تحقيقات - ملفات
ما سر الاختراق السياسي في العراق؟
المصدر: النهار العربي
وكأنّ عصاً سحرية قادت النخبة السياسية في العراق الخميس الفائت، إلى التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية هو السياسي المخضرم عبد اللطيف رشيد، الذي كلّف بدوره محمد شياع السوداني تأليف حكومة جديدة تخلف حكومة تصريف الأعمال برئاسة مصطفى الكاظمي.
وعلى رغم أهمية هذا الاختراق، الذي تحقق في العملية السياسية العراقية بعد عام من الشلل السياسي، الذي تلا الانتخابات النيابية المبكرة في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) من العام الفائت، فإن الجزء الأصعب لا يزال يكمن في الأيام المقبلة، عندما يبدأ البحث في اختيار الوزراء على قاعدة المحاصصة، التي طالما كانت عاملاً معرقلاً لولادة الحكومات العراقية منذ عام 2005.
وأتى الاختراق السياسي بعدما كاد العراق يدخل الصيف الماضي في حرب أهلية، نتيجة المواقف المتشددة للأطراف، وما تخللها من تظاهرات واعتصامات للتيار الصدري رفضاً لترشيح السوداني لرئاسة الوزراء، متهمة إياه بالفساد وبأنه لن يكون سوى مجرد واجهة لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي. ونزل مؤيدو “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران والمناهض للتيار الصدري، إلى الشارع أيضاً، وعاشت بغداد أياماً عصيبة على وقع التوتر بين الجانبين.
وانطوى تحرك الشارع على عرض للقوة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي استقال نوابه من البرلمان أوائل العام الجاري بعدما رفض الدخول في ائتلاف حكومي مع “الإطار التنسيقي”، مصراً على تأليف حكومة غالبية سياسية تضم تياره وكتلة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي والحزب الديموقراطي الكردستاني.
واعتبرت حكومة كهذه وكأنها ستكون مناهضة لإيران، لأنها تستثني القوى العراقية الموالية لطهران من الدخول في السلطة للمرة الأولى منذ عام 2005. فعمدت هذه القوى إلى تعطيل جلسات البرلمان الجديد الذي كان يحتل فيه الصدر الكتلة الأكبر.
أدى ذلك إلى جمود سياسي، تُرجم في ما بعد بتوتر في الشارع على مدى أشهر ومن ثم الوصول إلى حافة الحرب الأهلية داخل “البيت الشيعي”.
أما وقد التأم مجلس النواب الخميس الماضي ونجح في انتخاب عبداللطيف رشيد رئيساً ومن ثم تكليفه السوداني بتأليف الحكومة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: ما الذي حدث حتى تحقق هذا الاختراق بالحد الأدنى من الاعتراض على شكل إطلاق عشرة صواريخ كاتيوشا على المنطقة الخضراء في بغداد حيث مقر البرلمان؟
عند الحديث عن العراق لا بد من استحضار أكبر قوتين تتصارعان على النفوذ فيه، وهما الولايات المتحدة وإيران.
ومن المعلوم أن إيران تمر بظروف صعبة هذه الأيام في ظل استمرار الاحتجاجات على وفاة الشابة مهسا أميني لدى احتجازها في مركز لـ”شرطة الأخلاق” في طهران في 16 أيلول (سبتمبر) الماضي. هذه الاحتجاجات أضعفت إلى حد ما الموقف الإقليمي لإيران ودفعتها إلى إعادة ترتيب أولوياتها في مناطق النفوذ المحسوبة عليها وفي مقدمها العراق.
ومن مصلحة إيران التعجيل في قيام حكومة من القوى الموالية لها في العراق، قبل أن تتغير الظروف وتكون مضطرة لتقديم تنازلات لمصلحة القوى المناوئة لها. وما زاد في حراجة الموقف الإيراني، هو تعثر مفاوضات إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، ما يحرم طهران من الكثير من المزايا الاقتصادية، التي كانت ستتوافر لها في حال العودة إلى الاتفاق ورفع العقوبات عنها.
إن سلوك العملية السياسية مساراً واضحاً في العراق، يجنب طهران التعرض للكثير من المتاعب. فلا يعود مستغرباً أن تكون ضغطت من أجل تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف السوداني غير البعيد من “الإطار التنسيقي” تأليف الحكومة.
وعلى رغم ذلك، لا بد من النظر الآن، إلى ما سيكون عليه موقف التيار الصدري في المقبل من الأيام. فهل يستكين شارعه ويتيح ولادة يسيرة للحكومة، أم سيلجأ مجدداً إلى رفع الفيتوات في وجهها واعتبارها غير مؤهلة لإدارة دفة الحكم في ظل أوضاع اقتصادية مزرية وانعدام أبسط أنواع الشفافية والمحاسبة واستشراء للفساد؟