أنيس النقاش
-
تحقيقات - ملفات
أنيس النقاش:بيروت التي نعرفها
بشارة مرهج _البناء من الأسباب التي دفعت أنيس النقاش لتبنّي القضية الفلسطينية وإعطائها الأولوية على سواها من القضايا ومرافقتها فكرياً وميدانياً تحرّره الكامل من العصبية الطائفية، أو “اللوثة اللبنانية” التي تتسرّب إلى الإنسان غداة ولادته وتنمو معه بقوة البيئة والمصلحة والتقليد. وقد ساهمت عائلته، كما محيطه البيروتي المتأثر بمدرسة جمال عبد الناصر، في تطوّره الفكري والسياسي خارج المنظومة الطائفية التقليدية التي تشدّ الفرد الى العزلة والكيانيّة. فما أن شبّ راحلنا العزيز وتشكل وعيه العام حتى كانت الثورة الفلسطينية في عزّ انطلاقتها تردّ على الهزيمة التي هزت وجدان الشباب العربي، وتردّ على التخاذل الذي طبع مواقف الأنظمة، في معارك فعليّة على الأرض كانت ذروتها معركة الكرامة التي انتشلت النفوس من حضيض اليأس وطرحت نموذجاً يقتدى به للخروج من حال التردّي والاستسلام. في تلك اللحظة، أتصوّر، أنّ أنيس وجد نفسه في ذلك التيار الذي كان يبعث الحياة في جسم مترهّل لا يقوى على النهوض، ووجد نفسه أمام قضية تحرّر وطني صادقة تقرن القول بالفعل وتستحوذ على فكره ومشاعره فاتحد بها واتخذها بشرعيتها ووهجها بوصلة توجّه مواقفه وتطبع ممارساته. لكن أنيس لم يقتنع بهذه العلاقة التي أرادها أشمل وأعمق وأوثق. فقد ارتسمت أمامه القضية الفلسطينية بصفائها وحقيقتها – وكان ذلك قبل أن تتسرّب الأنظمة الى شجرتها وفنائها – ارتسمت قضية شعب يناضل من الخيام والشتات ضدّ الاستيطان والاستلاب ويقدّم، منذ عقود، شلالاً متواصلاً من الدماء والتضحيات لانتزاع حرياته واستعادة حقوقه وتحرير أرضه التي لا يريد أرضاً سواها. وهنا التقت الفطرة لدى أنيس مع عقله المتوهّج الذي لعب دوراً كبيراً هو الآخر في حصول هذا التماهي مع الثورة الفلسطينية الذي رسّخه بنضالاته كما بدراساته التي كانت كلها تؤكد قناعاته واختياراته وتزيده عناداً وتوغلاً في خياراته السياسية التي بدت أحياناً غير مألوفة لشاب بيروتي يملك فرصاً كبيرة للارتقاء والتقدّم في مجتمعه التقليدي. تربى أنيس النقاش ثورياً في كنف حركة فتح التي استهوته كما استهوت صفوة الشباب العربي في ستينيات القرن الماضي. ولم يكتف بالحلقات والمظاهرات والتدريبات فقد التحق مبكراً بالكتيبة الطلابية التي كان لها شأن وشهرة ومكانة إبان الحرب اللبنانية. خصوصاً أنها عرفت كيف تتعامل مع الجماهير اللبنانية في الجنوب وسواه وعرفت كيف توثق هذه العلاقات على قاعدة الودّ والاحترام والتصرّف الحسن مما زاد فعاليتها وشعبيتها وقدرتها على مقارعة العدو بفعالياته العسكرية ونشاطاته السرية. وقد كانت تلك الكتيبة متوجّهة بكليتها للنضال ضدّ الاحتلال الصهيوني عندما وجدت نفسها مرغمة على خوض بعض معارك الداخل في إطار الحرب الأهلية اللبنانية عندما تعرّضت قوى الثورة الفلسطينية، كما الحركة الوطنية اللبنانية، لحرب شعواء شنّتها قوى الانعزال والالتحاق بدعم من قوى غربية ورجعية. وبعد اتفاق الأطراف العربية على وقف الحرب في لبنان وتكليف قوات الردع العربية – حيث للسوريين الحصة الأكبر – بهذه المهمة دخلت الأوضاع اللبنانية ومعها الثورة الفلسطينية فترة هدوء نسبيّ ومراجعة مع إصرار على استكمال العمل في الجنوب والبقاع الغربي لمواجهة العدوان الصهيوني المستمرّ والذي بدأ يأخذ أشكالاً استيطانية مسلحة على الأرض اللبنانية. في تلك المرحلة اهتزّت المنطقة على وقع الثورة الإسلامية في إيران التي اقتلعت الشاه شرطي الخليج والركيزة الأولى للسياسة الأميركية – “الإسرائيلية” في الإقليم. وعندما بادرت الثورة الإيرانية الى إغلاق السفارة “الإسرائيلية” في طهران وفتح أول سفارة لفلسطين في إيران وعقد التفاهمات مع القيادات الفلسطينية وجد أنيس النقاش نفسه وسط هذه اللقاءات متجاوباً أشدّ التجاوب مع الأفكار السياسية التي بدأت تطرحها إيران حيال قضايا المنطقة لا سيما القضية الفلسطينية. هنا انفتحت مرحلة جديدة من حياة أنيس النقاش خاض معاركها بكلّ قناعة إلى جانب الثورة الإيرانية التي أصبحت موئله ومرجعه من دون أن ينفصل لحظة واحدة عن القدس حبه الأول والأثير. *نائب ووزير سابق
أكمل القراءة » -
تحقيقات - ملفات
جبلٌ هوى… لكنّ صاحبنا ارتقى لك يا أنيس قلوبنا كلّ العُلا
محمد صادق الحسيني-البناء تتزاحم الشجون والمشاعر والذكريات والمحطات في ذهني كما تتزاحم الأقلام اليوم في رثائك يا أنيس هذا اليوم، ولا أدري من أين أبدأ وأين انتهي معك وأنت اليوم صرت كلّ الحكاية… ولا تقل «انتهيت وماتت الرواية»… فنحن لا ننتهي بل ننتقل من هذه الدنيا الفانية الى تلك الآخرة الباقية… حاولت يا أنيس أن أرثيك بقلمي المكسور وظهري المنحني حزناً وقلبي المفجوع برحيلك الفجائي، كما ينبغي، فما وفقت ولكنني أكتب إليك بضع كلمات لعلها تشفي وجعي… لقد رحلت عنّا من دون وداع ولا استئذان، إلا من عمّتنا العقيلة زينب عليها السلام والتي زرتها مودّعاً ومستئذناً قبل أيام من إصابتك بهذا الوباء اللعين، كما هي عادتك وولعك الهندسيّ في رسم المثلثات والمكعّبات وتشفير الرسائل والكلمات فبحت للعقيلة الحوراء ما لم تبحه للآخرين ورحلت. آه يا أنيس كم مرةٍ كنت قد قرّرتَ الرحيل وما أذن الله لك… دعني أبدأ معك من حيث البداية الهندسية للرواية… هل تتذكر أول مرة تعرّفتُ فيها عليك في مكتبك لهندسة الديكور في كورنيش المزرعة في سبعينيات القرن الماضي، يوم كنت تخطط مع رهط عظيم من أصحابك مثل هاني فاخوري وعلي يوسف ونزار الزين ومحمد بركات ومحمود هلال رسلان ونذير الأوبري وخالد الشحيمي ومروان الكيالي وعبد الحسن الأمين وعصمت مراد وسمير الشيخ وربيع الجبل ومحمد عرندس وعشرات آخرين من الرموز والقامات الأخرى «للاستيلاء» على لبنان كلّ لبنان وتسليمه كله لفلسطين، هدية من بيروت كليمة البحر والبحّارين العاشقين للسفر الى المحيط الأرحب، بيروت العصية على الدخلاء والغرباء إلا من آمن بالله ورسله وأنبيائه، ونحت في صخورها ورسم على جدرانها وهندس ديكورها بلوحات فلسطين؟ هل تذكر كيف اخترقتَ يومها كلّ حواجز و»سيطرات» القرار الدولي والاقليمي والمحلي المتكلس بنمطيات «لبنان قوي بضعفه» و»لبنان مرآة عاكسة لتناقضات المحيط» و»العين ما فيها تقاوم المخرز»، لتتمكن من إيصال منشوراتك الى قرى جبل عامل تدعوها للقيام.. وزدت على ذلك طموحاً بتجنيد بعض ضباط الأمم المتحدة على الطرف الآخر من الأسلاك الشائكة ليوصلوا صوتك الجهوريّ وصوت حركتك لبنان الأرض بتتكلم عربي الى أهلنا في فلسطين؟ كيف أرثيك اليوم وأنت أنت، أنت الذي هويت اليوم من علياء جبل قاسيون بقوّة فرط صوتية لم نألفها فيك ولا منك، وفي عينيك اللتين كانتا دوماً مسدّدتين الى جبل الشيخ والجليل الأعلى فإذا بهما تغفوان على سفوح جبل عامل ودماوند فاستحضرت مع رحيلك المدوّي هذا أبا جهاد خليل الوزير ومحمد صالح الحسيني وعماد مغنية وآخرين كثراً من رجال المشروع الأممي المقاوم المبدعين.. وإصراري على ذكر هؤلاء الثلاثة تحديداً لأنهم كانوا المواكبين والملهمين لك في لحظات التحوّل والتغيير الأساسية في عمرك السياسيّ، وإنْ أصبحتَ «ملهماً فاق ملهميه» في بعض فصول عطائه بأشواط. رثاؤك يا أنيس ليس بالأمر السهل وأنت كنت عنوان التحوّل والإبداع والهندسة الديناميكيّة في ثلاث محطات أساسية: 1 ـ أنيس لبنان العربي يوم اجتمع الكون كله ليخطفه من عروبته وفلسطينه فكنت سيد المرحلة في الدفاع عن عروبة لبنان الرديفة لفلسطين بكلّ تقاسيم العروبة والإسلام مانعاً المرجفين من سلخ لبنان عن بحره ومحيطه والمتحجّرين الظلاميين عن التفريط بإسلام محمد الأصيل. 2 ـ أنيس إسلام الخميني يوم اجتمع الكون كله ليمنع ولادة إيران الإسلام معلنين الحرب عليها لأنها نادت بإيران اليوم وغداً فلسطين. فكانت نخوتك العربية وصفاء روحك ومن عشقت من السهرودي وملا صدرا وعرفان إمام العصر لتتجلى وحدة العقيدة لديك في نظريتك التي أحببت وآمنت بأنّ مهندس هذا الكون واحد ونوره واحد، ما عنى لك أن تترجمه بانتقالك الى المرحلة الأرقى وهي الجمع بين جناحي الأمة الإسلامية عنيت به مرحلة الإسلام المحمدي الأصيل على سنة محمد وفي تشيّع علي والتي تمثلت لديك وتبلورت بالانتماء.. نعم الانتماء لمدرسة ونهج محقق حلم الأنبياء ووارث آدم والحسين عليهما السلام، عنيت به الإمام روح الله الموسوي الخميني. 3 ـ أنيس حضارة المشرق يوم اجتمع الكون كله لينتقم من كلّ حواضر الأمة العربية والإسلامية ممثلة بشام المسيح ومحمد، وبعثوا جيوشهم الناطقة بعربية زائفة كاذبة والحاملة راية ظلامية سوداء تحمل في جوفها عدة وعديد بقايا عصابات الهاغانا وشتيرن وسواهما من جيوش الشجرة الملعونة في القرآن، فكنت أيضاً سيد المرحلة وعنوانها منذ اليوم الأول، ولم تختلط عليك الأمور ولم تشتبه، فأطلقت نداءك الشهير بأن هيا لننتقل من الاشتباك «المنفرد» الى التشبيك «المتحد» لتصبح الساحات والدماء واحدة متّحدة كما هو هدفنا الواحد الموحّد… ويوم صرعت الإمبريالية والصهيونية على بوابات الشام وصعد من صعد الى بارئه من القادة والأحباب وأخيرهم وارث كلّ علم الحروب والمقاومات وابن الخميني البار ومالك علي الخامنئي الى السماء، عنيت به أسطورة الشرق الحاج قاسم سليماني، قرّرت أن تذهب أنت بكليتك الى دمشق لتخوض ما كنت تعتقد وأنت محقّ بأنها المعركة الأخيرة ما قبل الصعود إلى الجليل الأعلى، أيّ معركة منع تكرار سيناريو العراق الذي يحضر لسورية الأسد ولبنان، ولكن هيهات لهم ذلك. وقد نجحت في أداء واجبك وقسطك في المعركة، مبدعاً وملهماً. وبينما جيش سورية الأسد وحلفاؤه الأوفياء يستعدون لتطهير ما تبقى من أرض الأنبياء وأرض المعراج الى السماء، والكلّ يعدّ العدّة ممن تعرفهم وآخرين جدد يأتون الينا من كلّ حدب وصوب ومأرب… فإذا بك تفاجئنا بالترجّل عن صهوة فرسك والرحيل……
أكمل القراءة » -
تحقيقات - ملفات
من هو “أنيس النقاش؟ تعرفوا على المدرب المجهول لـ “عماد مغنية”
الوقت – توفي المناضل اللبناني المعروف “أنيس النقاش” اليوم(22 شباط 2021) في مستشفى بدمشق بسبب مرض کورونا. شخصٌ قضى كل…
أكمل القراءة » -
تحقيقات - ملفات
أنيس النقاش المقاوم والمفكر… أبكرت الرحيل لكن روحك الثورية باقية
} حسن حردان-البناء أنيس النقاش المناضل المقاوم والمفكر العربي والأممي، لقد أبكرت الرحيل عنا، لكن ما يقلل من ألم خسارتك، أنك شهدت معنا بدء عصر انتصارات المقاومة، وتفاقم المأزق الوجودي لكيان الاحتلال الصهيوني الغاصب، وأيقنت أنّ فلسطين المحتلة، التي تربّيت على حبّها وناضلت من أجل تحريرها، وكانت بوصلتك، منذ نعومة أظافرك حتى وفاتك، باتت أقرب إلينا من أي وقت مضى، أقرب لأن تتحرّر على أيدي أبطال المقاومة في لبنان وقطاع غزة، الذين هزموا القوّة التي زعم أنها لا تقهر، وأذلوا جيش العدو الأسطوري، وأسقطوا جبروته وكسروا شوكته، وحطموا معنويات ضباطه وجنوده، مما أدخل كيان العدو في مرحلة الانكفاء والتراجع الاستراتيجي والتكتيكي، وبات قادته قلقين على مستقبل وجوده أكثر من أيّ يوم مضى… لم تذهب تضحياتك سدى.. لقد أثمرت مع تضحيات الشهداء والجرحى والأسرى والمعذبين، انتصارات أنهت زمن الهزائم… وكشفت زيف التسوية وأسقطت أوهام المراهنين، المساومين، عليها، وأكدت ما كنت دائماً تشدّد عليه، أنّ الأرض لن تتحرّر إلا بالمقاومة المسلحة والشعبية، لأنّ ما أخذ بالقوة لا يستردً بغير القوة… إنّ رحيل هذا المناضل المحارب على جبهة الفكر والأبحاث، بعد أن قام بدور متقدّم في ميدان مقاومة العدو، وفي هذا التوقيت بالذات، شكل حدثاً مؤلماً وقاسياً لجميع المقاومين والشرفاء والأحرار، لأنّ دوره كان ريادياً ومبدعاً في معركة تنوير الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي، لناحية فضح أهداف الحروب الأميركية الصهيونية، والتصدي لكلّ أشكالها، الناعمة، والإرهابية، لا سيما الحرب الإرهابية الكونية على سورية، والشقّ الإعلامي الخطير منها، حيث لعب أنيس النقاش، دوراً هاماً في معركة تحصين الوعي الشعبي في مواجهة السيل الكبير من حملات التضليل التي استهدفت التعمية على حقيقة أهداف الحرب، وفبركة وتلفيق الأكاذيب بشأن ما يحصل على أرض الواقع… انّ رحيلك اليوم جاء صاعقاً لكلّ الذين أحبّوك، وعرفوا فيك حب فلسطين والمقاومين، وتواضعك واستعدادك الدائم للبذل والعطاء في سبيل الدفاع عن قضايا الأمة… أنيس النقاش ستبقى حياً فينا نستمدّ من روحك الثورية المقاومة والمكافحة العزيمة والتصميم على مواصلة درب المقاومة، والنضال في شتى الميادين، لأجل تحقيق ما حلمت ونحلم وتحلم به الأجيال، ألا وهو تحرير فلسطين من رجس الصهاينة الغاصبين المحتلين، وكذلك تحرير الأمة وثرواتها من المستعمرين وأتباعهم.. فمن نذر نفسه منذ طفولته وحتى رحيله عن هذه الدنيا، للنضال من أجل فلسطين وتحرّر الأمة من التبعية للاستعمار، لا يمكن أن يموت.. أنيس النقاش لقد رحلت جسداً، لكن روحك الثورية التي لم تعرف الاستكانة والعيش في ظلّ الاحتلال والمستعمرين وأدواتهم العميلة.. ستبقى حية فينا، وفي ضمائر كلّ المقاومين والشرفاء والأحرار والمكافحين من أجل الحرية…
أكمل القراءة » -
الحدث
أنيس النقاش… حياة حافلة بالسجن والسفر
كنت أسعى إلى توجيه البنادق إلى إسرائيل فقط غادة حلاوي-نداء الوطن أسدلت “كورونا” الستار على حياة صاحب الأفكار الثورية المترامية…
أكمل القراءة » -
تحقيقات - ملفات
أنيس فلسطين… لم ينته النقاش!
ناصر قنديل-البناء – لن ينتهي النقاش حول أنيس الذي طوى مرحلة من المسيرة، وسيبقى حاضراً أبعد من الذكريات الكثيرة، والأسرار الدفينة، فالروح التي تقاتل تحضر ولا تغادر وروح أنيس النقاش واحدة من هذه الأرواح النادرة في الصفاء والنقاء والتوثب والشجاعة والمبادرة واللطف والحضور. في مطلع السبعينيات ونحن نتلمّس مكانتنا في ساحات النضال كان أنيس القدوة والمثال الذي نتبع ظله ونبحث عن حضوره، من دون أن نعرفه عن قرب. ونحن هنا جيل شبابي كامل كان يتأهب لحمل السلاح نحو فلسطين، وعندما شاهدناه في عمليّة وزراء أوبك صفّقنا لهذه البصمة التي شرّفت لبنان واللبنانيين بحضور عرس كبير لفلسطين، وكان أنيس العريس، وعندما التقينا في بنت جبيل ورشاف عام 1977 ولاحقاً في مقاومة احتلال 1978 والصواريخ إلى خلف الحدود، لم نستطع جمع الرموز بين محطات محورها أنيس النقاش، وكأن الذي عرفناه في كل حلقة هو شخص مختلف، لكنّه كان أنيس، الذي تيقنا من جمعه لهذه الحلقات في سلسلة حريته وهو سجين في باريس بعد محاولته إعلان بصمته في عقاب شعوب المنطقة لنظام الشاه ورموزه، وإشهار الموقف الى صف الثورة الإسلاميّة التي رفعت علم فلسطين في طهران، لنعرف لاحقاً أن أنيس كان من المجموعة الصغيرة التي خططت لذلك مع رفاقه الذين صاروا لاحقاً قادة الحرس الثوريّ، الذي ألقيتهم في طهران عام 1980، وهم يتحدثون عن أنيس وحريته كالتزام لا حياد عنه في مستقبل أي علاقات فرنسية إيرانية. – من تلك اللحظة كان الشهيد القائد عماد مغنية حاضراً، حتى لحظة حريّة أنيس بمفاوضات أدارها العماد، وهو يدير ما سيغدو أعظم تجارب المقاومة في المنطقة، والتي سيغدو أنيس العائد أحد أبرز مفكّريها، بعقله الحر وفكره اللامع وثقافته الموسوعيّة وتهذيبه ورفعة أخلاقه، وتصدّيه لكل صعب لا يُنال، وتحدّيه ليقدم القدوة والمثال، فهو حتى لو لم يكن منذ هذه اللحظة بين من يحملون السلاح، لا يترك للنضال الساح. ومنذ هذه اللحظة بدأت صداقتنا القريبة، وصار التواصل بلا انقطاع، وكرم الأنيس في اللقاء عندما يكون في طهران انشغال واهتمام بكل قادم من رفاق الدرب من بيروت، مرّة يكون العماد مضيفاً ومرة يكون الأنيس، حتى رحل العماد، فحاول ما استطاع ألا يشعر أحد أن شيئاً قد تغيّر، وهو في كل المعارك في أول الصفوف، وفي كل الاحتفالات في آخرها، تخجله الأضواء ويكره المناصب والمكاسب ولا يهزّ عضده الإغواء، يبحث عن المقاتلين ويأنس جلساتهم وسماعهم في قلب كل معركة، وينصت لتقييماتهم بعدها، حتى حضر القاسم فصار رفيقاً وأنيساً، وربما كان للحرب على سورية فضل اتخاذها مسكناً ومقراً لأنيس، ليتاح لهما تواتر اللقاء وبساطته، يعزّي أحدهما الآخر بغياب العماد ويحاولان ملأ الفراغ، حتى جاء رحيل القاسم جرحه البليغ وهو يبتسم بانتظار اللحاق. – كل مَن يفكر ويبحث عمّا هو أبعد من سطح الأحداث، ولا يهدأ بحثاً عن حل لقضية في قلب الحرب، كان لا بد أن يهرع الى انيس عارضاً ما التمع في عقله، ويقدح معه زناد الفكر ليستكشفا معاً تحليقاً لا يتوقف في فضاءات الفلسفة والوجود والاستراتيجيات والتكتيكات حتى تتبلور الفكرة مشروعاً، وحين تصير صديقاً لأنيس لن يفوتك منه سعي لنقاش حول فكرة جديدة تشغل باله ويسعى لإنضاجها، فقد أصبحت محظوظاً بأنيس فكر ورفيق درب، قد يتصل آخر الليل أو في الصباح الباكر ليقول بأدب ولطف، ألديك وقت للتحدّث قليلاً، وتجيب بالطبع فيبدأ تحليقه وتدفقه بلا توقف، وتلتقيان وتقرّران كتابة التصورات والسعي لإيصالها، وأنيس صاحب مشروع التشبيك بين لبنان وسورية والعراق وإيران وصولاً إلى تركيا بعد انضباطها بمعايير الخروج من العدوان على سورية، لبناء سوق مشتركة، وحلّ الأزمة الكردية، وتشكيل محور اقتدار إقليمي لا يمكن كسره، يشكل ظهيراً للمقاومة التي لم يشكّ يوماً بأنها ذاهبة بكل فخر وعز وقوة الى فلسطين. – قبل حرب تموز 2006 بأيام وفي ظل توقعات بحرب مقبلة، تشكلت مجموعة عمل استراتيجية وإعلامية لدعم المقاومة في أي حرب، وكان أنيس في الطليعة، وكل صباح من صباحات أيام الحرب كان دفتره مليئاً بالملاحظات، وصوته متدفقاً في الحضور، وكان أستاذاً في التواضع والأخلاق، ومصنعاً للأفكار، ومتطوعاً لأبسط المهام، مثبتاً أنه لا يتعب ولا يستصغر عملاً، وهمّه الأول والأخير أن مسيرة شكلت هاجسه وقضية حياته تتقدّم، وخلال الحرب على سورية كنا نتقاسم الحضور والمواقع والأدوار ونتبادل الآراء والتحليلات، ونشغل محرّكات عقولنا بعيداً عن العلب التقليدية بحثاً عن جديد، ويفرح أحدنا لكل التماعة فكر جديدة، وكل استنتاج يخرج عن المألوف، ونضحك كثيراً عندما نسمع أوصاف من يقفون في المعسكر الآخر لنا، يقول، اللي بيعرف بيعرف واللي ما بيعرف بيقول كف عدس، دعهم يا صديقي يتلهّون في تحليلنا ولننصرف نحن لتحليل الحرب وكيف يُصنع النصر. – في عام 2013 وفي احتفال لتكريم المتسابقين في إحدى دورات شبكة توب نيوز التي أطلقتها في الحرب، دعوت أنيس مكرّماً ومتحدثاً، فكان حضوره المتواضع والمتدفق آسراً، لا يزال الذين حضروا يستذكرونه وسيتذكرونه أكثر اليوم وهم يعلمون أنهم صافحوا يد قائد، لم تلوّثها عمولة ولا عمالة، ويد مفكر تعرف رائحة الحبر في جيناتها ورائحة البارود بين جنباتها، رحم الله القائد المفكر أنيس النقاش. – ستبقى الأنيس، أنيس فلسطين وسورية واليمن والعراق وإيران والبحرين ولبنان، وأنيس بيروت التي أحببت، وأنيس الشهداء، ولم ينته ولن ينتهي النقاش.
أكمل القراءة » -
ارشيف الموقع
انا ابن فلسطين ما هتفتُ غيرها
(مروان طحطح) الأخبار- محمود فقيه «آه يا حكام العرب يا رب يصيبن جرب عم بيصفوا القضية بالحلول السلمية قولوا…
أكمل القراءة » -
تحقيقات - ملفات
أنيس النقاش وحلم «وحدة الجهاديتين»
الأخبار- ابراهيم الأمين فكرة أن فلسطين تحتاج الى كل جهد ممكن، جعلت أنيس النقاش يفكر في كل ما هو صعب…
أكمل القراءة »