تحقيقات - ملفات

الراعي خائف على الطائف والمسيحيّين: لحكومة بلا استئثار

جوزفين ديب أساس ميديا

تتعاظم مخاوف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من “الانسداد السياسي” الذي يطبع الحياة السياسية اللبنانية ومن خضوعها لـ”نظام المصالح”، على ما تقول مصادر مقرّبة من الصرح البطريركي لـ”أساس”. ومبعث هذه المخاوف يبدأ من “حديثٍ متنامٍ عن شكل النظام”، ويواكبه “مجهول سياسي” في ما يتّصل بانتخابات الرئاسة الأولى، مع مراوحة حكومية “لا أفق مرئيّاً لها” حتى الساعة. وكلّ هذه العناصر تقود سيّد بكركي إلى “خوفٍ” على المسيحيّين.

الخوف على الطائف ودور المسيحيّين

مطالبة البطريرك الراعي بانتخاب رئيس للجمهورية في المهل الدستورية هي الأكثر إلحاحاً الآن، بحسب المصادر، لأنّ الذهاب إلى فراغ يحمل معه مخاطر قد تصل إلى الإطاحة بالطائف. والتشديد هو على انتخاب رئيس يعكس أهميّة المرحلة وحساسيّتها لا رئيس غبّ الطلب.

هذا وإن كان سبب  القلق على “الطائف” هو تعثّر كلّ الاستحقاقات الدستورية الرئاسية والحكومية، فإنّه يبقى سببٌ آخر هو ارتفاع الحديث من هنا وهناك عن “فشل النظام في حلّ مشاكل البلد وعلى كلّ المستويات. وهذا يأتي في لحظة سياسية يقع فيها لبنان على خطّ توتّرات إقليمية وحتى دولية، إضافة إلى الوضع الداخلي المتصدّع”، على ما تقول المصادر، التي تشير إلى أنّ آخر ما ورد في هذا السياق كان من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل تحت عنوان الدعوة إلى النظر في موادّ دستورية، ثمّ تصريح عضو تكتّل لبنان القوي النائب غسان عطالله بأنّ “البلد مقبل على فراغ سينعقد خلاله مؤتمر في باريس للنظر في تعديلات دستورية معيّنة تحت سقف الطائف، وبعدها يحصل انتخاب رئيس يحكم المشهد المقبل على البلاد”.

لا يبدو هذا السيناريو مطمئناً لبكركي لِما يمكن أن يحمله من مخاطر على الدور المسيحي المقبل. ويقول مصدر مطّلع لـ “أساس” إنّ “الخيارات المطروحة حالياً ليست وفيرة. فبين انتخاب سليمان فرنجية ضمن المهل الدستورية، وهو ما ليس متوافراً حالياً، وبين انتخاب رئيس بعد الفراغ، يرجّح أن يكون قائد الجيش جوزيف عون، هناك احتمال ثالث يذهب باتجاه البحث في النظام”.

وإذا كانت مقبولةً لبكركي بعضُ التعديلات لموادّ محدّدة قد تكون ضرورية ومُساعِدة على كسر الحلقة المقفلة للأزمات المتتالية، غير أنّ ما يعمل عليه البطريرك “يهدف إلى عدم المسّ بدور المسيحيين بعد الطائف وعدم تحويل الرئاسة إلى مكسر عصا بعد فراغات متتالية”. وما يرفع الهواجس في هذا السياق هو الفراغ الذي حلّ في الرئاسة المارونية عام 2014، والخشية من ثانٍ يلوح الآن في الأفق، “وهو ما لن يحتمله لبنان لأنّ أثمانه ستكون باهظة جداً قد تطيح بهويّة لبنان الذي سبق أن عبّر الفاتيكان أكثر من مرّة عن مخاوفه من تغيير هويّته”.

عظات الأسئلة والاعتراض

في معرض معاينة هواجس بكركي الوطنية تدعو المصادر إلى التوقّف مليّاً أمام العظات المتعاقبة للبطريرك الراعي، وكذلك بيان مجلس المطارنة وما حمله من أسئلة، خصوصاً لجهة المُطالبة “بتشكيل حكومة ليس على قياس أيّ حزب، بل على قياس البلد”.

في المعلومات أنّ البيان والعظات يعكسان موقف بكركي المعترض على سياق تشكيل الحكومة وعلى مقاربة رئيس الجمهورية ومن خلفه التيار الوطني الحر لعملية التأليف. فبعدما ارتفعت أسهم التشكيل الأسبوع الماضي، عادت المفاوضات إلى نقطة الصفر بسبب تعامل فريق رئيس الجمهورية مع التشكيل انطلاقاً من المحافظة على النفوذ السياسي في الحكومة لأنّها ستدير فراغاً رئاسياً ليس مقدّراً توقيته بعد. وبالتالي أصبح الجميع يسلّم بحصول الفراغ. انطلاقاً من هذا الواقع، زار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بكركي لوضع الراعي في جوّ العراقيل المستجدّة أمام تشكيل الحكومة، ومنها طلب باسيل دخول وزراء من تيّاره، وبالتالي تغيير الوزراء المسيحيين فيها.

ميقاتي يشكو باسيل عند البطريرك

تؤكّد المصادر لـ”أساس” أنّ ميقاتي كان يريد أن يزور الراعي قبل سفره إلى نيويورك، إلا أنّ المستجدّات الحكومية الإيجابية حينها أجّلت الزيارة كي لا يُفهم منها أيّ إشارة سلبية باتجاه بعبدا.

فقد رفض البطريرك، وبحسب المصادر، “تجيير صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حكومة تصريف الأعمال”، وهو يدفع باتجاه انتخابات رئاسية في موعدها الدستوري “وهذا موقف مدعوم من الكرسي الرسولي في الفاتيكان الرافض للفراغ الرئاسي وكي لا تحلّ أيّة حكومة موضع رئيس الجمهورية. وإذا لم تشكَّل حكومة فالبلد مقبل على معضلة كبرى وكرة الخلاف على الصلاحيّات ستكبر”.

أما وقد عادت الأمور إلى نقطة الصفر، بحسب ما نقلت مصادر ميقاتي، فإنّه كان لا بدّ من زيارة بكركي للتأكيد على “عدم صحّة ما يُشاع من أنّ ميقاتي يريد استخدام صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال دخل البلد الفراغ، وعلى رفضه أن يُتّهم بأنّه يُمعن في إضعاف الدور المسيحي في البلاد، إذ إنّ ما يريده ميقاتي هو حكومة لا تعكس إرادة باسيل فقط، بل تعكس مجلس النواب الجديد”.

سمع الراعي من ميقاتي مقاربته الحكومية التي يرفض فيها إعطاء كلّ الوزراء المسيحيين لباسيل لأنّه لا يختصر التمثيل المسيحي. وفي المعلومات أنّ ميقاتي تمنّى على الراعي التدخّل لحلّ هذا الموضوع. وجاء تعليق بكركي سريعاً في بيان المطارنة الموارنة وفي عظة البطريرك أمس الأحد. ففي بكركي رفضٌ لاستئثار أيّ حزب بالتمثيل الحكومي، ومطالبةٌ بأن يتواضع الجميع للالتقاء على انتخاب رئيس للبلاد خوفاً من تداعيات الفراغ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى