كيف يؤثر جيلZ في المشهد الانتخابي في العالم؟
قوة متصاعدة:
كيف يؤثر جيلZ في المشهد الانتخابي في العالم؟
19 مايو، 2024
شهد العالم مؤشرات واضحة على تزايد تأثير الشباب من جيل “زد” في مجريات العملية الانتخابية بالدول المتقدمة والنامية على حد سواء. وبالرغم من غياب إحصائيات رسمية معتمدة في غالبية الدول حول النسب الرسمية لمشاركة شباب هذا الجيل في الانتخابات العامة على مختلف أنواعها، فإن مشاركتهم كان لها دور ملموس في: حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في انتخابات نوفمبر 2020، وتركيا في انتخابات مايو 2023، وتغيير الخريطة السياسية في دول مثل السنغال التي فاز فيها مرشح المعارضة الشاب باسيرو ديوماي فاي بانتخابات الرئاسة، في مارس 2024، وكذلك في هز ثقة السياسيين المخضرمين والمحللين في دول الديمقراطية الراسخة بشأن النتائج المحتملة للانتخابات العامة البريطانية والأمريكية.
في هذا السياق يعرض هذا المقال التحليلي مؤشرات تزايد تأثير جيل “زد” في نتائج الانتخابات العامة في عدد من دول العالم، ومحددات هذا التأثير، وأبرز النتائج المترتبة عليه، ولاسيما وأن عام 2024 يشهد إجراء ما يزيد عن 60 انتخابات عامة، يشارك فيها حوالي 4 مليارات نسمة، كان أبرزها حتى نهاية شهر إبريل الانتخابات الرئاسية في تايوان وإندونيسيا وروسيا والسنغال، والانتخابات التشريعية في الهند التي بدأت في 19 إبريل، ومن المتوقع أن تنتهي في الأول من يونيو، وخلال النصف الثاني من العام، الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، والتشريعية في المملكة المتحدة، بجانب انتخابات البرلمان الأوروبي.
ولأغراض التحليل وفك الاشتباك في تحديد نقطتي بداية ونهاية احتساب عمر جيل “زد” مقارنة بجيل الألفية الذي يسبقه وجيل “ألفا” الذي يليه، يعرف المقال جيل “زد” بأنه الجيل الذي وُلد بين منتصف تسعينيات القرن الماضي وحتى نهاية العقد الأول من الألفية الثانية؛ أي خلال الفترة ما بين 1995 إلى 2010، وبذلك يتراوح عمره في عام 2024 ما بين 14 إلى 29 سنة. ويقر المقال بوجود تعريفات أخرى متضاربة أبرزها تعريف هيئة الإحصاء الكندية الذي يشير إلى أنهم الأشخاص الذين وُلدوا في عام 1993، وتعريف مركز بيو الأمريكي للأبحاث بأنهم الذين وُلدوا خلال الفترة من 1997 إلى 2012، وتعريف الموسوعة البريطانية الذي يتوافق مع تعريف مركز بيو للأبحاث، غير أنه يختلف في تحديد بداية جيل ألفا اللاحق له؛ إذ يبدأ احتساب عمره من عام 2010 وحتى عام 2025، وهو ما يترتب عليه تداخل في احتساب عمر الجيلين.
تزايد الدور:
تتمثل أبرز مؤشرات تزايد دور جيل “زد” على المستويين السياسي والانتخابي فيما يلي:
- زيادة انخراط الشباب في العملية السياسية مقارنة بالأجيال السابقة، ولا يقتصر ذلك على قضايا السياسة الداخلية، بل تشابك ذلك مع القضايا العالمية المثارة. ففي الولايات المتحدة، برزت قضية أزمة غزة كإحدى أولويات الحركة الطلابية في الجامعات الأمريكية على نحو جعلها تشغل نفس حيز الاهتمام الخاص بالقضايا الداخلية، وأن يتجاوز أثرها حدود النطاق الجغرافي للولايات المتحدة لتمتد إلى جامعات عدة في فرنسا والمملكة المتحدة وسويسرا وإيرلندا والمكسيك وكندا وأستراليا والهند. وفي أوروبا وأماكن أخرى من العالم، ظهرت مؤشرات على زيادة اهتمام شباب هذا الجيل بقيادة الحركات الاجتماعية المعنية بتأثيرات البيئة وتغير المناخ، وبمواجهة الأزمات المؤثرة في الأمن الإنساني مثل: قضايا اللاجئين والنازحين، وبالجدل الدائر حول تأثير الذكاء الاصطناعي في مستقبل الإنسانية، وكلها قضايا تتماس مع الحياة اليومية للشباب وتشغل اهتماماته.
-
تزايد الاتجاه إلى الدفاع عن القيم الليبرالية، فنتيجة لمناخ الأزمة والرغبة في الدفاع عن الديمقراطية، فقد شهدت انتخابات الرئاسة الأمريكية في عام 2020 أعلى معدلات لإقبال الشباب على المشاركة منذ الانتخابات الرئاسية في عام 1972؛ إذ صّوت للرئيس جو بايدن 61% من الشباب في الشريحة العمرية من 18 إلى 24 سنة مقارنة بـ 37% لدونالد ترامب، وفي الانتخابات العامة في المملكة المتحدة لعام 2019 صّوت 62% من الناخبين الشباب لصالح حزب العمال مقارنة بـ 19% لحزب المحافظين.
-
تصاعد الرغبة في التغيير السياسي واستبدال النخب القديمة، على النحو الذي ظهر في المناقشات الدائرة على منصات التواصل الاجتماعي بين الشباب بعضهم بعضاً، وبينهم وبين الأجيال الأكبر سناً، فلم يكتف شباب هذا الجيل الرقمي باستخدام هذه المنصات في متابعة الأخبار بدلاً من وسائل الإعلام التقليدية، بل وظفها كأداة لنشر وتوجيه الرسائل السياسية –خاصة الناقدة والساخرة منها- بصورة سلسة وجذابة من خلال الانتقال السريع عبر الوسائط المتعددة، واستخدام مقاطع الفيديو المرئية والمسموعة التي لا تتجاوز مدتها في غالبية الأوقات الدقيقة الواحدة، خاصة على موقع “التيك توك”. وظهر إصرار هؤلاء الشباب أيضاً على التغيير في قيادتهم للأنشطة الميدانية للمرشحين الذين يؤمنون بقدرتهم على إحداث الفارق في مجتمعاتهم المحلية.
وتعبر الحالة السنغالية بجلاء عما سبق، فنتيجة للقيود المفروضة على التجمعات السياسية، زاد استخدام الشباب لمنصات مثل: “أكس” و”واتساب” في توجيه النقاش العام وتنظيم الفعاليات في انتخابات الرئاسة في مارس 2024، ونتج عن كثافة المشاركة الشبابية فوز مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي من الجولة الأولى على منافسه ماكي سال، الذي تولى السلطة لمدة 12 عاماً، ولم تفلح سياساته في خفض معدلات الفقر وتقليل معدلات البطالة بين الشباب والتصدي للفساد.
- توجه غالبية المرشحين إلى استقطاب جيل “زد”، وبرز ذلك على سبيل المثال، في الحملة الرسمية لوزير الدفاع برابوو سوبيانتو في انتخابات الرئاسة الإندونيسية في مارس 2024؛ إذ أجاد توظيف مقاطع الفيديو القصيرة على شبكة “التيك توك” في تقديم نفسه كشخصية محببة للإندونيسيين، وفي الظهور بصورة “الجد اللطيف” الذي يقوم بإلقاء المزح والنكات على مواقع التواصل الاجتماعي. وساعده ذلك على تبديد صورة الشخصية المنفرة للجمهور، التي أدت إلى خسارته للانتخابات الرئاسية في عامي 2014 و2019، وفي النجاح في اجتذاب جيلي الألفية و”زد” اللذين مثّلا أكثر من نصف الناخبين البالغ عددهم 205 ملايين ناخب، وأكثر من نصف مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي البالغ عددهم 167 مليوناً، وهو ما أسهم في فوزه بالانتخابات من الجولة الأولى. الأمر نفسه تستخدمه الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2024؛ إذ عمدت إلى جذب المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي والعمل معهم، وبناء وجود مؤثر في موقع “التيك توك”.
محددات التأثير:
في ضوء المؤشرات السابقة، يمكن تحديد عدد من العوامل المؤثرة في السلوك الانتخابي لجيل “زد”، وذلك على النحو التالي:
- حجم شريحة جيل “زد”، فبالرغم من أن عدد الشباب في الشريحة العمرية 14 إلى 21 سنة، في الدول الأعضاء في الأمم المتحدة يبلغ 1.978 مليار نسمة (كما هو موضح في جدول 1) أي ما يقارب 20% من إجمالي عدد سكان العالم الذي وصل إلى 8 مليارات نسمة في يناير 2024، وذلك وفقاً لتقديرات قسم السكان بإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة في تقريره الصادر عام 2022 بشأن التوقعات السكانية، فإن حجم هذه الشريحة يتفاوت بصورة جذرية عبر الأقاليم الجغرافية ليصل إلى أدناه في دول أوروبا وأمريكا الشمالية، ويصل إلى أقصاه مع زيادة الطفرة السكانية في دول إفريقيا جنوب الصحراء.
ومع تفاوت حجم شريحة جيل “زد” بين أقاليم العالم المختلفة، يلاحظ أن عدد الذين لهم حق التصويت في الانتخابات العامة من المنتمين لهذا الجيل يقل إلى 1.35 مليار شاب وفتاة في الشريحة العمرية من 18 إلى 29 سنة، وذلك لأن غالبية دول العالم تتيح سن التصويت لمواطنيها بدءاً من 18 سنة، وذلك مع وجود استثناءات محددة تشمل خفض كل من مالطا والنمسا والأرجنتين والبرازيل وكوبا والإكوادور ونيكاراغوا سن الحد الأدنى للتصويت فيها إلى 16 سنة، وقيام اليونان بخفض سن التصويت فيها إلى 17 سنة في 2016، واتجاه عدد من الدول مؤخراً إلى خفض سن التصويت في انتخابات البرلمان الأوروبي إلى 16 بدلاً من 18 سنة مثل: بلجيكا في عام 2022، وألمانيا في عام 2023.
- السلوك الانتخابي لأفراد الجيل، والذي يتفاوت من حيث مستويات المشاركة/ اللامبالاة السياسية حسب عدد من الاعتبارات الفرعية مثل: العمر ومستويات التعليم والثروة والتركز الجغرافي والانتماء العرقي، ومستوى الوعي السياسي بين الشباب خاصة لدى “الوافدين الجدد”؛ أي أولئك الذين يمكنهم التصويت للمرة الأولى وغير معروف اتجاهاتهم التصويتية. أضف إلى ذلك نوعية التفضيلات السياسية التي قد تختلف عبر المراحل الزمنية المختلفة وفقاً لإلحاح قضايا الديمقراطية والحريات في مقابل القضايا الاقتصادية المتعلقة بتكاليف المعيشة اليومية، ونسب التضخم ومدى توافر السكن الملائم وفرص العمل اللائقة، والتي تؤثر في إحساس الشباب بالرفاهية وبجودة الحياة.
واتصالاً بذلك، برز من ضمن معايير قياس السلوك الانتخابي مؤشر نوعي يتعلق بمعدلات سعادة الشباب، فوفقاً لنتائج تقرير السعادة العالمي لعام 2024، فقد انخفضت معدلات سعادة الشباب تحت سن 30 سنة إلى أدنى حد لها في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، ثم في دول أوروبا الغربية، فجنوب آسيا، والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بينما زادت في دول أوروبا الوسطى والشرقية ودول الاتحاد السوفيتي وشرق آسيا.
وقد انعكس تدني مستويات سعادة الشباب -في جانب منه- على معدلات إقبالهم على الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، وموقفهم من سياسات نظم الحكم المتبعة مقارنة بالبالغين من جميع الأعمار؛ إذ يلاحظ وجود اتجاه طردي بين انخفاض نسب سعادة الشباب في الولايات المتحدة التي احتلت المركز 62 على العالم خلال الفترة من 2021 إلى 2023، وتدني معدلات مشاركة الشباب المنتمي إلى أواخر جيل الألفية وجيل “زد” (18 إلى 29 سنة) مقارنة بالأجيال الأكبر سناً في الانتخابات. ويدل على ذلك مشاركة ما يقرب من 29.4 مليون شاب وفتاة في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2020 مقارنة بـ 39.7 مليون شخص تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، ومشاركة حوالي 14.3 مليون شاب وفتاة (11.7%) في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر 2022 مقارنة بـ 37 مليون نسمة في الشريحة العمرية 65+ (30.4%).
- حدة الاستقطاب السياسي، فكلما اتسمت الانتخابات بزيادة درجة المنافسة الانتخابية والاستقطاب بين المرشحين زاد إقبال الشباب على المشاركة وإحساسهم بقدرتهم على التغيير السلمي. ففي انتخابات الرئاسة لعام 2020، والتي اتسمت باحتدام المنافسة الانتخابية بين الرئيس دونالد ترامب والمرشح الديمقراطي جو بايدن، أدت كثافة مشاركة الشباب –بالرغم من انخفاضها مقارنة بالفئات العمرية الأخرى وانخفاضها قليلاً مقارنة بنسبة الأصوات الشابة التي حصل عليها الرئيس أوباما في انتخابات 2008– إلى حسم الانتخابات لصالح بايدن؛ إذ حصل على 61% من أصوات الشباب في الشريحة العمرية 18 إلى 24 سنة مقارنة بـ 37% لصالح ترامب.
وبالمثل، اتسمت الانتخابات الرئاسية في تركيا في مايو 2023، والتي شهدت استقطاباً حاداً بين المعسكر الإسلامي المحافظ الذي تزعمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمعسكر العلماني الذي قاده منافسه كمال كليجدار أوغلو بكثافة المشاركة الشبابية. ويتضح ذلك من ملاحظة ارتفاع نسبة التصويت في الجولة الأولى التي وصلت إلى 88.8% من إجمالي الناخبين، وإلى 83.9% في الجولة الثانية، والتي يمكن أن يستنتج القارئ منها زيادة معدلات تصويت الشباب التركي في الانتخابات خاصة مع وصول نسبته في الشريحة العمرية 15 إلى 24 سنة إلى 15.2% من إجمالي عدد السكان في مايو 2022، وهي نسبة تزداد طردياً مع رفع سن الشباب لأعلى.
- تغير بيئة ممارسة الديمقراطية على مستوى العالم، فيكاد يكون هناك اتفاق بين تقارير الرصد العالمية على انحسار الموجة الثالثة من الديمقراطية التي شهدها العديد من دول العالم عقب نهاية الحرب الباردة. فوفقاً لتقرير منظمة فريدوم هاوس لعام 2023، فقد تراجعت حالة الحريات السياسية في العالم للعام السابع عشر على التوالي. وطبقاً للتقرير السنوي للمعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية بالسويد لعام 2023، فقد استمرت الديمقراطية في الانكماش في جميع مناطق العالم للعام السادس على التوالي. وصاحب ذلك تصاعد في شعبية التيارات اليمينية والشعبوية المتطرفة في عدد من الدول الأوروبية وداخل الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها؛ بحيث بات الحفاظ على الطابع الديمقراطي أمراً يستحق العناء.
نتائج التأثير:
يترتب على ازدياد حجم الشريحة الشبابية لجيل “زد”، وبدء إدراج جيل “ألفا” -الذي وُلد خلال الفترة الممتدة من أوائل عام 2010 وحتى منتصف عام 2020- في القوائم الانتخابية خلال الفترة من 2026 إلى 2028 عدد من النتائج أبرزها ما يلي:
- سعي النظم الديمقراطية والسلطوية على حد سواء إلى البحث عن أفضل السبل لزيادة إدماج الشباب في الحياة العامة، وبخاصة في الحياة السياسية بما يتيح لهم التعبير المنظم عن اهتماماتهم وشواغلهم والمشاركة في عملية صنع القرار، وبما ينأى بهم عن الانخراط في أعمال العنف، والانضمام إلى حركات التطرف والإرهاب خاصة في الدول النامية.
-
استمرار التوجه نحو إدراج إدارات متخصصة بالشباب في الحملات الانتخابية للمرشحين للانتخابات العامة، وتطعيمها بالمتخصصين في تشخيص نفسية الشباب وتوجهاتهم تجاه القضايا العامة وسلوكهم المتوقع في كافة مراحل العملية الانتخابية. وقد كان من بوادر ذلك التوجه مبكراً قيام حملة المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون في عام 1972 بتعيين موظف بدوام كامل لإعداد حملة استهداف للشباب، وإنشاء منظمة جديدة تابعة للرئيس معنية بالناخبين الشباب، وذلك من أجل الوصول إلى قطاعات من الناخبين الجدد الذين وصلوا إلى صناديق الاقتراع عقب التعديل السادس والعشرين لدستور الولايات المتحدة، والذي خفض من الحد الأدنى لسن الاقتراع من 21 إلى 18 سنة، وكان معظمهم من المعارضين لحملة فيتنام التي ركز عليها منافسه الديمقراطي وقتها.
-
التأهب لأعمال عنف واسعة النطاق قد تكون مرتبطة بتزوير نتائج الانتخابات في بعض الدول النامية. ويعزز هذا التخوف البنية النظرية التي صاغها عالم الاجتماع الألماني غونار هاينسون، في منتصف تسعينيات القرن العشرين، وطورها عدد من عُلماء السياسة الأمريكان أمثال: جاري فولر وجاك غولدستون، والأستاذ في مجال الديمغرافيا ريتشارد سينكوتا، والتي أثبتت وجود علاقة وثيقة بين “الطفرة الشبابية” في التركيبة المُجتمعية للبُلدان النامية وبين مظاهر العُنف وعدم الاستقرار السياسي المُختلفة فيها، وحسب إشارة سينكوتا، فإن مظاهر العنف غير المحسوبة تصبح أكثر احتمالية إذا زادت أعداد المراهقين والبالغين تحت عمر 25 سنة عن النصف في أي مجتمع من المجتمعات، وتزامن ذلك مع تلقي هذه الفئة لمُستوى مُعين من الوعي المُكتسب عبر وسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح الشبكي الذي يتميز به القرن الحادي والعشرين.
ولا تقتصر أعمال العنف على الدول النامية؛ إذ قد تنشأ أيضاً في حالة عدم اعتراف أحد المرشحين الشعبويين بنتائج الانتخابات في بعض الدول الديمقراطية على نحو ما حدث في اقتحام بعض مؤيدي الرئيس السابق ترامب مقر مجلسي النواب والشيوخ (مبنى الكابيتول) في السادس من يناير 2021 لمنع المصادقة على فوز منافسه الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات، وتلميحه في 2 مايو 2024 لجريدة “ميلووكي جورنال سنتينل” حول رفضه الاعتراف بنتيجة انتخابات 2024 في حال هزيمته “إذا كان كل شيء نزيهاً، سأقبل النتائج بكل سرور.. أما إذا لم يكن الأمر كذلك، عليك أن تقاتل من أجل حق البلاد”.
وختاماً، أثبتت الفترة من 2013 إلى 2024، وهي الفترة التي بدأ فيها دخول جيل “زد” إلى مجالات السياسة والشأن العام -وفي القلب منها الانتخابات- وجود قوة لا يُستهان بها تعمل بصمت في مجال الفضاء الإلكتروني، وبتروٍ في الشارع السياسي، وتستخدم كافة الأدوات التقنية المتاحة من أجل تحقيق التغيير الذي تسعى إليه، ولا تكل في طلبه بكافة الطرق المؤدية إليه –صراحة أو ضمناً- وقد كان من ثمار ذلك، الإسهام في تغيير المشهد السياسي في بعض الدول من خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وفي بعضها الآخر عبر محاولة رسم صورة مختلفة لحركة المجتمع الإنساني العالمي من خلال التضامن الشبابي العابر للدول والأقاليم، وذلك على نحو يحتم على متخذي القرار إدراك سمات هذا الجيل وجيل “ألفا” التالي له، والعمل على استيعابه وإطلاق طاقاته في مناخ ديمقراطي يقي الدول النامية والمتقدمة على حد سواء أعمال عنف مفاجئة وغير محسوبة.