السلطة الفلسطينية والإحباطات المتتالية ..هل تتحرر الحركة الوطنية من أغلالها
الوقت- لاتزال تتردد أصداء قرار السلطة الفلسطينية يوم الثلاثاء الماضي 17 من تشرين الثاني 2020، الذي أعلنت فيه عودة التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية و”الكيان الاسرائيلي” إلى ما كان عليه قبل 19 من أيار، ومثل القرار صدمة كبيرة للشارع الفلسطيني، وخاصةً ان جهود المصالحة الفلسطينية كادت تقترب من الحل، لولا قرار السلطة الفلسطينية المفاجئ الذي استدعى رداً من حماس والجهاد الاسلامي، معتبرين ان القرار يمثل طعنة للجهود الوطنية نحو بناء شراكة وطنية، واستراتيجية نضالية لمواجهة الاحتلال والضم والتطبيع وصفقة القرن، ويأتي في ظل الإعلان عن آلاف الوحدات السكنية الاستيطانية في مدينة القدس المحتلة، وقالت حماس إن السلطة الفلسطينية بهذا القرار تعطي المبرر لمعسكر التطبيع العربي الذي ما فتئت تدينه وترفضه.
فصائل المقاومة طالبت السلطة بالتراجع عن قرارها، ولكن لا يبدو أن السلطة ستفعل ذلك، وخاصة أن القرار ترافق مع مفاوضات المصالحة في القاهرة، التي أشيع أنّها قاب قوسين من النجاح ووضعها في خبر كان. كما تم نشر اخبار عن عودة العلاقة والتنسيق، يومين بعد الخروج بقرار رسمي ببدء الإجراءات الإسرائيلية لبناء حي استيطاني، في المنطقة الواقعة بين بيت لحم والقدس، الذي يعتبر أخطر مشروع استيطاني منذ عشرات السنين.
السلطة الفلسطينية تجد لنفسها مبرراً، بما قامت به مع اسرائيل، بأنه يأتي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها، وعجزها عن دفع رواتب الموظفين، وعدم قدرتها على تحمل تبعات فيروس كورونا، ولكن ألم يكن من الممكن أن تنحل هذه المسائل بعد تحقيق المصالحة والحصول على دعم دول تدعم المقاوة الفلسطينية، لماذا هذه العجلة وهذه الروح الاستسلامية. تحقيق المصالحة ألم يكن أنجع ما دام انه يعطي جرعة أمل للشعب الفلسطيني الذي عانى من الانقسام طوال العشر سنوات الماضية.
عودة التنسيق الأمني لم تكن هي آخر مفاجآت السلطة الفلسطينية بل تبعها اعلان مسؤول فلسطيني، مساء الأربعاء، أن السلطة قررت إعادة السفيرين إلى الإمارات والبحرين بعد استدعائهما مؤخرًا، احتجاجًا على قرارهما توقيع اتفاق تطبيع كامل مع “إسرائيل” حسبما نقلت رويترز، ليكون ذلك مخالفًا للموقف الحاد الذي أعلنته السلطة خلال الأسابيع الماضية ضد الإمارات والبحرين، والتف الشعب الفلسطيني حوله.
بدوره علق الرئيس التونسي الأسبق، المنصف المرزوقي، على عودة التنسيق الامني مع كيان العدو، وان كان هذا المر يعطي مبررا مبرراً لالتحاق دول عربية أخرى بقطار التطبيع واقتناعها بما قاله وزير خارجية البحرين، الأربعاء الماضي، في مطار بن غوريون من أنه “حان الوقت لأن ننتهج سياسات أخرى للتوصل إلى حل شامل يحقق الازدهار والنماء للجميع”.
ليجيب المرزوقي لصحيفة “القدس العربي” بالقول: إن أكبر خديعة يقوم بها هؤلاء هي محاولة إيهام الرأي العام بأنهم يسعون إلى السلام. وأنا أقول هذا ليس سلاماً، بل استسلام. من لا يريد السلام؟ نحن نريد السلام بإنهاء معاناة الفلسطينيين وفك الحصار عن أخوتنا في غزة لكن ليس بالاستسلام. والقضية إذن ليست التطبيع أو عدم التطبيع وبين قوسين فلفظ التطبيع خاطئ. فما معنى التطبيع؟ هل كانت لنا علاقات طبيعية في السابق لنعود الآن إليها؟ إن القضية -كما قلت- هي إما سلام أو استسلام. ونحن مع السلام، أما هؤلاء فهم مع الاستسلام. نحن نريد سلاماً حقيقياً مبنياً على احترام حقوق الشعب الفلسطيني، أما هؤلاء فهم مستعدون لرميها والاستسلام مقابل توفير الحماية لهم. وإذا نظرت إلى الأسباب التي تدفع دولاً كالبحرين والإمارات إلى الاستسلام فستجد أنهم يساومون أمريكا بورقة فلسطين لتحميهم من البعبع الإيراني ومن الثورات العربية. هذه هي كل القصة. أما نحن فلسنا بحاجة إلى تلك الحماية ويجب أن نستمر في القول نعم للسلام لا للاستسلام.
القيادي في “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” ماهر الطاهر، أيضا علق على قرار السلطة بالعودة إلى التنسيق الأمني مع الاحتلال معتبراً أن هذا التنسيق “خطير جداً”، مضيفاً أن “ما اقدمت عليه السلطة هو استخفاف بجميع الفصائل الفلسطينية”. وفي اتصال هاتفي مع الميادين، أوضح الطاهر أنه “نحن أمام سلطة تفتقد إلى المصداقية الحقيقية بعد عودتها إلى التنسيق الأمني”، لافتاً إلى أن “السلطة الفلسطينية تعطي مبرراً للانظمة العربية التي أقدمت على التطبيع وتشجع أنظمة أخرى عليه”
وتابع الطاهر قائلاً “على السلطة الفلسطينية أن تدرك أن الفصائل الفلسطينية ليست تحت طلبها كما تشاء، وعلى السلطة الفلسطينية العودة عن قرارها بالتنسيق الأمني والخروج عن مجرى أوسلو وإنهاء مرحلته”، ووفق الطاهر “يبدو أن السلطة متمسكة بخيار أوسلو وهذا يعني أنها تدمر الوحدة ولا تريد إنهاء الانقسام”.
في الحقيقة قرار السلطة الفلسطينية لم يكن مفاجئا لطالما أن هذه السلطة، فضلت مصلحتها الشخصية على مصلحة الشعب الفلسطيني ومستقبله، فقط من اجل مصالح آنية لا تعود بالخير لا على السلطة ولا على الشعب الفلسطيني.
غزة محاصرة من سنوات طويلة، ورغم ان حماس تلقت عشرات العروض من دول أجنبية وعربية للتنازل عن قرارها المستقل ومقاومتها للاحتلال، لكنها في كل مرة كانت ترفض هذه العروض، ولا تزال تقاوم الاحتلال بكل ما تملك، وكانت تآمل ان تحقق مصالحة مع السلطة الفلسطينية، تؤدي في نهاية المطاف إلى انتفاضة جديدة في وجه العدو، الأمر الذي من شأنه ان يحقق مصالح كبيرة للفلسطينيين على اختلاف انتماءاتهم، ولكن قرار السلطة التنسيق مع الاحتلال، أفشل جميع سبل الحل، وزاد من الخناق على غزة وعلى الشعب الفلسطيني عموما، وفي حال استمر الخلاف الفلسطيني الفلسطيني على ما هو عليه، ستصبح الامور معقدة أكثر، ولن يحصل الفلسطينييون على ما يحلمون به، وخاصة ان قرار محمود عباس سيساهم في دفع المزيد من الدول نحو التطبيع. لقد أصبح كيان السلطة ودورها عائق أمام السعي لتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني، ويجب تحرير الحركة الوطنية من أغلالها، حتى يبقى هنا أمل وسعي لتحقيق هذا الأمل.