حتى حرب المائة عام ( دامت 116 عاماً)، انتهت حول الطاولة المستديرة. متى تنتهي مفاوضات المائة عام، وقد تمتد أكثر، بين أميركا وايران التي بدا وكأنها المفاوضات للمفاوضات، أو للامفاوضات ؟ الغاية منها الحيلولة دون انفجار عسكري لا ترغب فيه الدولتان اللتان تتصارعان، جيوسياسياً وجيوستراتيجياً، في المنطقة (أو حول المنطقة) الأكثر تعقيداً في الكرة الأرضية.

ألم يقل هنري كيسنجر ان الصراع في الشرق الأوسط هو صراع بين نصف الله والنصف الآخر، بعدما نقل الينا جورج بول عبارته الشهيرة «أزمة الشرق الأوسط ولدت مع الله وتموت مع الله»…؟

بالرغم من ذلك يرى رئيس الحكومة الفرنسية السابق دومينيك دو فيلبان أن المشهد الآن، وبعد ذلك الفالس الديبلوماسي على ضفاف الدانوب، وفي أمكنة أخرى، «قد يجعلنا نخشى أن تظهر المفاوضات، الشاقة والمملة، الحاجة الى حرب على غرار حرب الثلاثين عاماً في أوروبا وقد بدت كضرورة لمعاهدة وستفاليا (1648 ) حيث تبلورت قواعد نظام دولي يحل محل الفوضى الدولية».

ألغاز هائلة أحاطت بالمفاوضات التي اما أن تنتهي بصفقة تتعدى البعد التقني للاتفاق النووي، أو أن تنتهي بانفجار لا يعيد ترتيب الجغرافيا فقط، بل والتاريخ أيضاً. برنارد لويس سبق وقال ان التاريخ، كذلك الزمن، ضاع في تلك «العربة العتيقة التي تجرها آلهة مجنونة». لعله الصراع، حقاً، بين الاله الأميركي وآيات الله…

ولنتذكر قول الكاتب الألماني غانتر غراس ان من يدخل الى البيت الأبيض يتوج ـ في الكابيتول ـ الهاً على الكون. أميركا في كل مكان. هنري ميشو تحدث، ساخراً كالعادة، عن «الكنيسة الأميركية» التي حلت، واقعاً، محل كل المعابد اليهودية، والمسيحية، والاسلامية، فضلاً عن المعابد البوذية والهندوسية. المعابد الشيوعية أيضاً…

حين كانت فيديريكا موغريني مفوضة السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، قالت ان على من يفاوض الايرانيين (كحائكي سجاد) أن يكون بأعصاب الفيلة. ربما استوحت كلام ونستون تشرشل «من يفاوض السوفيات عليه أن يكون يكون باعصاب الشياطين»!

أصابع اسرائيل لا تعبث في الظل بمسار المفاوضات. هذا يحدث أمام الملأ، وبنفخ الأبواق. «لسوف نضرب ايران أياً تكن النتائج حتى لا يبقى مصيرنا تحت عمامة خامنئي». جو بايدن، وكذلك القادة الأوروبيون، يخشون من أي انفجار في الشرق الأوسط تكون له تداعياته المدمرة على وضع الحرب في أوكرانيا.

من هنا وصف «الايكونوميست» للمفاوضات بـ «مفاوضات الثلاجة». الهدف تبريد الرؤوس الحامية في المنطقة.

آخر ما خرج به يائير لابيد اشتراط تدمير كل أجهزة الطرد المركزي الايرانية، أي تعرية المشروع الذي كلف، حتى اللحظة، مليارات الدولارات، وعقوداً من العمل المضني (على كسرة الخبز). هو الذي يعلم أن باستطاعة ايران أن تضع القنبلة، في غضون دقائق، على الطاولة بايماءة من مرشد الجمهورية.

معاهد الأبحاث الاسرائيلية تكاد تجمع على أن صناعة، أو حيازة، ايران للقنبلة، وهي التي تحكمها «ايديولوجيا احترفت الترويج للموت بدل الترويج للحياة». يعني تغيير قواعد اللعبة، وكذلك قواعد الاشتباك، في الشرق الأوسط وفي المحيط.

هنا يعبئ اليمين الاسرائيلي كل امكاناته. «الهولوكوست الآخر في انتظارنا». لم يعد قوروش هناك، وقد أنقذ اليهود من السبي البابلي. الآن، آية الله خامنئي الذي يهدد بازالة الدولة العبرية من الوجود. الحرب هي الحل.

الأميركيون يعارضون ذلك بشدة لاقتناعهم بأن المستنقع الايراني أشد هولاً من المستنقع الفيتنامي، أو المستنقع الأفغاني.

المفاوضات، وان كانت للمفاوضات، هي الخيار المنطقي. ولكن ألم يقل جنيفر روبن، في «الواشنطن بوست»، ان الوقت ـ الوقت النووي ـ يعمل لمصلحة ايران، داعياً الى «كسر الزجاجة»، دون اي اعتبار لما يمكن أن تفعله الشظايا في الشرق الأوسط، وحتى في اسرائيل. اسألوا صواريخ السيد حسن…