمغامرة عسكريّة مدخلاً لتغيير المسار الذي ارتبط بالإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية، ولأن الحرب تقع عندما يقع أحد فريقيها بسوء تقدير للإمكانات، مبالغة بتقدير إمكاناته أو تخفيفاً وتهويناً في تقدير إمكانات خصمه، فإن نقاش الإمكانات يقصد به وعي إدارة ترامب وفهمها لتوازن القوى الذي يعكس الإمكانات. – في المنطلقات يشكل الحديث عن فرضيّة مغامرة عسكريّة مصدراً للبحث في ثلاثة شروط يجب توافرها، الأول هو شرط أميركي داخلي سواء على مستوى الرأي العام أو الكونغرس أو المؤسسة العسكرية، والثاني هو شرط سياسي يرتبط بقراءة النتائج المفترضة لهذه المغامرة، وهنا أيضاً أسئلة عن نوع التغيير الذي سينجم عن هذه المغامرة على القضية الأساس وهي نتيجة الانتخابات ومصير الرئاسة الأميركية، وعن حجم التأثير على الاعتراف بشرعيّة الرئيس ترامب داخلياً وخارجياً، والنظرة نحوه ونحو أهليّته لقيادة قوة بحجم أميركا ومن خلالها قيادة مفترضة على المستوى العالمي في ظل انقسامات كبرى أحدثتها خطواته السابقة وأفقدته الكثير من الثقة بهذه الأهليّة، والثالث هو شرط ظرفيّ، أي تطور في الموقف الإيراني وفي الملف النووي الإيراني، والنشاط العسكريّ الإيراني يشكل نقطة انطلاق لتفسير وتبرير نقلة نوعية بهذا الحجم في سياق المواجهة، والشرط الظرفيّ ليس فبركات يمكن تلفيقها تدّعي الإدارة علمها به بمقدار ما يحتاج نسبة عالية من الشرعيّة تبدأ من الوكالة الدولية للطاقة الذرية كمعنيّ أول بالملف النووي الإيراني، يعلن عن وصول متابعة الوكالة لهذا الملف الى طريق مسدود. – في دراسة معادلة الإمكانات، وكيفية نظرة إدارة ترامب لها بالتحديد، ثمة وقائع سابقة لتاريخ فرص التصعيد وفرضيات المواجهة، وفيها إسقاط طائرة التجسس الأميركيّة العملاقة وكيفيّة تعامل إدارة ترامب معها، وانكفاؤها السريع تجنباً للمواجهة، ونموذج ما بعد عملية استهداف منشآت آرامكو في السعودية وتفادي إدارة ترامب مخاطر التصعيد، أما استحضار نموذج اغتيال الجنرال قاسم سليماني فيحضر قبالته خطر ردّ أشد هذه المرة، خصوصاً أن الجانب الإيراني كان واضحاً في تهديده من ردّ يستهدف العمق الإسرائيلي وخصوصاً مفاعل ديمونا، في حال أيّ ردّ أميركي على الردّ الذي استهدف قاعدة عين الأسد الأميركيّة في العراق، بالإضافة الى استهداف القواعد والأساطيل الأميركية في الخليج. وهنا يطرح البعض سؤالاً معاكساً، هل يمكن أن تستثمر إيران وقوى المقاومة مغامرة ترامب المفترضة لفرض تغييرات في الخريطة العسكريّة الإقليميّة، بحيث يواجه الرئيس الأميركي المنتخب وقائع معاكسة لما كان يرغب ترامب له أن يراه.

    أكمل القراءة »
  • إدارة ترامب تفقد صوابها: لا استسلام

      الأخبار لم تكن تنقص حفلةَ الجنون المحيطة بانتخابات الرئاسة الأميركية، إلّا إيمان دونالد ترامب بأن نضاله القضائي سيعيده رئيساً…

    أكمل القراءة »
  • شهران من حبس الأنفاس: ترامب يفكّر في عمليات ضدّ إيران!

    تحوّل إسبر إلى آخر ضحية بين كبار مسؤولي الأمن القومي الذين سقطوا خلال عهد ترامب (أ ف ب )  …

    أكمل القراءة »
  • هل يكون بايدن رئيس الترميم ومراجعة الملفات الشرق أوسطية الكبرى؟

     العميد د. أمين محمد حطيط*-البناء   لم يعرف العالم رئيساً أميركياً أحدث في العلاقات الدولية وأفسد في الملفات الأساسية الكبرى فيها كما شهده مع دونالد ترامب الرئيس الأميركي الحالي، الذي فشل في تجديد ولايته، وبات عليه ان يخرج من البيت الأبيض مذموماً مدحوراً يندب حظه ويلوم من خذله أو خانه. يخرج ترامب من الحكم مخلفاً وراءه كمّاً من الملفات الدولية الكبرى التي أفسد مساراتها والتي ينتظر الأطراف المعنيون بها تدخلاً أميركياً مغايراً للغطرسة والجنون الترامبي في تداولها، ولوضع حدّ للإفساد الذي أحدث خللاً فظيعاً في العلاقات الدولية وتسبّب بأضرار بالغة فيها على أكثر من صعيد، اما منطقة الشرق الأوسط فقد نالها من عدوانية ترامب وجشعه وجنونه الكثير الكثير من الأذى الذي أنزله فيها مقابل أموال نقدية أو عينية دفعها له من كان مستفيداً من أفعاله السيئة تلك، ولهذا يعوّل من هو على صلة بتلك الملفات على خلف ترامب من أجل أن يصلح ما أفسد فهل يفعل خاصة على صعيد الملفات التي تعنينا مباشرة في المنطقة؟ وهنا… وبعيداً عن قضايا التسلح والمناخ والتحالفات والعلاقات الدولية والحروب الاقتصادية والأمنية والسياسية التي تشنّها أميركا على أكثر من صعيد، فإنّ الملفات التي تؤثر فيها أميركا في منطقتنا ليست بالحجم الصغير من الوضع السوري والعراقي الى الملف النووي الإيراني الى صفقة القرن الى التغوّل التركي والجموح الخليجي وكلها مواطن حامية تتأثر بالقرار والأداء والسلوك الأميركي ما يجعلنا نطرح السؤال حول مسار السياسة الأميركية الجديدة في تلك المواطن وكيف سيكون فيها أداء الرئيس الجديد جو بايدن الديمقراطي المسنّ وثاني كاثوليكي يصل الى الحكم في أميركا بعد جون كنيدي، وهل ستكون انقلابات دراماتيكية على قرارات ترامب في هذه الملفات؟ أم أن للدولة الأميركية العميقة قرارات ومسارات أخرى لا تتنكر لما سبق؟ بداية لا بدّ من التنويه انه رغم كلّ ما قيل ويقال من أوضاع أو حالات انقلابية تشهدها أميركا مع تغيير رأس الدولة هو أمر لا يمكن الاخذ به على إطلاقه، حيث انّ الحقيقة تبدو خلاف ذلك. اذ رغم انّ شخصية الرئيس أساسية في الدولة فإنّ هناك معايير وضوابط في النظام الأميركي تمنع تشكل الحالات الانقلابية الجذرية الحادة وتحول دون إحداث انقطاع مع الماضي، وبالتالي فإنّ الرئيس الجديد أيّاً كان هذا القادم الى البيت الأبيض يجد نفسه ملزماً بالتعامل مع إرث السابق المغادر كيفما كان هذا الإرث على قاعدة «انّ الحكم استمرار» مع الأخذ بعين الاعتبار حالات من الشذوذ الاستثنائي كما حصل مع ترامب وقراراته الانقلابية. فالرئيس القادم يرث تركة السابق ويتعامل معها على أساس أنها أمر واقع يعني أميركا ثم يعمل على الترميم والتصحيح من أجل التطوير وقلما نشهد حالات انقلابية جذرية كما كان يفعل ترامب في ملفات محدّدة. لقد خلف ترامب ملفات كبرى تعني منطقة الشرق الأوسط وتتطلب قرارات من الرئيس الجديد جو بايدن لمعالجتها تصحيحاً أو ترميماً أو تغييراً، ما يطرح السؤال عن مسارات السياسة الأميركية الجديدة حيال تلك الملفات مع التغيير الحاصل في رأس الدولة بعد الانتخابات الرئاسية التي منعت ترامب من البقاء في البيت الأبيض لأربع سنوات جديدة. وهنا، ومع الاخذ الحتمي بمبدأ استمرارية عمل الدولة فإنّ تغييراً قد يحكم الأداء الأميركي حيال تلك الملفات بشكل متفاوت تغييراً فرضته موازين القوى الجديدة وتعثر ترامب وفشله في الوصول الى نهائيات الملف ونزعة بايدن للترميم والتصحيح انطلاقاً من الدرجة التي وصلت اليها تلك الملفات وفقاً لما يلي: 1 ـ الحرب على سورية والوجود الأميركي فيها وفي العراق: من خلال المواقف المعلنة والوقائع القائمة على الأرض لا نتوقع ان تتخذ إدارة بايدن قراراً بالانسحاب من البلدين، وستكون السياسة الأميركية في ظلّ الرئيس الجديد متجهة لوضع لا يشكل إعلان هزيمة «الربيع العربي» فيهما وهو «الربيع» الذي أطلقه الديمقراطيون في ظلّ ولاية أوباما ولذلك سيكون على البلدين التعامل مع إدارة أميركية ستحاول بعد الفشل في وضع اليد على كامل البلاد ستحاول تفعيل ملفات التقسيم والتجزئة التامة خاصة أنّ بايدن صاحب مشروع التقسيم أصلاً وانّ أرضيته تتشكل رويداً في شمالي شرقي الفرات سورياً وفي الشمال العراقي في إقليم كردستان. وصحيح انّ قرار التقسيم ليس أمراً سهلاً تحقيقه في ظلّ المتغيّرات الميدانية القائمة إلا أنه بات خطراً ارتفعت نسبة شدّته عما كان قائماً ما يعني انّ البلدين لن يشهدا في ظلّ إدارة بايدن انفراجات قريبة تعيدهما الى الوضع الطبيعي إلا بعمل استثنائي سياسي وعسكري يحصل بدعم من الحلفاء وهو أمر بات ملحاً كما انه غير مستبعد. 2 ـ «صفقة القرن» سيكون التجميد فيها هو الوجهة المرجحة مع وجود بايدن في السلطة مع ما سيشكل تجميدها من ترددات سلبية على الوضع الشخصي لكلّ من نتنياهو ومحمد بن سلمان حيث نرى انّ مشروع بايدن لحلّ القضية الفلسطينية قائم على أساس الدولتين في غير صيغة «صفقة القرن»، وسيعود هذا المشروع الى الواجهة أخذاً بعين الاعتبار الخطوات التي تحققت في إطار الصفقة التي لم ينفذ منها ما يجعلها نهائية غير قابلة لإعادة النظر، حيث انّ حجم العوائق لاكتمال التنفيذ بات الآن أكبر بكثير من حجم الضغوط من أجل تمريرها ولهذا نرى انّ القضية الفلسطينية ستدخل في مرحلة مراوحة جديدة لا يكون فيها قدرة على المتابعة في صفقة القرن الترامبية ولا يوجد فرص كافية لحلّ جذري يرضي الفلسطينيين ولكن سيسجل على أيّ حال لمعارضي «صفقة القرن» انهم نجحوا في عرقلتها أولاً وتجميدها لاحقاً ويبقى عليهم العمل من أجل إجهاض ما نفذ منها ومنع استئناف العمل بها. 3 ـ الملف النووي الإيراني. سيشهد هذا الملف تحريكاً مهماً باتجاه إعادة النظر بموقع الولايات المتحدة فيه بعد ان سحب ترامب توقيع أميركا عن الحلّ الذي توصلت اليه مجموعة 5+1 مع إيران وكرّس بقرار من مجلس الأمن. ونعتقد انّ إيران ستدخل مع الأميركي والأطراف الأخرى في مفاوضات مقيّدة من أجل تطوير هذا الاتفاق بعد ان تتراجع أميركا عن إجراءات ترامب الكيدية بحقها. ولا نتصوّر بأنّ أميركا ستعود الى الاتفاق وكان القرار الترامبي لم يقع بل نرى حلاً وسطاً سيحكم الملف تستفيد منه إيران ما سيؤكد مرة أخرى انّ صمود إيران حفظ حقوقها ويثبت انّ سياسة العقوبات الأميركية فشلت في تحقيق الأهداف منها. 4 ـ التغوّل التركي الواسع، سيواجَه بقرارات أميركية جدية تمنع استمراره، واعتقد انّ بايدن سيعيد تركيا عامة وأردوغان بخاصة الى المقعد الذي حدّده الغرب له ولن يدعه يتابع مسيرته التسلطية والتغوّل على المنطقة امتداداً من لبيبا الى أذربيجان مروراً بكلّ من سورية والعراق وقبرص واليونان، وسيجد أردوغان نفسه مع بايدن أنه أمام قيادة تضبطه وتعيده الى العمل لمصلحتها وعنصراً في معسكرها دون أن تترك له المجال لممارسة مشروع تركي توسعي خاص مستقلّ عن الغرب. وهذا سينعكس حتماً على الميدان في كلّ من ليبيا وسورية والعراق وأذربيجان. 5 ـ الوهم السعودي والخليجي وحرب اليمن، قد يكون اليمن في طليعة المستفيدين من مراجعة أميركا لسياستها في المنطقة على يد بايدن، حيث لا نتوقع أن يعطي الأخير وقتاً إضافياً للسعودية لحسم حرب اليمن، وهو حسم بات في حكم المستحيل، لذلك نعتقد انّ حرب اليمن قد تشهد نهاية لها خلال العام المقبل وبشكل دراماتيكي من الوجهة السعودية، وعليه نستطيع ان نقول انّ انفراجات مرجحة سيشهدها الوضع اليمني والإيراني، وتعقيدات أو مراوحة في الشأن السوري والعراقي والفلسطيني انْ لم تحدث صدمة داخلية مسندة بدعم خارجي وضبط حتى التقييد للحركة الخليجية والتركية في المنطقة هذا من الجانب الأميركي، أما الردّ فيبقى رهن قرارات المعنيين الإقليميين والدوليين، الذين سيتصرفون بدون شك على أساس المستجدات التي رسمتها المواجهات دولياً وإقليمياً، والتي أسقطت القول بانّ «أميركا هي القدر الذي لا يُردّ» والتي تفعل ما تشاء وتفرض ما تشاء، فأميركا هذه انتهت وانّ عالم القطب الواحد الذي رغبت به غير قائم الآن، في ظلّ وضع باتت ملامح نظامه مؤكدة قائمة على التعددية في المجموعات الاستراتيجية. _ أستاذ جامعي ـ باحث استراتيجي

    أكمل القراءة »
  • الخروج المخزي لترامب وصورة المستقبل…

     جمال زهران*-البناء   كما توقعنا خلال الأسابيع الماضية.. بالسقوط الحتميّ لدونالد ترامب، في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، وانتصار ساحق للمرشح الديمقراطي جون بايدن. ويصبح ترامب هو الرئيس الجمهوري الثاني الذي يفشل في الحصول على فترة رئاسيّة ثانية، بعد بوش الأب، وعلى عكس الاعتياد للجمهوريّين على اقتناص الفترة الثانية لمن يشغل المنصب الرئاسي. وقد سجلت هذه الانتخابات وقائع جديدة تستحق الوقوف عندها لدلالتها العميقة حاضراً ومستقبلاً. وعلى مدار التاريخ الأميركي منذ تأسيس الولايات المتحدة على يد جورج واشنطن في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، أجريت الانتخابات الأميركية بعد وضع الدستور الذي شهد تعديلات عديدة، حتى بلغت (59) انتخاباً للرئاسة. ولم تشهد هذه الانتخابات الـ (59) حتى آخر انتخابات حاليّة (نوفمبر 2020)، سوى أربع منها، قد صاحبتها أحداث غير معتادة، وفيها خرق للقواعد الانتخابية الديمقراطية، واتهامات بالتزوير، وأخطاء في احتساب أعداد الأصوات.. الخ. ولعل أهم هذه الانتخابات التي صاحبتها مثل هذه النوعيّة من الأحداث، انتخابات نوفمبر 1960، حيث كان الجمهوريون هم مثيرو الشغب في مواجهة المرشح الديمقراطي (جون كيندي)، الذي استطاع مواجهة ذلك وحزبه، وحقق انتصاراً كبيراً على المرشح الجمهوري المنافس. ثم تكررت الحالة الثانية في عام 2000، بين بوش الابن (مرشحاً جمهورياً)، في مواجهة آل جور (المرشح الديمقراطي)، وقد كان الأمر منحصراً في أخطاء بسيطة في احتساب الأصوات، وتم حسمها بسرعة لصالح المرشح الجمهوريّ (بوش) الذي نجح في مواجهة خصمه الديمقراطيّ. أي أنّ الانتخابات الأميركية على مدار تاريخها أكثر من (200) سنة، لم تشهد أحداثاً للتشكيك فيها سوى (4) مرات، اثنتان منها خلال القرن التاسع عشر، واثنتان أخريان في القرن العشرين (1960 – 2000). لنصل إلى التشكيك الجديد في القرن الحادي والعشرين، ويثيرها المرشح الجمهوري (ترامب) في مواجهة خصمه الديمقراطي (بايدن)، لتصبح الواقعة الخامسة في التاريخ الأميركي، ومن الواضح أنها واقعة لن تمرّ بسهولة، وستترك آثاراً عميقة الأثر في المشهد الأميركي وانعكاساته على أوروبا والعالم. ولقد لوحظ مع بداية الفرز عقب الإدلاء بالصوت في جميع الولايات الأميركية، بروز حالة من التوتر لدى الجمهوريين ومرشحهم الرئيس ترامب للشعور المبكر بالهزيمة، وفقاً لما ظهر في خطابه السياسي الأول، والذي أعقتبه خطب عدة أخرى. حيث أعلن عن تفوقه وحصوله على الغالبية وأنه ناجح ودعا أنصاره للاستعداد للاحتفال بالنصر على منافسه بايدن وعلى الديمقراطيين. ولكن لوحظ في الوقت نفسه أن وجهه متجهم، وواضحة عليه آثار الهزيمة التي يرفضها، إلى جانب التهديد باللجوء إلى المحكمة العليا (الدستورية)، فضلاً عن التهديد بالإشارة إلى احتمالات وقوع أحداث عنف بالبلاد حال عدم نجاحه واستمراره رئيساً للولايات المتحدة لدورة ثانية (4 سنوات)! بينما ظهر بايدن في خطاباته المتعددة أنه هادئ، ويتسم بالثقة والحسم في نجاحه، وأنه لا يعلن عن انتصاره بل إن الشعب هو الذي يعلن ذلك متمسكًاً بالقيم الديمقراطية في مواجهة خصمه (ترامب)، الذي لا يتمسّك بها، بل ويشكك فيها، ويشكك في كلّ شيء (قياسات الرأي العام – التصويت عن طريق البريد – الإعلام بمختلف وسائله) فضلاً عن التهديد بعدم الخروج من البيت الأبيض، واللجوء للمحكمة العليا الدستورية إلخ… وخلاصة المشهد أنّ نجاح بايدن، وسقوط ترامب، أصبح حقيقة واضحة، وحسبما صرّح بايدن في آخر خطبه مساء الجمعة 6 تشرين الثاني/ نوفمبر، أنه اقترب من النجاح، وأنه سيحرز أكثر من (300) مقعد في المجمّع الانتخابي، وهي نتيجة غير مسبوقة، فضلاً عن ذلك التصويت الشعبي الذي تجاوز (75) مليون صوت وسط إقبال شعبي تجاوز الـ (150) مليون مواطن أميركي. ومن ثم فإن الإعلان الرسمي لنتيجة الانتخابات قد يستغرق بعض الوقت، وفقاً للمتابعة حتى كتابة المقال، ولكن الشواهد والنتائج المعلنة في كلّ ولاية، تؤكد أن بايدن هو الرئيس القادم لأميركا لـ (4) سنوات مقبلة، وأن ترامب قد انتهى سياسياً وفي طريقه مع أنصاره وظاهرته كسياسي «مراهق»، إلى مزبلة التاريخ. وأن الحديث عن المستقبل ما بعد ترامب وسقوطه، وما بعد مجيء بايدن، شيء مهم للغاية، من زاوية ذلك الثقل الدولي لأميركا وانعكاسات هذا التغير في منصب الرئيس، على العالم وأقاليمه المختلفة، وفي المقدّمة المنطقة العربية، والقضية الفلسطينية، والأزمات العربية (اليمن – سورية – العراق – لبنان – ليبيا – منطقة الخليج)، وكذلك الشرق الأوسط والأزمات مع إيران وتركيا وأثيوبيا. وهو الأمر الذي يستحق نقاشاً مستفيضاً ربما يكون جدول أعمال مقالاتي المقبل. ولكن ختاماً أودّ القول إن التطوّر الحادث في علم السياسة في جانب الدراسات المستقبلية قد حقق مراده من خلال التنبؤ للمرة الثانية على مدار (4) سنوات: الأولى: حين توقعنا نجاح ترامب عام 2016م. قبل إجراء الانتخابات بشهر كامل تقريباً، على عكس الكتابات السائدة قبل ذلك. والثانية: حين توقعنا سقوط ترامب ونجاح بايدن عام 2020، قبل إجراء الانتخابات بشهرين، كتبت خلالها نحو (10) مقالات أغلبها على صفحات «البناء». وقد كان البعض يتحفظ على التوقع، ويقول إنّ ذلك صعباً، ولكن بالأدوات العلمية في علم السياسة، صدقت توقعاتنا لنؤكد أنه بالعلم وبالديمقراطية يمكن أن تنهض مجتمعاتنا العربية. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

    أكمل القراءة »
  • تحقيقات - ملفاتwakalanews.com

    إدارة بايدن قد تُخفّف العقوبات على لبنان لكنّ «حماية أمن إسرائيل أولوية أي عهد أميركي

      دوللي بشعلاني-الديار يعوّل الكثير في لبنان على وصول المرشّح الديموقراطي جو بايدن الى البيت الأبيض، علّ سياسته تنعكس بشكل…

    أكمل القراءة »
  • مساعدو ترامب يجدون «كبش فداء» لخسارة الانتخابات

    البناء بدأ فريق الحملة الانتخابية للمرشح الجمهوري دونالد ترامب بالبحث عن «كبش فداء»، لإلقاء لوم الخسارة الكبيرة التي مني بها ترامب. ووجد مساعدو ترامب أخيراً ضالتهم، لرمي كامل عبء الخسارة على عاتقه، حيث سربت معلومات من الحزب الجمهوري عن إلقاء اللوم على صهر ترامب، وزوج ابنته إيفانكا، جاريد كوشنر، الذي شغل منصب كبير المستشارين في البيت الأبيض لأربع سنوات. وبحسب صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، فإن «كوشنر ارتدى العديد من القبعات (المناصب) في حياة ترامب»، واعتبره المراقبون أنه «رئيس أركان ترامب الفعلي». وأشارت الصحيفة إلى أن «كوشنر لعب دور رجل الشرق الأوسط الأول، والمنسق والمدير المعني لأزمة جائحة فيروس كورونا في أميركا، بالإضافة إلى أنه العقل المدبر لحملة ترامب الانتخابية». وأشارت المعلومات إلى أن «كوشنر، كان له يد في جميع قرارات ترامب الكبرى حول الانتخابات الحالية». وبحسب صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، أشار النقاد إلى أن «كوشنر كان يشغل بشكل كبير محفظة البيت الأبيض الواسعة، بما في ذلك الاستجابة لجائحة فيروس كورونا واتفاقات السلام الموقعة في الشرق الأوسط، ولذلك فإنه لم يخصص وقتاً كافياً للحملة». وقال أحد الجمهوريين في تصريح لصحيفة «ذا بوليتيك»، ساخراً: «لقد كان منشغلاً لكونه (كوشنر) رئيساً»، في تلميح لتحكمه بجميع الملفات. وكان كوشنر إلى جانب ترامب في حملته الانتخابية الأخيرة التي استمرت ليومين جال فيها في سبع ولايات والتقى 10 حشود جماهيرية. وقال أحد حلفاء الرئيس ترامب للصحيفة: «الثابت الوحيد في هذه الحملة، من اليوم الأول وحتى اليوم الأخير، كان كوشنر. لذلك إذا فاز الرئيس، فإن كوشنر يستحقّ الثناء، لكن إذا خسر، فإن كوشنر يستحق اللوم». فيما قال أحد الجمهوريين لصحيفة «واشنطن بوست» إن «أشخاصاً عديدين قد تواصلوا مع كوشنر خلال الصيف، وحذروه من أن الرئيس سيخسر الانتخابات ما لم تتغيّر استراتيجيتهم المتبعة في البلاد، لكن كوشنر نفى مخاوفهم، وأخبرهم أن استطلاعات الرأي ليست دقيقة». وتقول مصادر خاصة من البيت الأبيض، إن «كوشنر وجه رسائل مشوشة إلى الرئيس ترامب، واقترح عدم اتخاذ إجراءات صارمة ضد العنف أثناء الاحتجاجات في أعقاب وفاة جورج فلويد لأنها قد ترعى الناخبين السود».

    أكمل القراءة »
  • الانتخابات الأميركيّة: قراءة خارج السياق

     زياد حافظ*-البناء     تمّ إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية بفوز نائب الرئيس السابق جوزيف بايدن وسط انقسام شعبي كبير بين مؤيّد ومناهض للرئيس الأميركي دونالد ترامب. لن ندخل في السجال حول «شرعية» النتائج ومصداقية عملية الفرز، لكن بغضّ النظر عن ذلك السجال الذي له حيثياته ولكن لا يعنينا إلاّ بمقدار أنه يثبّت حالة الانقسام العميق في المجتمع الأميركي. فهناك حقائق عدّة أظهرتها الانتخابات الأميركية عن المشهد السياسي الداخلي الذي كنّا على مدى سنوات عديدة نرصده ونتوقع وصوله إلى الحال هذا. نعم، لم نفاجأ بما حصل بل توقعناه لأن ما حصل يعكس التحوّلات التي حصلت وما زالت داخل المجتمع الأميركي أو بشكل أدقّ داخل المجتمعات الأميركية. توقعنا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أقوى مما كان يعتقده خصومه الداخليون والخارجيون ورغم شراسة الحملة الانتخابية وكما توقّعنا أنّ سجالاً قد يدور حول مصداقية عملية الفرز بسبب الانقسام الداخلي. فليس هناك أميركا واحدة بل على الأقلّ أميركتان إن لم تكن عدّة «أميركات» إذا جاز الكلام. فالانقسام الأميركي هو عموديّ وأفقي. والعوامل هي طبقية أولاً وإلا يريد الاعلام الأميركيّ الإقرار بذلك لسبب واضح، فهو مملوك من ست شركات فقط، أي هناك رأي واحد يُفرض على المواطن الأميركي، لذلك يتمّ تجاهل البعد الطبقي في المجتمعات الأميركية. العنصر الثاني هو العرق، والثالث هو الدين، والرابع هو الثقافة، والخامس هو الجغرافيا حيث سكّان المدن الكبيرة يختلفون عن سكّان المدن الوسطى والصغيرة والريف بشكل عام، والتي كنّا أشرنا إليها في السابق ولن نكرّرها هنا. لكن نعتقد أنه من المفيد استخلاص الحقائق التي أظهرتها الانتخابات الأميركيّة. الحقيقة الأولى هو ترهّل النظام السياسي القائم في الولايات المتحدة المرتكز إلى نظام حزبين حاكمين يتداولان السلطة بين فترة وأخرى، وفقاً لمعطيات ظرفية ووفقا لدور بعض الفروقات في السياسة العامة الداخلية والخارجية. لكن الحزبين متفقان على رؤية واحدة لطبيعة النظام القائم والذي يحمي أوّلاً وأخيراً رأس المال ويسخّر القانون والسياسة وبالتالي العدل لمصلحة رأس المال. كما أن الحزبين يشتركان في رؤية واحدة حول استمرار الإمبراطورية وسياسة الهيمنة. لكن هذا النظام الذي تكوّن خلال قرنين من الزمن ضمن موازين سكّانية محدّدة وضمن موازين قوّة اقتصادية واجتماعية معيّنة، فهذا النظام لم يعد قادراً على استيعاب التحوّلات السكّانية التي حصلت والتي أشار إليها بوضوح صامويل هنتنغتون. فالأخير قال في آخر مؤلّف له قبل رحيله: «انسوا صراع الحضارات فما يهدّد الولايات المتحدة هو فقدان هويتها البيضاء الانكلوبروتستنتية» لصالح هويات أخرى كالهوية الهسبانية الكاثوليكية على سبيل المثال وربما هويات أخرى آسيوية. وبالفعل، فإنّ التحوّلات السكانية تشير إلى أنّ معدّل النمو السكّاني في الولايات المتحدة أصبح دون المعدّل المطلوب للحفاظ على وجودها وبالتالي لا بد من فتح باب الهجرة. وملف الهجرة، الشرعيّة وغير الشرعية، ملفّ معقد ويحتاج إلى مقاربة منفصلة ولكنه في متن الخلاف بين الحزبين المتنافسين. فالحزب الجمهوري يريد تقنين الهجرة وفقاً لمعايير ليس هناك من إجماع أو اتفاق حولها، وبينما الحزب الديمقراطي الذي يريد فتح باب الهجرة لضمان أولاً يد عاملة رخيصة تضمن خفض الأجور وتدعم رأس المال ولاعتقاده بأن التنوّع العرقي يصبّ في مصلحة الحزب على الصعيد السياسي الانتخابي. لذلك أصبح الحزب الجمهوري حزب أكثرية بيضاء تعتبر حالها مهمّشة في مجتمع العولمة الذي روّجت له قيادات ليبرالية في الحزب الديمقراطي على مدى عقدين من الزمن بينما تحوّل الحزب الديمقراطي إلى حزب التنوّع العرقي والديني ولكن بقيادة ليبرالية معظمها بيضاء وليست بالضرورة على تماهي مع مستلزمات التنوّع. من جهة أخرى لم يعد بقدرة الحزبين استيعاب التحوّلات الاقتصادية بسبب الجنوح نحو عولمة استفادت منها الشركات الكبرى والأوليغارشية المالية والتكنولوجية ولكن على حساب العامل الأميركي. فتراجع الوظائف في القطاعات الإنتاجية الأساسية والتحوّل نحو اقتصاد افتراضي ريعي مبني على المضاربات المالية والعقارية أدّى إلى انفصام بين الاقتصاد العيني ومسار الأسواق المالية. فالبورصة في ميل والبطالة في ميل آخر. والحزبان ساهما عبر العقود في ذلك التحوّل إلى أن وصل دونالد ترامب وحاول استرجاع الوظائف الصناعية التي صُدّرت إلى دول الجنوب بشكل عام. لكنه اصطدم بقوّة المصالح المرتبطة بالنموذج الاقتصادي النيوليبرالي الذي أدّى إلى تمركز المال والإعلام بيد شركات لا يزيد عددها عن أصابع اليد الواحدة. من هنا موجة الاستياء العام الذي نجح ترامب في استغلالها سنة 2016 وكاد ينجح في انتخابات 2020 لولا كورونا وسوء إدارته للجائحة التي أطاحت بفرص نجاحه لولايّة ثانية. لكن في المحصّلة ظهر تيّار شعبوي لا يمكن تجاهله ولا يستطيع الحزبان ضبطه ما ينذر إما بتشظّي الحزبين أو ظهور حزب ثالث شعبويّ يعكس الحالة الترامبية التي ظهرت خلال السنوات الأربع الماضية. الخلل في النظام الحاكم ظهر مرّتين على التوالي: المرّة الأولى في الانتخابات الرئاسية سنة 2016 والثانية هذه السنة حيث الخيارات المفروضة على الناخب الأميركي كانت أن يختار بين من هو أقلّ سوءاً وليس من هو أفضل، وليس لمن له البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يحاكي تطلّعات الأميركيين والتحوّلات التي حصلت خلال العقود الأربعة الماضية. ويتساءل المراقب لماذا وصل المشهد السياسي إلى هذا الحال والإجابة تكون في طبيعة النظام الذي يحكمه المال والمصالح الخاصة ولن يأتي إلاّ بمن يعلن الولاء الكامل له. فالأكثرية الساحقة من السياسيّين والعاملين في الشأن العام مدينة بمواقعها لمن موّلها وليس لمن انتخبها. وبطبيعة الحال تصبح «النخب» المنتخبة بهذه الطريقة في منتهى الرداءة كم نراه في الخط البياني المتدحرج منذ أكثر من أربعين سنة. فالرئيس يكون إما فاسداً أخلاقياً أو جاهلاً أو الاثنين معاً. و»النظيف» بينهم تكون رذائله مخفيًة أو تمّ التستّر عنها. فالإعلام المهيمن الشركاتي تجاهل بشكل متعمّد فساد المرشّح بايدن الذي أصبح «رئيساً» وركّز على فساد الرئيس الحالي. وكما يُقال في العامية أن الأخير «جسمه لبّيس». فضيحة موقع «الانترسبت» اليساري الهوى والمؤيّد لبايدن رفض نشر تحقيق حول فساد بايدن وعائلته. والرئيس الحالي جاء من خارج السياق المعتاد وبالتالي كانت ولايته حرب مستمرّة مع الدولة العميقة لأنه أراد أن يكسر الحلفة المفرغة. بالمقابل فالمرشّح بايدن، وقبله هيلاري كلنتون وباراك أوباما وجورج بوش الابن وبيل كلنتون، من رحم البيئة الفاسدة التي تنتج النخب الحاكمة في الولايات المتحدة. ويمكن القول عبر النتائج المعلنة إنّ الدولة العميقة انتصرت على ترامب ولكن الكلفة قد تكون باهظة للغاية. الحقيقة الثانية هي خسارة هيبة الولايات المتحدة. فأحد المواقع الإلكترونيّة المؤيّدة لبايدن وصفت عملية الفرز الانتخابية بـ «المهزلة» التي أفقدت مصداقية وهيبة الولايات المتحدة التي فقدتها في رأينا منذ فترة، ولكن مسرحية الانتخابات كانت بمثابة الإعلان الرسمي عن سقوط أوهام مصداقية النظام القائم في الولايات المتحدة. وحتى الناطق غير الرسمي باسم العولمة والنيوليبرالية توماس فريدمان كتب أن «أميركا سقطت» في هذه الدورة من الانتخابات. وما يدور من شكوك، بل ربما أكثر من شكوك، حول «سرقة» الانتخابات (كما يقول بول كريغ روبرتس ومعه آخرون) سيساهم في تفاقم أزمة سياسيّة قد تنذر بنهاية الولايات المتحدة كما نعرفها وخلق كيان مختلف عما كان. فهناك معركة جديدة ستظهر في سبيل «شرعية» جديدة قد لا تحظى بإجماع الأميركيين وستزيد في تفاقم الانقسام. هنا لا بدّ من بعض التوضيح. ما حصل بعد انتخابات 2016 سيتكرّر بعد 2020. الفريق الخاسر لن يقبل بنتائج الاقتراع. الحزب الديمقراطي بادر منذ اللحظات الأولى بعد انتخاب ترامب ومعه الإعلام المهيمن الشركاتي إلى العمل على إسقاط ترامب لأنه فوجئ بفوز ترامب. وإذا صدقت وعود ترامب فسيحاول الطعن بالنتائج في المحاكم الاتحادية والفئات المتشدّدة في قاعدته الانتخابية قد تعلن رفضها لتلك النتائج. هذا ما قصده فريدمان وهذا ما يجب الانتباه إليه أي العملية الديمقراطية أصبحت محطّة تشكيك. فما البديل؟ الحقيقة الثالثة هي ضرب مصداقية الإعلام المهيمن الشركاتي الذي قاد الحملة على ترامب عبر شركات الاستطلاع التي أوهمت العالم بفوز بايدن بفارق كبير وكأن النتائج محسومة مسبقاً قبل الاقتراع! جاءت النتائج الفعلية لتدحض تلك التوقّعات ولتؤكّد أن ترامب ليس ظاهرة عابرة بل انعكاس لمزاج أميركي خارج السياق التقليدي وله وزنه على الصعيد الشعبي. فالأصوات التي حصدها ترامب تجاوزت الأصوات التي حصلت عليها هيلاري كلنتون بمليونين ما يدلّ أن المؤيدين لترامب ليسوا فقط من الذين يرفضون هيلاري كلنتون. أثبتت الانتخابات أن المزاج الأميركي يختلف عمّا يصوّره الاعلام المهيمن الذي فقد مهنيته في تغطية الحملة وكان معبّراً عن رأي واحد فقط. وبغض النظر عن النتائج الرسمية فإنّ ترامب تحوّل من رئيس للولايات المتحدة إلى زعيم سياسي شعبي لما يُسمّى بأميركا الحمراء أيّ الولايات في الداخل التي أدلت بصوتها لصالحه. وذلك رغم العيوب الواضحة والفاضحة في كفاءته وسلوكه الشخصي الذي كان موضع سخرية وازدراء العديد من الأميركيين وغير الأميركيين. وقد يكون هذا التغيير مفصلياً في الحياة السياسية الأميركية حيث «الزعامة الشعبية» قد تكون في وجه «الشرعية الدستورية» وما يمكن أن ينتج عن ذلك من أزمة دستورية، إلى أزمة نظام، إلى أزمة كيان. ومن ضمن إخفاقات استطلاعات الرأي العام هو عدم تحقيق «الموجة الزرقاء» التي كان من المفروض أن تجتاح الكونغرس. فالحزب الديمقراطي الذي كان يتوقّع ارتفاع أكثريته في مجلس النوّاب خسر مقاعد عدّة وقد يخسر أكثريته في الانتخابات النصفيّة المقبلة عام 2022، كما لم يستطع أن يحصل على الأكثرية في مجلس الشيوخ. شعبياً، خسر الحزب الديمقراطي الانتخابات وإن تمّ إعلان فوز بايدن بالرئاسة. فهذا «الفوز» مصداقيته مطعون بها شعبياً من قبل نصف الأميركيين تقريباً وقد يكون مطعوناً قضائياً. والانقسام السياسي قد يتعدّى حلبة المؤسسات الدستورية، أي الكونغرس، للحسم (العبثي) في الشارع. كل ذلك يعني أن حالة عدم استقرار أصبحت عنوان المرحلة الحالية والمقبلة في الولايات المتحدة. بالمقابل هناك مَن يعتبر أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات وبعد موجة الغضب عند الفريق الخاسر ستعود الأمور إلى حالتها الطبيعية. هذه قراءة مبسّطة للمشهد الأميركي التي لا تأخذ بالتحوّلات التي ذكرناها أعلاه وسابقاً والتي تنذر بتلاشي التماسك الداخلي في إطار الشحّ الاقتصادي. فالحلم الأميركي الذي كان يصنع التماسك الداخلي قد سقط في محيط التناقضات والإخفاقات على الصعيد الداخلي والخارجي. الحقيقة الرابعة هي الكثافة في الإقبال على التصويت من قبل المؤيّدين والمناهضين للرئيس الأميركي ما يدّل على عمق الانقسام القائم والذي أخذ طابع «كسر العظم». ليس من المؤكّد أن للرئيس المنتخب وفريقه قدرة على ردم الهوّة بين الفئتين من الشعب لأنه لا يملك خطابا وسياسة واضحة تستطيع محاكاة هواجس المواطنين. وإذا كان من المبكر إصدار الحكم فإن تاريخ الرجل وتاريخ نائب الرئيس المنتخب لا يوحي بأنهما يمتلكان رؤية للخروج من الأزمات البنيوية التي تواجه الأميركيين. فمن جائحة الكورونا إلى تداعياتها الاقتصادية، إلى قضايا الضمان الصحي، إلى ملف الهجرة والأمن الداخلي، إلى قضايا العنصرية، إلى قضايا المناخ، إلى إعادة تأهيل البنى التحتية المترهلة إلى قائمة طويلة من استحقاقات تمّ تجاهلها على مدى العقود الخمسة الماضية، أي منذ بداية السبعينيات، فكلّها تحتاج إلى رؤية شاملة. الخلاف بين القاعدة الشابة للحزب الديمقراطي والقيادة التي شاخت في الحزب يصعب ردمه. بالمقابل حالة الرفض للرؤية الديمقراطية لتلك الملفّات من قبل الناخبين الجمهوريين وخاصة في قضايا القيم والسلوك الاجتماعي لا توحي بأن هناك إمكانية في ردم الهاوية. الحقيقة الخامسة هي أن جائحة كورونا أطاحت بالرئيس الأميركي. فلا ننسى أن في الانتخابات التمهيدية كان المرشح بايدن على وشك الخروج من حلبة الحملة الانتخابية وكان المتقدّم المرشّح برني سندرز. كما ان كمالا هاريس لم تحظ إلاّ بواحد بالمئة من أصوات الناخبين الديمقراطيين في الحملة الانتخابية ما يدلّ على أن انقلاباً ما حصل في مسار الانتخابات التمهيدية لإقصاء سندرز كما حصل سنة 2016 ولتعويم بايدن. استطاعت القيادة الديمقراطية بدعم كبير من باراك أوباما بقلب المعادلة الداخلية في الحزب الديمقراطي واستفادت من جائحة الكورونا التي أدّت إلى إيقاف عجلة الاقتصاد ومحو «الإنجازات» الاقتصادية التي كان يراهن عليها الرئيس الأميركي. فأصبح العنوان الانتخابي الاستفتاء حول شخص ترامب وسوء إدارته في مواجهة الجائحة. من هذه الزاوية سجّل الحزب الديمقراطي نجاحاً باهراً. لكن بالمقابل، هناك سكوت تام حول الملفّات الساخنة التي ستواجه الرئيس المنتخب والذي كان سبباً رئيسياً في إخفاق الحزب الديمقراطي في زيادة أكثريته في مجلس النوّاب وانتزاع الأكثرية في مجلس الشيوخ. الحقيقة السادسة هي ظهور بوادر ضعف في الدولة العميقة. وهذه قد تكون مفاجأة للعديد من المراقبين. صحيح أنها انتصرت على ترامب لكن كلفة ذلك الانتصار قد يطيح بها. لم تستطع الدولة العميقة وما لديها من إمكانيات وتحالفها مع المجمع العسكري الصناعي والمالي والاوليغارشية التكنولوجية في التواصل والإعلام الشركاتي أن تحصل على أكثرية وازنة في المجتمع الأميركي. الأكثرية التي حصل عليها الرئيس المنتخب (أكثرية بالتدفيش إذا جاز الكلام) ليست أكثرية ثابتة وصلبة، هذا إذا ما تبيّن أن النتائج المعلنة صحيحة وغير قابلة للنقض. لكن هذه النتائج تكشف ضعف الخطاب السياسي الأميركي المهيمن الذي يعكس انقطاع النخب السياسية الحاكمة عن الواقع الفعلي. الحقيقة السابعة واللافتة للنظر هي إخفاق المال المنفق في الانتخابات على تغيير مسار الأمور. حققت هذه الانتخابات أرقاماً قياسية في الإنفاق المالي والذي بلغ حسب التقديرات الأوّلية حوالي 14،5 مليار دولار، منها 6،5 مليار على الانتخابات الرئاسية والباقي على انتخابات الكونغرس الأميركي. ففي ولاية كارولينا الجنوبية على سبيل المثال أنفق الحزب الديمقراطي حوالي 100 مليون دولار لمرشّحها ضد الشيخ ليندساي غراهام وهو من الصقور في الحزب الجمهوري. لم يفلح المرشح الديمقراطي رغم ذلك الإنفاق القياسي في حملته الانتخابية. وكذلك الأمر بالنسبة لعدد من المقاعد. أما في ولاية فلوريدا أنفق مايكل بلومبرغ أكثر من 100 مليون دولار لهزيمة ترامب في الولاية التي ربحها ترامب في آخر المطاف. ومن المموّلين الكبار في الحملات الانتخابية أصحاب شركات التواصل الاجتماعي الذين أصبحوا «لاعبين» كبار في التمويل الانتخابي. لذلك على ما يبدو ففي المعارك المفصلية لا يكون المال العامل الفاصل كما كان في انتخابات سابقة التي لم تحظ بالأهمية التي شهدتها انتخابات 2020. الحقيقة الثامنة هي بروز دور الصوت العربي والإسلامي في الانتخابات. كان ذلك الصوت بيضة القبّان في ولايتي ميشيغان ومينيسوتا المتأرجحة حيث قلب موازين القوّة لصالح نائب الرئيس بايدن. حصد الرئيس ترامب نتائج سياساته التمييزية ضد الجالية العربية والإسلامية. والفضل في تلك التعبئة يعود إلى الشابات في الحزب الديمقراطي وداخل الكونغرس الأميركي كرشيدة طليب والهان عمر في جلب الأصوات المرجّحة لصالح بايدن. في النهاية يمكن القول في التقدير الأوّلي لنتائج الانتخابات الأميركية أن هناك خاسرين عديدين. طبعا، في الدرجة الأولى الرئيس الحالي دونالد ترامب. لكن هناك خسارة الحزب الديمقراطي على صعيد مجلس النوّاب الذي شهد تراجعاً ملحوظاً في اكثريته في مجلس الممثلين أو النوّاب ولم يحصل أيضاً على الأكثرية في مجلس الشيوخ. كما أخفق أيضاً الإعلام الأميركي وشركات استطلاع الرأي العام التي على مدى دورتين انتخابيتين أخفقت في قراءة مزاج الناخب الأميركي. صحيح أنها كانت محقة بشأن فوز بايدن ولكنها أخفقت في حجم النجاح كما أخفقت في موضوع «الموجة الزرقاء» التي كان من المفروض أن تجتاح الكونغرس الأميركي. أما الدولة العميقة التي «انتصرت» على من أتى من خارج السرب السياسي فكلفة انتصارها قد تكون باهظة بسبب ما رافقها من اهتزاز في مصداقية مكوّناتها. ولذلك حديث منفصل في وقت لاحق. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ…

    أكمل القراءة »
  • فرنجية لـ “الجمهورية”: أتبنى موقف باسيل!

    عماد مرمل-الجمهورية Monday, 09-Nov-2020 بينما كانت إدارة دونالد ترامب تترنح بقوة وتصاب بـ «الدوار» على وقع نتائج الانتخابات الرئاسية، قرّرت…

    أكمل القراءة »
  • ترامب خسر في أميركا وحاول أن يكسب في لبنان…

     د. عصام نعمان*-البناء   معظم اللبنانيين تمنّوا بحرارة أن يخسر دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية. قبل إعلان خسارته رسمياً فاجأ الرئيس الأميركي الغريب الأطوار اللبنانيين، مسؤولين ومواطنين، بقرار صادر عن وزير خزانته ستيفن منوشين أدرج فيه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير السابق النائب جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، على لائحة العقوبات بموجب قانون ماغنتسكي بتهمة دعم الفساد لكونه «مسؤولاً حكومياً حالياً أو حليفاً، أو شخصاً متواطئاً أو متورّطاً مباشرةً أو مداورةً في الفساد، بما في ذلك اختلاس أموال الدولة، ومصادرة الأصول الخاصة لتحقيق مكاسب شخصية، أو الفساد المتعلق بالعقود الحكومية أو استخراج الموارد الطبيعية أو الرشوة». ما حيثيات القرار؟ لم يتضمّن القرار إلاّ إشارات عمومية تتعلق بالفساد وشراء النفوذ. لكن وزير الخزانة منوشين تبرّع بتبريرٍ لوسائل الإعلام: «إنّ الفساد الممنهج في النظام السياسي اللبناني الذي يمثله باسيل ساهم في تقويض أسس قيام حكومة فاعلة وقادرة على خدمة الشعب اللبناني». منوشين الحريص على «خدمة الشعب اللبناني» حمّل، إذاَ، «النظام السياسي اللبناني الذي يمثله باسيل مسؤولية تقويض أسس حكومة جديدة قادرة على خدمة هذا الشعب»! صحيفة «النهار» لم تكتفِ بما قاله منوشين. نسبت إلى مسؤول رفيع في إدارة ترامب قوله «إنّ باسيل وضع مصالحه الخاصة فوق مصالح الشعب اللبناني (…) ودعم الحزب (حزب الله) الذي يحقق مصالح إيران في لبنان». حزب الله، إذاً، هو دافع واشنطن لمعاقبة باسيل ليكون عبرة لغيره من المتعاونين معه. لكن باسيل ليس الوحيد الذي استخدمته إدارة ترامب ذريعة لردع غيره. ألم تفرض عقوبات، من دون أدلّة ومستندات، على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فينيانوس وبالذريعة نفسها وهي دعمهما، خلال وجودهما في السلطة، حزب الله؟ فهل ارتدَع الوزيران المذكوران؟ وهل كانا عبرةً لغيرهما، لا سيما للوزير السابق باسيل؟ خلوّ القرار العقابي من أدلة ومستندات دفعت الرئيس عون الى مطالبة إدارة ترامب بإبرازها لتمكين القضاء اللبناني من اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. باسيل نفى الاتهامات المزعومة وكشف عن ضغوط وإغراءات أميركية لحمله على التخلي عن تحالف حزبه مع حزب الله، وانه رفضها بلا تردّد، فكان أن عوقب بإصدار القرار السياسي الهزيل بإيعاز من «إسرائيل».          في ضوء هذه الواقعات والتطوّرات، ماذا تراها تكون مرامي واشنطن الحقيقية من وراء قرار معاقبة باسيل؟    لعلّ ما ترمي إليه أولاً التحوّط لما يمكن ان تكون عليه مواقف لبنان حيال خمس قضايا رئيسة تتصل بتركيبة نظامه السياسي ومستقبل علاقته بأميركا: الانتخابات النيابية المقبلة في شهر حزيران/ يونيو 2022، وانتخاب رئيس جمهورية جديد قبل انتهاء ولاية الرئيس عون أواخرَ شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2022، وترسيم حدود لبنان البحرية وتسوية المنازعة بشأنها مع «إسرائيل»؛ وسلاح المقاومة وخطره على أمن الكيان الصهيوني؛ وموقف لبنان من سياسة أميركا الرامية إلى احتواء إيران وحلفائها المعادين لها ولـِ «إسرائيل»، وذلك على النحو الآتي: أولاً، الانتخابات النيابية: كانت إدارة ترامب قد أيّدت ضمناً دعوة بعض هيئات الانتفاضة الشعبية إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق قانون الانتخابات الحالي، ظنّاً منها انّ إجراءها قبل موعدها في سنة 2020 سيؤدّي الى فوز القوى السياسية المناهضة للتيار الوطني الحر (العونيون) وحلفائه. بصرف النظر عن مدى صحة هذا الاحتمال، فإنّ إجراء انتخابات مبكرة لم يعد وارداً بعد تشرذم الهيئات المشاركة بالانتفاضة من جهة وتضامن القوى السياسية المناهضة لهذا المطلب داخل مجلس النواب وخارجه من جهة أخرى. وإذ يبدو متعذراً التوافق على قانون للانتخابات بديل من القانون الحالي قبل سنة 2022، فإنّ واشنطن مضطرة الى التوفيق بين القوى الموالية لها داخل البرلمان وخارجه من أجل مواجهة قوى الأكثرية النيابية المتمثلة بالتيار العوني وثنائية حزب الله وحركة أمل وحلفائهما قبل الانتخابات المقبلة وفي خلالها. ثانياً، انتخاب رئيس جديد للجمهورية: تخشى واشنطن من ان يتوصل التيار العوني وثنائية حزب الله وأمل وحلفاؤهما إلى هندسة جبهة متوافقة على خوض الانتخابات النيابية المقبلة والحصول على أكثرية قادرة على انتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون، كميشال عون، متوافقاً معهم ضدّ سياسة أميركا في المنطقة عموماً وضدّ «إسرائيل» خصوصاً. كما تخشى واشنطن أن يبادر الرئيس عون، بالتفاهم مع حلفائه، الى الإستقالة قبل حزيران/ يونيو 2022 ما يؤدّي الى قيام مجلس النواب الحالي، حيث لخصوم أميركا أكثرية وازنة، بانتخاب رئيس جديد سيكون بطبيعة الحال غير موالٍ لها. في هذا السياق يمكن تفسير قيام إدارة ترامب، تحوّطاً، بإصدار القرار العقابي بحق جبران باسيل ظنّاً منها أنّ ذلك يضعه خارج السباق الرئاسي ويتيح لها الفرصة اللازمة لمساومة الآخرين للتوافق معهم على مرشح آخر للرئاسة لا يكون مؤيداً لحزب الله. ثالثاً، ترسيم حدود لبنان البحرية: لاحظت واشنطن بحنق انّ الوفد اللبناني في المفاوضات الدائرة برعاية الأمم المتحدة لترسيم حدود لبنان البحرية قد طرح مقاربةً للنزاع العالق مع «إسرائيل» تجاوزت موقف لبنان التقليدي المطالب بكامل المنطقة المتنازع عليها والبالغة مساحتها نحو 860 كيلومتراً مربعاً الى المطالبة بمساحة إضافية تصل الى نحو 1500 كيلومتر مربع الأمر الذي أثار حنق واشنطن وتل أبيب معاً. ولأنّ الوفد اللبناني في المفاوضات يعمل بإشراف الرئيس عون وبحسب تعليماته، فقد أصبحت واشنطن مضطرة، كرمى لـِ «إسرائيل»، الى محاولة المجيء برئيس للجمهورية أقلّ تصلباً من الرئيس الحالي إزاء مسألة ترسيم الحدود. رابعاً، سلاح المقاومة: تشاطر واشنطن «إسرائيل» وبعض قوى اليمين اللبناني المعادية لحزب الله تخوّفها من خطر سلاح المقاومة، لا سيما صواريخها الدقيقة، على أمن «إسرائيل» وموازين القوى الداخلية في لبنان وإمكانية تطوّرها لمصلحة أعداء أميركا و»إسرائيل». لذا ستثابر واشنطن على مناهضة حزب الله بكلّ الوسائل المتاحة وعلى دعم خصومه داخل البلاد، وستصعّد دعمها العسكري والسياسي والمادي لخصوم حزب الله، وستحرص على استبعاده عن ايّ حكومة يجري تشكيلها سواء برئاسة سعد الحريري أو سواه. خامساً، سياسة أميركا المناهضة لإيران وحلفائها: تعتمد الولايات المتحدة، مذّ تسلّم دونالد ترامب مقاليد الرئاسة سنة 2016، سياسةً مناهضة لإيران وحلفائها (سورية وتنظيمات المقاومة في لبنان وفلسطين) قوامها الحصار الاقتصادي والعقوبات ودعم تنظيمات الإرهاب المعادية. وعليه، تحرص واشنطن على وجود منظومة حاكمة في لبنان تؤيد سياستها الإقليمية أو لا تعارضها على الأقلّ، وترضخ لسياسة منع السلاح المتطوّر عن الجيش اللبناني، ومنع إقامة جسر لوجيستي لتموين حزب الله يمتدّ من إيران الى لبنان عبر سورية والعراق. هذه السياسة المتكاملة في عدائها لإيران وتنظيمات المقاومة تتطلّب وجود حكومة لبنانية متجاوبة مع سياستها الإقليمية أو غير مناهضة لها.     في ضوء هذه التحديات والمتطلّبات ترسم الولايات المتحدة، سواء في ظلّ إدارة دونالد ترامب الذاوية أو إدارة جو بايدن البازغة، سياستها وأغراضها وسبل تنفيذها. لذا لن تكتفي بمحاولة تحقيق كسب هزيل بإزاحة جبران باسيل من حلبة الصراع على رئاسة الجمهورية، بل ستسعى، بلا كلل، لعدم تمكين خصومها من توليف مرشحٍ بديل يخوض بنجاح غمار الصراع على رئاسة الجمهورية سنة 2022، في حين هي عزّزت من حيث لم تشأ حظوظ جبران باسيل بمعاقبته أملاً باغتياله سياسياً.

    أكمل القراءة »
زر الذهاب إلى الأعلى