دماء الطيونة: مفاعيل سياسية وقضائية
ناصر قنديل-البنلء
– لم يكن خافياً أن المعركة التي عاش لبنان تحت ظلالها خلال الأسابيع الماضية كان عنوانها ما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، حول العزم على رد الاعتبار للمسار الدستوري والقانوني في تحقيق المرفأ، انطلاقاً من تثبيت احترام النص الدستوري الذي قفز فوقه المحقق العدلي طارق بيطار في سياق ما وصفه السيد نصرالله من تسييس التحقيق واستنسابيته وانتقائيته، ومخالفته لمفهوم المعايير الموحدة، كما لم يكن خافياً من كلام رئيس حزب القوات اللبنانية عشية تظاهرة الاحتجاج على المحقق العدلي ومساره، أن قضية التحقيق في انفجار المرفأ ودور المحقق العدلي، واحترام الحدود الدستورية تحولت إلى خط تماس بين جبهتين، جبهة تقف وراء القاضي بيطار وتعتبر الفوز في معركته هزيمة معنوية لحزب الله الذي جعل معركته مع القاضي عنواناً لحضوره السياسي، وتقف واشنطن علناً على رأس هذه الجبهة ببيانات صادرة من واشنطن عن لجان الكونغرس ونوابه، وعن الخارجية الأميركية والبيت الأبيض، وصولاً للتحركات اليومية للسفيرة الأميركية لتنسيق أعمال هذه الجبهة ومواقفها، التي يشكل البطريرك بشارة الراعي أبرز عناوينها المعنوية في مواجهة يخوضها البطريرك ضد حزب الله وحضوره، ولا يخفي كونها أم المعارك عنده، وتشكل جماعات مدنية ونشطاء وهيئات تتحدث باسم أهالي شهداء انفجار المرفأ صوتها اليومي في التحركات، ويشكل نقيب المحامين ذراعها الحقوقي، وتمثل القوات اللبنانية عنوانها السياسي وعنصر التوازن في الشارع مع حزب الله إذا لزم الأمر، وعنصر الضغط والتعبئة في الشارع المسيحي بالاستفادة من مظلة بكركي لإحراج التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية، وابتزازهما لدفعهما للتموضع خلف القاضي بيطار.
– الجبهة المقابلة للقاضي بيطار كانت تتمثل بموقع رئاسة مجلس النواب، وحضور متردد لتيار المستقبل ورؤساء الحكومات السابقين، بسبب حجم الضغط الأميركي، وموقف لمرجعيات روحية ومعنوية مثل دار الفتوى والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وتيار المردة وعدد من الأحزاب والشخصيات الحليفة، لكن حزب الله وحركة أمل كانا النواة الصلبة لهذه الجبهة، وكان مجلس النواب يمثل حصن هذه الجبهة، وحضور حزب الله وأمل في الحكومة ورقة الضغط السلبية التي بفعلها تم تعليق اجتماعات الحكومة، والحضور في الشارع للحركة والحزب هو المسار الذي يشكل عنصر الضغط التصاعدي لفرض إعادة النظر بدور القاضي بيطار ومساره، وصولاً لتنحيته إذا استعصى التعديل، وكان ولا يزال معلوماً أن ما جرى في الطيونة، وقد بات مؤكداً أن تحضيراً لإفشال التظاهرة على الأقل كان من بين أهدافه، وتصويرها كما قال رئيس حزب القوات غزوة طائفية لاستنهاض شارع مسيحي لتعزيز خندق المواجهة تحت عنوان معركة التحقيق، ودعم جبهة الدفاع عن بيطار، وتظهير حضور مسلح بوجهها لخلق توازن رادع سياسياً وأمنياً يرفع التحدي تحت العنوان ذاته، على الأقل أيضاً، إذا استثنينا نظرية تدبير مجزرة تشير كل الوقائع إلى أنها كانت مدبرة، في ضوء ما دفع بالقضاء لطلب الاستماع إلى جعجع.
– وقعت المجزرة، وفشلت محاولات استدراج حركة أمل وحزب الله إلى لعبة الدم، بعد نجاحهما بالسيطرة على حدود رد الفعل على سقوط الدماء، وجاء موقف السيد حسن نصرالله بعد المجزرة ليضع كل الأمور في خانة القضاء، صححوا مسار بيطار أو أقيلوه، ولا تمزحوا بالتحقيق في المجزرة، ونحن لن نخرج عن القانون ولن نسمح بالنيل من الجيش وافتعال الفتن معه، ومع تبلور مسار التحقيق وصدور استدعاء جعجع، بدت جبهة الدفاع عن بيطار الخارجية والداخلية تتداعى، وهي جبهة مرجعها في الخارج ولا يمكن توقع تفكيكها من دون تفاهمات أبعد من الداخل، وما يجري تداوله عن اتجاه لرد الاعتبار للدستور في التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وكف يد القاضي بيطار عن التمادي خارج إطار النص الدستوري، بالإضافة إلى سحب الفتائل من طريق مسار التحقيق في مجزرة الطيونة وتسهيل مساره القانوني، وحصر الاعتراضات بالطرق القانونية، خصوصاً بالنسبة لجعجع، ليست إلا ثمار الدماء التي سقطت في الطيونة، والتي كان هدف أصحابها وشعارهم أعيدوا التحقيق إلى مسار الحقيقة والعدالة.