موازنة غير متوازنة!
الكاتب : عباس قبيسي
المصدر :awalan.com
تواجه الحكومات حول العالم تحديات مستمرة في إيجاد التوازن بين فرض الضرائب وقدرة المواطنين على تحمل الأعباء المالية الناجمة عنها. وفيما يعتبر فرض الضرائب أداة رئيسية لتمويل الخدمات العامة والإنفاق على المشاريع الحكومية بطريقة تضمن استدامة المالية العامة، فإن السياسات المالية يجب أن تأخذ في الاعتبار ألا تشكّل تلك الضرائب عبئًا إضافياً غير مبرر على المواطنين والموظفين، الأمر الذي قد يعيق عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى هذا الأساس، فإن مراجعة سريعة لمشروع قانون الموازنة العامة للعام الحالي 2023، تقود إلى ملاحظة كيف أن الحكومة ضاعفت الرسوم والضرائب بطريقة مضاعفة، ويعلق الخبير المالي والاقتصادي علي سعّيد على هذا الامر بالإشارة إلى أن بعض الرسوم تضاعف عشرات المرات وهو ما قد يفرض أعباءً إضافية على المواطن بعد خمس سنوات عجاف من القحط والأزمات والتضخم والتراجع الكبير في الوضع الاقتصادي ، ويضيف سعيّد: لم يكف المواطن أزمات التي حصلت منذ العام 2019 إلى الآن من انهيار للعملة الوطنية وتردي الأوضاع الاقتصادية وضرب قطاعات بأكملها وازدياد البطالة وتعطل مؤسسات الدولة وضعف القدرة الشرائية وعجز المواطنين عن تأمين أبسط الحاجيات من غذاء وتعليم وطبابة بالحد الادنى إلا أن الدولة قررت ضربه نهائياً أو القضاء على ما تبقى من قطاعات صمدت بحدها الأدنى خلال الأزمة عبر موازنات من دون أي رؤى اقتصادية. ويتساءل سعيّد: ما هي الرؤية الاقتصادية للموازنة التي سيتم إقرارها؟ ما هو توجه الدولة الاقتصادي للمرحلة المقبلة؟ أي قطاعات ستقوم الدولة بدعمها؟ ما هي الخطة الاقتصادية التي تنوي الحكومات تبنيها؟ أي قطاعات تهدف الدولة إلى تنميتها؟ هل هناك توجه للحكومة إلى دعم الصناعة أو الزراعة أو السياحة أو قطاع الخدمات؟
وعن الإيرادات الضريبيّة وغير الضريبيّة في مشروع قانون موازنة 2023 يقول الباحث في الدولية للمعلومات صادق علوية إن وزارة المالية قدّرت أنّها ستقوم بتحصيل مبلغ يوازي 147 ألف مليار ليرة لبنانيّة، أي 7.8 أضعاف عمّا قامت بتحصيله فعليًا في العام 2021، يُضاف إليها قروض داخليّة بقيمة 34 ألف مليار، لكن تبين أن هذه التقديرات غير صحيحة، إذ يفترض أن تحقّق الخزينة العامّة أرقامًا أكبر، وذلك لأكثر من سبب، أهمّها أنّ عائدات الجمارك وضريبة الدّخل والضريبة على القيمة المضافة يجب أن تحقّق أرقامًا أكبر بكثير ممّا ورد. كما أنّه من غير المنطقي أن تبلغ عائدات الضريبة على الدّخل ورؤوس الأموال 3 أضعاف فقط من إيرادات العام 2021 في ظل دولرة كلّ السلع.
ما يمكن جزمه أن أحداً من الوزراء لا يعلم ما هي خطة الحكومة الاقتصادية الفعلية أو توجه الحكومة، إنما ما نسمعه من تصاريح تعبر عن إنجاز تاريخي وهمي لا يساوي حبراً على ورق، بينما تقوم بتحميل مسؤولية فشلها إلى مواطنيها وموظفيها عبر فرض المزيد من الضرائب والرسوم والغرامات.
في كل دول العالم عند إقرار أي ضريبة جديدة يتم وضع دراسة للأثر الاقتصادي والاجتماعي على الدولة والمواطنين، فهل تقوم حكومتنا الفاضلة دراسة الأثر الاقتصادي والاجتماعي للضرائب المفروضة؟ وأين سيكون تأثير الضرائب والرسوم المفروضة؟ على أي فئة من المواطنين؟ وأي طبقة؟ خصوصاً في الخمس سنوات السابقة إذ تم تحميل كل الأزمات للمواطنين، فيما لم تتحمل الدولة أي عبء مالي بعد توقف الدولة عن دعم أي من القطاعات حتى الاساسية منها مثل الأدوية والخبز والمواد الغذائية، الأمر الذي دفع بالطبقات الفقيرة ومن يتقاضون الحد الأدنى للأجور إلى التحول لمرحلة الأشد فقراً في ظل عجزهم عن تأمين الحاجات الأساسية لأبنائهم. ويضاف إلى الآثار الفورية لموازنة 2023 الآثار البعيدة المدى التي قد تقود إلى نتائج كارثية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
وفي ظل هذه التطورات، يؤكد الكثر من المحللين أن ما يجري هو تدمير للدولة وقطاعاتها بطريقة ممنهجة وتحت ستار القانون. وقد شهدنا أخيراً النقاش الذي دار حول المادتين الـ 80 و 81 من مشروع قانون الموازنة والذي لم ينته بالوعد الذي قطعه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمام الاتحاد العمالي العام منذ أيام وأكد فيه أنه سيتم إلغاء المادتين المذكورتين.
وعلى هذا الأساس، وبما أن مشروع القانون لم يلحظ الكثير من التداعيات المستقبلية للموازنة في شكلها الحالي، فإن المطلوب هو أن تعمل الكتل النيابية المختلفة على دراسة مشروع القانون بإمعان وروية من أجل الوقوف على ثغراته وتدارك ما يمكن تداركه منها، وفي موازاة ذلك فإن هناك مسؤولية على الاتحاد العمالي العام والنقابات المهنية والعمالية والهيئات الاقتصادية من أجل إعادة الأمور إلى سكتها الصحيحة، وإلا فإن المنتظر هو المزيد من الانهيار والفوضى الاقتصادية والفساد، والذي ستؤثر في النهاية، ليس على المواطنين فحسب، وإنما على خزينة الدولة.